تشكل الشرعية الدولية لحقوق الإنسان القاعدة الرئيسية لأنشطة الأمم المتحدة الرامية إلى تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها، وتضم الشرعية ثلاثة صكوك، هي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو الإعلام الدولي الأساسي لما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من حقوق غير قابلة للتصرف ولها حرمتها ومراعاتها عالميا وعمليا. ويوفر العهدان الخاصان بحقوق الإنسان الحماية الدولية فيما يتعلق بحقوق وحريات محددة، فكلا العهدين يعترف بحق الشعوب في تقرير المصير وكلاهما يتضمن أحكاما تمنع جميع أشكال التمييز في ممارسة حقوق الإنسان، وكلاهما له قوة القانون بالنسبة إلى البلدان المصدقة عليه.
والعهدان الدوليان هما: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي بدأ تاريخ نفاذه في 3 يناير/ كانون الثاني ،1976 والذي يسلم بحرية العمل وحرية اختياره، وفي الأجور العادلة، وفي تكوين النقابات والانضمام إليها، وفي الضمان الاجتماعي، وفي مستويات معيشة ملائمة. أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي بدأ تاريخ نفاذه في 23 مارس/ آذار ،1976 فيسلم بحق كل إنسان في الحياة وفي الحرية وفي الأمن على شخصه، وفي حياته الخاصة، وفي التحرر من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ومن التعذيب، وفي التحرر من الرق، وفي الحصانة من الاعتقال التعسفي، وفي المحاكمة العادلة، وفي الاعتراف له بالشخصية القانونية، وفي الحصانة من الأحكام الرجعية الأثر، وفي حرية الفكر والعقيدة والدين، وفي حرية الرأي والتعبير، وفي حرية الانتقال بما فيها الحق في الهجرة، وفي الاجتماع السلمي، وفي حرية تكوين الجمعيات.
إضافة إلى البروتوكولين الاختياريين الملحقين به، فالبروتوكول الاختياري الأول: يجيز للأفراد في ظروف معينة التقدم بشكاوى من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الدول المصدقة، أما البروتوكول الاختياري الثاني: فإنه يوجب على جميع الدول أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام. وفيما يتعلق بالاتفاق الخاص بالمادة "41" فهي ذات علاقة بالاعتراف باختصاص الجهة المعنية بحقوق الإنسان لتسلم ودراسة بلاغات نطوي على ادعاء دولة طرف بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالالتزامات التي يرتبها عليها هذا العهد، الذي بدأ نفاذه في 28 مارس من العام .1979
وقد عرض هذان العهدان واعتمدا للتوقيع والتصديق والانضمام في 16 ديسمبر/ كانون الأول .1966 وتتصدر أهمية هذين العهدين الدوليين بأن فيهما قوة إلزامية ونفاذية على الدول المصدقة، وآليات تنفيذ يفتقر إليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما تقاس الدول بمدى صدقيتها في احترام حقوق الإنسان من خلال بوابة الانضمام إلى هذين العهدين الدوليين، والثابت كذلك - كما تعارف عليه المجتمع الدولي - أن معظم الدول المصدقة والموقعة والمطبقة للعهدين الدوليين جميعها من الدول المتقدمة سياسيا واقتصاديا. وهي تضع المعايير الأساسية التي تعتبر المصدر الأساسي لأكثر من 50 من اتفاقات الأمم المتحدة وإعلاناتها ومجموعات قواعدها ومبادئها في مجال حقوق الإنسان، وإذ إن البحرين وبعد أن خطت خطوات متقدمة وخصوصا بعد التوافق على ميثاق العمل الوطني وعودة الحياة النيابية وتفعيل المبادئ الدستورية، وبناء على أن المملكة صدقت على الكثير من الاتفاقات الدولية منها اتفاق حقوق الطفل، الذي صدقت عليه في العام ،1992 واتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي صدقت عليه في العام ،1990 واتفاق مناهضة التعذيب الذي صدقت عليه في العام ،1998 فإنه بات من الضروري أن تصدق المملكة على تلك العهود والاتفاقات الدولية.
يذكر أن الأردن الذي تتشابه تجربته السياسية نسبيا مع المملكة؛ قد صدق على العهدين في العام ،1975 وكذلك الكثير من الدول العربية التي تشبه بشكل متفاوت وضع مملكة البحرين من الناحية الدستورية والتشريعية.
من ناحية أخرى، فإن الكثير من هذه الدول العربية صدقت على هذين العهدين كمصر، والعراق، ولبنان، وليبيا، والمغرب، والسودان، وسورية، وتونس، واليمن، كما يشار إلى أن دولة الكويت وهي من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي صدقت على العهدين في 21 مايو/ أيار ،1996 والأهم أن دولتين من دول مجلس التعاون كذلك تحركتا فعلا وهما في طريقهما لاستكمال الأطر القانونية والتشريعية تمهيدا للانضمام إلى هذين العهدين.
ونعتقد أن البحرين، وهي التي تعد من النماذج الديمقراطية المتقدمة، والتي أضحت مثالا يحتذى به، فإنه من الأهمية التحرك تجاه إقرار التصديق على هذين العهدين، وفي الاتجاه الآخر فإن الانضمام إلى هذين العهدين يعد بمثابة تعزيز للمكانة التشريعية المتقدمة التي تحظى بها المملكة على الصعيد الدولي، وسيضيف إلى سجل المملكة الدولي والحقوقي قفزة نوعية تضعها على قدم المساواة مع الدول ذات الديمقراطيات العريقة. وإذ إن الحكومة أحالت مشروع قانون رقم "00" لسنة "00" بالموافقة على انضمام مملكة البحرين إلى هذين العهدين الدوليين، وتمت إحالته إلى لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بالمجلس، سأتقدم باعتباري عضوا في اللجنة، برفع تعديل على هذا المشروع بقانون للاقتراح بالموافقة على البروتوكولين الاختياريين والاتفاق، إذ إن الانضمام إلى هذين العهدين من دون البروتوكولين الاختياريين والاتفاق يعد خسارة كبيرة ينبغي تجنبها، وان الانضمام إليهما والاتفاق يعد مكسبا دوليا ومحليا على الصعيدين الدستوري والقانوني، إذ إن العبرة الحقيقية تكمن في العهدين والبروتوكولين الاختياريين والاتفاق، وان تصديق المجلس النيابي على العهدين فقط فيه خسارة كبيرة وظلم لنضال شعب مملكة البحرين.
وتعد سجلات البلدان التي توقع وتصدق على المعاهدات الدولية مؤشرا مهما لدى أسرة المجتمع الدولي، والمؤسسات والهيئات الدولية، وتجسد مختلف جوانب الحرية والتقدم على مستوى إقرار الحقوق التي تؤمن بها هذه الدول، وان عددا من البلدان العربية بما فيها البحرين لم تعتمد بعد بعض أهم المواثيق الدولية التي وضعت لحماية حقوق الإنسان والحريات، والفجوات في سجل بعض البلدان، وخصوصا أنه تمت الإشارة إلى التصديق على المعاهدات بدلا من توقيعها، لأن التصديق لا التوقيع من حيث المبدأ، هو الذي يلزم بلدا ما بالتنفيذ، وإن لم يكن هذا هو واقع الحال في الممارسة العملية. وان للبحرين وضعها الخاص والمميز، إذ إنها حصلت على علامات مرتفعة نسبيا على أساس مؤشر التنمية البشرية، كما حققت مراكز متقدمة في هذا السياق سواء كان على مستوى الدول العربية أم على مستوى دول العالم، في هذا العام والأعوام الماضية.
إن ما يتضمنه هذان العهدان من مبادئ تتعلق بالإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة، ومن حقوق متساوية وثابتة، وأن لكل إنسان حق التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبحقوقه المدنية والسياسية، وأن على الدول الموقعة على هذين العهدين ضمانة جعل الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد بريئة من أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب. يضع الجميع تحت المسئولية والمساءلة، تجاه جملة من الحقوق والواجبات التي يجب أن تلقى احتراما من جميع الأطراف، وأن نفاذها حق واجب ترعاه المؤسسات الدولية، كما أن الكثير من المواد المتضمنة في العهدين تضمن الكثير من الحقوق على مستوى حقوق الإنسان ودعم الحريات التي نعتقد أنها تتوافق مع أجواء الانفتاح في المملكة، وفي هذا السياق فإنه على رغم التقدم السياسي والديمقراطي الحاصل في البحرين، فإنه من المهم مراجعة التشريعات الوطنية كافة، إذ إنها صدرت في غيبة المجلس التشريعي، وأصدرتها السلطة التنفيذية، فهي بذلك بحاجة إلى مراجعة شاملة ومتكاملة بقصد تكييفها ومواءمتها مع المقاربات الديمقراطية ذات العلاقة بالمبادئ المتضمنة في ميثاق العمل الوطني الذي سمح بالمشاركة السياسية والتعددية وعودة الحياة النيابية، ومشاركة المرأة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق الانتخاب والترشح، وحمل لواء دولة المؤسسات والقانون
العدد 1006 - الثلثاء 07 يونيو 2005م الموافق 29 ربيع الثاني 1426هـ