طال صمتك، وطالت معها الدروب المؤدية اليك. .. لو أعلم أن مزاجي سيصبح عاصفا بعد أن عيرتك به، لما خطر على بالي أن استفز صباحاتك الشبيهة بالحليب ولقنعت بأمزجتك المتعددة. أنت أيتها الدالة على المضئ والغامر والرحب... الدالة على الحقول والصباحات والأناشيد وفاتحة العسل.
أبتغي عندك معراجا، فإسرائي رهين به... أبتغي عندك يقينا فشكوكي نخرت العظم... أبتغي عندك مستقرا فقد أنهكني السفر، وزوادتي محض غبار وهواجس.
تبرأ من الرمز، لتصاب بالصفة، خطواتك أهلة على الأرض تدل عليك، قلبك قطب العالم، ودمك ماء يتطلع كثيرون إلى إهداره، تنتصر على جسدك بحثا عن خلاص الروح، لك في الكلام صورة الماثل من المستقبل، ومن الصمت ما يوازن علائقه.
حبرك، رحبك الى الساطع من الأشياء والمخلوقات، بحرك، مداد لوصول مؤجل، وحربك استعادة لطمأنينة العالم، تبدو خليقة في فرد، يحبطك المعدن ، فيما أنت المدل على بأسه، منذور لعواصف الشكوك، ولكنك سرعان ما تروضها كما تروض شغفك الجانح.
مبثوث في مراثي الغبار... نادمت الوهم فصرت من أحباره... خلعت على المناجم مستقبل الردم... وفي فرائها الترابي قلت: سيهرول المعدن فامكثي عند المصب... العربات قادمة بفاكهة المباهاة تجرها الخيول المستحمة بالنفيس، فامكثي عند المصب.
الذهب فضيحة التراب، ذليل به، مذل بعده، غلام به، عاهل بعده، فامكثي عند المصب. مبثوث في مراثي الذهب، كلما هادنته عادلني بفتنه... ألهذا يتسابق الأباطرة لبلوغ هذا المجون؟ الذهب مجون الفاقة... ألهذا تتسابق الخليقة لهذا الحشر الناصع؟ الذهب بوق الغفلة... ألهذا تتسل الموسيقى كي تتفقد أعضاءها بمراياه؟ الذهب مرايا تفضح الأسود البهيم... فامكثي عند المصب. منذا الذي يعجل بالفئ كي نمضي محملين بعينات الضحايا؟ فامكثي عند مصب المذبحة... سيخرج القتلة من رمادهم مرصودين بذهب الأشلاء. فامكثي عند مصب الأشلاء... ستخرج الفراشات رافعة بيارقها مرفرفة بأجنحتها المائية لفتور هذا الحمأ... فامكثي عند مصب الفراشات... مصب الحمأ. مبثوث في الفراشات... أجدل صخبها اللوني، فتهيل علي مساحيق الزبرجد... أمكث في الزبرجد... أهتف به أقبل يا سادن أحلامنا الآثمة. مبثوث في مراثي الآثام. من يسن نواميس الغفلة كي أكون جديرا بسلالم هذا الوعيد؟ أمكث في الوعيد لقصاص واحد... أقيم في صدوع الجهر... مبثوث في الجهر... أمكث في النهوض كمن لهاه هول القيامة الصارخ... مبثوث في الصارخ ... ملامسة لشغف البعيد... أمكث في زفرات الأقاصي وحنين الدنو المفتوح على القلب... مبثوث في القلب... جمهرة من شهيق وبهاء زفرة تقض المضجع... مبثوث في المضجع المهيأ لي... للنداوة الفاترة... أمكث في اللهاث الغيبي... صلح لي... وهدنة لعضلة القلب.
يا عضلة القلب في الأماسي المحمومة بهذا الجسد المشرع على الجنة...السافح الروح في طيشها... مبثوث في الطائش ومراثيه... نكسة لك وجثو لما لا يرى...أمكث في الجثو... يدفعني حنين البوابات للأفق النديم.
مبثوث في المداخل... استمالة للمواراة...ضراعة للتخفي في أزياء الغيوم ورفاهية الينابيع... أمكث في خطوات ترسم للصواعق أخاديد النسف وذل الشاهق... مبثوث في الشاهق...مرج الطموح الجدير... الهارب من وشاية القيعان... مسلخا ليأسك البدين صرت.
أمكث في الغلال الوثيرة المنذورة لقيامات القطف... مبثوث في القطف حجا نحو فراسخ الأعناق الحليبية... أقيم في الكروم التي رجرجتها هواجس العابر في غربة صباحات راعفة...أمكث في يقظات الحرس الموعودين بكنوز التسلل النادر... للباسل الذي يشرع يأسه جنة للخضوع المقبل... أقيم في المقبل نجما صافنا في عليائه الموائم... مبثوث في الموائم الذي اختلس معادلته بطمر البواصل الثملة... أمكث في الشقوق الموشاة بليلك الخزف والصحاف المعطرة بالحبر المزمن والورق المصاب بأنيميا الرفوف... مبثوث في الرفوف... أليفا بوحشة الأتربة المقبلة من القرن الذي دشنت فيه أسوار العزلات.
مديرة المعهد الفرنسي بالملتقى الثقافي الأهلي... * واد: مهرجان الشعر العالمي جسر يصلنا بالبحرين
المصلى& جعفر الديري
أكدت مديرة المعهد الفرنسي المنظم لمهرجان الشعر العالمي سوناي واد أن مهرجان الشعر العالمي هو بمثابة الجسر الذي يصل بين فرنسا والبحرين أسوة بالمغرب. وقالت إنه على رغم المسافات الجغرافية الطويلة التي تفصلنا عن بعضنا الا أن الشعر يبقى لغة عالمية مشتركة تصل فيما بيننا.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقتها واد في الملتقى الثقافي الأهلي مساء الأحد 5 يونيو/ حزيران الجاري والتي تطرقت فيها الى مهرجان الشعر العالمي وأهدافه والى الدور الذي يقوم به المعهد الفرنسي في مراكش.
لغة مشتركة اسمها الشعر
ومهدت واد لمحاضرتها بقولها: "ان العولمة لم تكن لتختص بالتبادل الاقتصادي فقط وانما بدأت منذ بداية البشرية بجذور ثقافية تحرك فيها الكاتب والشاعر منذ الزمن القديم وكان له دور كبير في التقارب بين الحضارات. وان هناك لا شك تنوعا في اللغة وفي الانتماءات الدينية المتعددة في بلدان العالم. ولكن من المهم الاشارة هنا الى أنه عندما قدم التجار الى تايلوس - البحرين - لم يكونوا يعرفون لغة الناس القاطنين فيها ولكن كان التبادل التجاري بينهم وسيلة للتعرف على هذه اللغة واهتماماتها".
المهرجان في حلته الثانية
ومتحدثة عن مهرجان الشعر العالمي في دورته الثانية قالت: "لقد عقدنا مهرجان الشعر العالمي الثاني في مراكش بالمغرب وكان الشاعر علي عبدالله خليفة حاضرا ومشاركا في المهرجان وكنا نعرف عندما بدأنا العمل على هذا المهرجان أن هناك الكثير من مثل هذه المهرجانات لذلك قررنا أن يكون هذا المهرجان متميزا ومختلفا جدا، وخصوصا أن الشعر العربي مهم بالنسبة إلى الكثير من العرب. وقد وجدت في المغرب أن الكثير كانوا يستمعون الى حكايا القرويين في قلب المدينة. وعلى هدى من ذلك قمنا بالعمل على تطبيق ما صنفه "هيجن" حينما وضع الشعر على رأس القائمة وجاء من بعده الفن والموسيقى والرقص الخ من الفنون وبالتالي كانت فكرتنا أن نخلط بين جميع هذه الفنون في المهرجان الشعري. فخرجنا بها من القاعات الى الأسواق والى الحدائق العامة بين الناس. كما فعل بابلو نيرودا حينما كان يتحدث عن الخضراوات فيها اذ أصبحت الخضراوات ذات علاقة بالشعر. فعندما خرجنا الى القرية الصغيرة بين الناس كان لقاؤنا مباشرا مع الناس اذ كانوا يستمعون الى الشعر وأصبح هناك تجانس كبير بين الشعراء وبين الناس فكان اللقاء بين الشعراء وبين الناس تجربة متميزة يمكن الاستفادة منها في الدورات المقبلة".
حراك ثقافي واسع
وأضافت: "لقد دعونا جملة من الشعراء الشباب الى جانب شعراء كبار كأدونيس. فكان هناك شاعر فرنسي عمره 81 عاما وكان هناك شاعر مغربي عمره 51 عاما وكان يتحدث اللغة الدارجة واللغة الأمازيغية وكان هناك اهتمام كبير من قبل السفارة الأميركية فدعت الشاعرة ايتل عنان التي كانت تحمل الجنسية الأميركية اذ حدث تفاعل كبير بين هؤلاء الشعراء وخصوصا الشباب منهم. كما تم تنظيم مسابقة كبيرة في المهرجان ووضعنا شجرة زيتون كبيرة في شهر يناير/ كانون الثاني، إذ إن المهرجان يبدأ في مارس / آذار، وطلبنا من المشاركين أن يعلقوا أشعارهم على الشجرة. ونحن اليوم بصدد نشر تلك القصائد. كما قمنا بالترتيب لـ 74 صفا من المدارس الابتدائية إذ قرأوا أشعارهم ومن ثم قمنا باعطاء هذه الأشعار الى مدرسيهم. هذا الى جانب قيامنا ببعث الشعراء الى الجامعات والكليات المغربية مع التنسيق لحوار الطاولة المستديرة بين الطلبة والشعراء. وكذلك نظمنا في احدى المنازل المراكشية القديمة موسما للشعر حوى محاضرات ومناقشات ومطارحات بين الشعراء وكان هناك حماس كبير وقد استمرت هذه المساجلات من الساعة التاسعة مساء وحتى الساعة الثانية صباحا اذ كان هناك ثلاثمئة مشارك في المهرجان العام الماضي".
دور المعهد الفرنسي
وعن الدور الذي يقوم به المعهد الفرنسي في مراكش قالت واد: "كما هو معروف فان نصف سكان المغرب هم من الأميين وكان الباب مفتوحا للجميع من فنانين ورسامين وراقصين للحضور الى المهرجان والى المعهد الفرنسي. إذ نوفر نحن في المعهد فرصة تعلم اللغة الفرنسية للبالغين برسوم رمزية لمعرفتنا بأن الشعب المغربي شعب فقير ونحن نعلم أن الآباء يبعثون بأبنائهم الى المعهد من أجل رفع مستوى لغتهم للحصول على مستويات دخل أفضل. ونحن نعرف أن 58 في المئة من السياحة المغربية تعتمد على الفرنسيين. وهناك نساء أميات مغربيات أيضا يردن الى المعهد من أجل تعلم اللغة الفرنسية فيكون في استقبالهن فريق تدريب".
الاقتراب من الثقافة الفرنسية
المصلى - علي عبدالله خليفة
لقد شاركت في مهرجان الشعر العالمي في مراكش في دورته الثانية وأعجبت اعحابا شديدا بتنظيم المهرجان كما أعجبت بنوعية الاختيار للشعراء إذ كنت الشاعر العربي الوحيد المشارك من خارج المغرب العربي. اذ كان للمعهد تصوره بشأن اللغة اذ يمثل كل لغة شاعر. فكان هناك شعراء من جميع القارات. وهذه الاستضافة لمديرة المعهد الفرنسي في مراكش - الذي قام بتنظيم المهرجان - في هذا الملتقى جاءت من أجل تعاون أكبر بين الملتقى وبين المعهد. من أجل الخروج بالملتقى من النطاق المحلي والاقتراب من الثقافة الفرنسية التي تمثل نقطة مضيئة في الثقافة الأوروبية. وخصوصا أن اللغة الفرنسية ذات آداب متعددة تمثل آخر التطور في عالم الفنون في أوروبا. والهدف هنا هو التعرف على تجربة المعهد في تنظيم مهرجان الشعر العالمي الى جانب تبادل مذكرة تفاهم بيننا وبين المعهد في الاعداد والتنظيم لهذا المهرجان العالمي
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1007 - الأربعاء 08 يونيو 2005م الموافق 01 جمادى الأولى 1426هـ