متى سيلتفت بعض الأخوة من أشقائنا من الطائفة الشيعية الكريمة إلى حساسية طرح القضايا التي تزج بإيران وقيادتها في قضايانا الوطنية المحلية الصرفة؟ ما دعاني إلى طرح هذا التساؤل هو ذلك الطرح الجريء والمقال الثري الذي كتبه الكاتب الكويتي يوسف المتروك على صفحات هذه الصحيفة بالتزامن مع "قمة زايد" التي استضافتها مملكتنا قبل عدة أشهر.

وعلى رغم أن الكاتب العزيز واحد من الكتاب الذين ينتمون مذهبيا إلى الطائفة الشيعية الكريمة إلا أنه أبى أن ينزع عنه عباءته الوطنية والعروبية الخالصة، فصاغ لنا تحفة من الأفكار المهمة التي تؤسس لحتمية الخصوصية الوطنية، واستقلال الأوطان، التي طالما نادى بها المخلصون والغيورون على تراب أرضهم، وقد كان استشهاده بمقولة أحد نواب البرلمان الإيراني الذي جدد مزاعم قديمة في البحرين، ما يجسد بعض المخاوف والآثار السلبية المترتبة على أي شبهة ارتباط بايران أو بقيادتها ولو بشكل رمزي.

إن مطامع إيران في البحرين ليست وليدة الثورة الإسلامية حتما، بل تعود إلى فترة تشكل الدولة الحديثة في البحرين، وتحديدا قبل وبعد الاستقلال بسنوات قلائل. كانت هناك مزاعم إيرانية، ولم يرتبط ذلك بدين أو مذهب الدولة في إيران، بل تلك المزاعم كانت في عهد الشاه، ولكن ظل البعض يكررها فيما بعد، والتصريح سالف الذكر لعضو البرلمان الإيراني دليل على ذلك. وعلى رغم أن شعب البحرين استفتى في عروبته من خلال لجنة تقصي الحقائق المنبثقة من الأمم المتحدة، إلا أن حلم بعض الساسة الإيرانيين في استلاب عروبة هذه الجزر لايزال يراودهم بين فينة وأخرى. في مرحلة الثمانينات، كان الوضع في الخليج، وخصوصا الضفة الشرقية منه "إيران" وشعارات تصدير الثورة، أعادت بطريقة دراماتيكية نظرية السيادة الإيرانية على البحرين إلى أذهان البحرينيين، وخصوصا أن الفترة الزمنية من مطالبات شاه إيران بالبحرين والاستفتاء الذي أجرته الأمم المتحدة لم يمض عليهما عقد من الزمان، وهو عمر قصير في حياة وذاكرة الشعوب.

الأجندة الإيرانية ربما لا يؤثر عليها تبدل وتغير السلطة في إيران، وقد كان للثورة الإسلامية الأثر الكبير على اللحمة الوطنية في البحرين، وتحول الجدل من المطالبة بحقوق المواطنين في انتخاب مجلس تشريعي يمثلهم بعد حل مجلسهم المنتخب، إلى انقسام المجتمع البحريني على نفسه طائفيا، والتحول - عند البعض - من المطالبة بالحقوق الدستورية الموحدة إلى الدفاع عن حقوق الطائفة والعبور بالتجربة الإيرانية إلى السواحل البحرينية. أو من الطائفة السنية التي خفتت فيها ومضة المطالبة بالحقوق المشروعة "الدستورية" ودب وعي آخر وهو المطالبة ببقاء الوضع الراهن بتشوهاته السياسية كما هو، وذلك قبل فوات الآوان وتصور انقضاض المارد الإيراني على البحرين! وهكذا تحول الوعي- لدى غالبية أفراد الطائفة السنية - من وعي بالنضال ضد الاستعمار والمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب، إلى وعي بمقومات الرياضة، والمطالبة بحصد البطولات الرياضية! واختزلت معاني الوطنية وحب الوطن في حب الفريق "أ" أو الفريق "ب" وابتلعت الرياضة السياسة والوعي السياسي، وذلك لعدة اسباب.

من جانب آخر، أثمرت الحرب العراقية/الإيرانية شرخا في العلاقة بين أبناء الشعب البحريني "بين الطائفتين"، فما إن نشبت الحرب حتى تخندقت الطوائف والفرق كلا بحسب انتمائه المذهبي والمستقوي أحيانا بالبعد العرقي هذه المرة بعيدا عن المصالح الوطنية الخالصة، ورغما عن انكشاف المستور فيما يخص طرفي النزاع في الحرب، وبعد ان أدركت الطوائف والفرق المختلفة في البلاد أن الدول الكبيرة تتخذ موازين مختلفة، غير تلك التي في أذهان البعض من هذا الفريق أو ذاك، وخاضعة هذه الموازين لمصالحها القومية أولا وأخيرا... على رغم كل ذلك إلا أنه مازال البعض يحلم. ولكن البعض الآخر من الطائفتين ظل على مواقفه الوطنية ومبادئه النقية، وعروبته وإسلامه الجامع.

خلاصة القول: نتمنى أن نستفيد من دروس الماضي وألا نكرر الأخطاء، وأن نتخندق خلف راية واحدة ومطالب وطنية جامعة... أتمنى من كل قلبي ذلك