في ضوء التطورات الاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم أصبح البعد الاقتصادي في العمل الوطني أكثر إلحاحا وضرورة، وأضحى مفهوم التجارة الحرة محورا رئيسيا للتطور الاقتصادي باعتباره الإطار الرئيسي لدعم وتنمية العلاقات الاقتصادية البينية وإزالة العقبات التي تعترض التبادل التجاري الحر المتوائم مع التوجهات الاقتصادية التي اختطها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لتحقيق الربط مع دول العالم في مختلف المجالات والقطاعات وفى مقدمتها المجالات المتصلة بالبنية الأساسية بتأسيس الحكومة الإلكترونية. إضافة إلى تطوير وتعميق التعاون في المجال العلمي والبحثي وفى مجال التنمية البشرية التي أصبحت عصب التقدم والنهوض في الزمن المعاصر.
ويعتبر التطور المشهود لمملكة البحرين المدعم بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أحد الوسائل الرئيسية للاستمرار في برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. ولاشك في أن هذا التطوير سينعكس بشكل إيجابي على المواطنين والمستثمرين وشركات قطاع الأعمال التي تتعامل مع الجهات الحكومية، إذ تهدف عملية التطوير بشكل رئيسي إلى تقديم الخدمات الحكومية للمواطن في زمن قياسي وبأقل جهد ممكن وبمستويات الكفاءة العالمية. وقد سعت البحرين إلى تحقيق التكامل بالتعامل عبر استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة وإقامة الحكومة الإلكترونية، والتي يتم من خلالها توفير الخدمات الإدارية ورقي العملية التنموية، والتحكم في كلفة زيادة التشغيل للأجهزة الحكومية، لتحقيق مزيد من الاندماج مع الاقتصاد العالمي. إن تخطيط الاستراتيجية الوطنية يبرز لنا مدى أهمية الخطة الوطنية لتقنية المعلومات في جميع جوانبها، من الثقافة والتعليم، والتجارة والاقتصاد، والاتصالات وأمن المعلومات، والإدارة والخدمات. فالتطور السريع في تقنيات المعلومات والاتصالات عامل مهم في تحديد أسس التفوق في التنافس القائم بين الحضارات. وسيظل هذا العامل تحديا كبيرا أمامنا للحفاظ على مقومات ثقافتنا العربية والإسلامية. والحكومة الإلكترونية هي منظومة متشابكة تتطلب فهم جميع مكوناتها لكي تناسب ظروف المجتمع الإنسانية والثقافية والاقتصادية والسياسية، ومفهوم حكومة البحرين الالكترونية يعكس سعي الحكومة إلى ابتكار ومواكبة التطور لكي تؤدي مهمات بشكل فعال في الاقتصاد العالمي المتصل ببعضه بعضا. والحكومة الالكترونية ليست سوى تحول جذري في الطرق التي تتبعها الحكومة لمباشرة أعمالها. وإن ما نشهده اليوم وعلى رغم عدم اكتمال عقد الحكومة الالكترونية فإن تهيئة الواقع التقني والمهاري لمؤسسات الدولة تحقق على نحو كبير بحيث يبدو أن التجربة برمتها تتحرك ضمن رؤية استراتيجية واضحة. ويمكن الاطلاع على أحدث المعالجات لما أنجز من نشاطات في ميدان بناء الحكومة الالكترونية في البحرين على الكثير من مواقع الانترنت الخاصة بالمؤسسات البحرينية.
الجدوى الاقتصادية من الحكومة الإلكترونية
ومن منظور آخر، بدأت مملكة البحرين منذ زمن إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية لتبني صناعة المعلومات كأحد العوامل الرئيسية لتحسين مستوى الدخل الوطني، بعد أن أثبتت تلك الصناعة نجاحها في كثير من دول العالم، لتتبوأ البحرين مكانة كبيرة وتصبح رقما مهما على خريطة العالم. ومن تجليات هذه الجدوى احتضان البحرين لأول مركز إقليمي متخصص في أنظمة الحكومات الإلكترونية، الذي يعمل على مساعدة المؤسسات الحكومية البحرينية، إلى جانب الجهات الحكومية في الشرق الأوسط، على تطبيق وتنفيذ مشروعات الحكومة الإلكترونية باستخدام تقنيات المصادر المفتوحة وأنظمتها، وذلك لأن البحرين تتمتع بخبرة فريدة في هذا المجال، ولأنها أقامت بنية حكومتها الإلكترونية معتمدة على منصة عمل مفتوحة المصدر، لتكون حكومة البحرين أول حكومة في منطقة الشرق الأوسط تستخدم تقنيات المصادر المفتوحة على التقنيات التقليدية من أجل تنفيذ خططها الاستراتيجية في مجال الحكومة الإلكترونية، إذ تقدم هذه التقنيات مزايا خفض النفقات والكلف والتمتع بمستويات أعلى من الحرية والمرونة.
ويعد مركز البحرين لأنظمة الحكومات الإلكترونية بالإضافة إلى أنه يوفر الموارد الاستراتيجية اللازمة والخبرات والنصائح التي تحتاجها فرق الحكومة الإلكترونية العاملة في القطاع العام في الشرق الأوسط، أنه سيشكل نقطة اتصال وتواصل مع إجراءات وخبرات الحكومة الإلكترونية الأوروبية وغيرها، وسيقدم إمكان الوصول لأفضل الخبرات في العالم. ومن جانب آخر، خلصت نتائج التقرير السنوي الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الإدارية إلى أن البحرين تحتل المرتبة الثامنة بين الدول العربية من ناحية مكونات مواقعها الالكترونية وإمكاناتها في تقديم الخدمات للمواطنين. وذكرت المنظمة التابعة لجامعة الدول العربية في تقريرها السنوي للعام 2005 أن البحرين احتلت المرتبة السادسة في أهم معايير الدراسة التي أجريت على مواقع الدول العربية للعام 2004 وهو "تقديم الخدمات التفاعلية الايجابية"، ما جعل البحرين "المركز المفضل" للتجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط من خلال إقامة الشراكة الناجحة وتعزيز البنية التحتية لخدمة المواطنين والقطاع التجاري.
وقد توقعت دراسة اقتصادية صادرة عن مجموعة - غارتنر جروب - أن يتحول مجموع التجارة الالكترونية في البحرين من 1 في المئة العام 2001 إلى 10 في المئة مع نهاية العام الجاري ،2005 من حجم التجارة الالكترونية الإجمالي.
جهود توطين التقنية في الحكومة الإلكترونية
إن دعم القيادة العليا للبلاد لمشروع الحكومة الإلكترونية أدى إلى تحقيق الكثير من الفوائد، إذ كان - ولايزال الدعم - المبكر الذي حظي به هذا التوجه من قبل سمو ولي العهد، قد قاد إلى كثير من النتائج التي تتوافق مع الاستراتيجيات التي يتبناها. ويمكن تلخيص أهم نتائج تنمية الاقتصاد الوطني بالحكومة الإلكترونية بما يأتي:
- تطوير صناعة تقنيات المعلومات لتوفير مصدر آخر ذي عوائد مادية عالية للدخل الوطني.
- توفير بيئة استثمارية لاجتذاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
- توفير فرص وظيفية جديدة ذات عوائد مالية عالية.
- تخفيض الكلف الإدارية والبشرية في القطاعات الحكومية.
- تطوير العملية التعليمية وتنشئة أجيال قادرة على مواكبة التقنيات الحديثة.
- استخدام التقنيات الحديثة لتحسين وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين.
- توفير خدمات صحية أفضل باستخدام تقنيات المعلومات الحديثة.
- ترسيخ الأمن الوطني.
- توفير بيئة تقنية أفضل لتقديم خدمات أفضل للقطاع الخاص.
ومن هنا نلاحظ أن توطين التقنية من خلال دعم الأبحاث وكل ما يسهم في التطور والابتكار العلمي والتقني، يعد مطلبا أساسيا لدعم التطور التقني على المستوى الوطني وتحسين الأداء، ما يساعد على التوسع في الخدمات ضمن الخطط الاستراتيجية المرسومة. وإن وجود مواصفات ومعايير ومقاييس محددة ومتفق عليها في مجال تقنية المعلومات له فوائد مهمة، فعلى سبيل المثال يمكن تقليل كلفة مشروعات تقنية المعلومات، وتسهيل نقل المعلومات بين جهات عدة، وتوفير الجهد والوقت المطلوب في إدارة وتنفيذ المشروعات.
وإدراكا من القيادة الحكيمة للمملكة أن الحكومة الالكترونية تتطلب الوقوف على كل تشريعات النظام القانوني، وأنها لا تحتمل أن يشرع لها بقالب تشريعي جاهز قد يكون مناسبا في بيئة مغايرة وغير مناسب في البيئة المحلية فقد أصدرت مملكة البحرين مرسوما بقانون رقم "28" لسنة 2002 بشأن المعاملات الإلكترونية لضمان بناء حكومة الكترونية حقيقية وفاعلة، بوضع خطة تنطوي على عناصر النجاح، وذلك بان تكون الرؤية واضحة، وان تحدد الأهداف على نحو قابل للتطبيق، وأن تخضع المراحل كافة للإشراف القيادي والمتابعة، وأن تحفز الخطة فرص المشاركة والاستثمار. وان تعامل كل المراحل بالواقعية والشفافية، وان تعتمد استراتيجية المراجعة لما أنجز وما تبقى دون انجاز، واستراتيجية التحليل اللاحق حتى تضمن توافر عنصر التطور المطلوب للحكومة الإلكترونية.
ومن هنا فإن المسئولية لا تقف عند حدود متابعة البناء ولكنها تمتد إلى ضرورة ملاحقة إنجازات العصر وتوسيع فرص الابتكار وترسيخ جذور التكنولوجيا في المجتمع وتعزيز مكانة البحرين في المنافسة الدولية على الأسواق بالتركيز على الابتكار والإتقان والجودة وتقليل الكلفة وتهميش الفاقد في العملية الإنتاجية. فمؤشرات التنمية الراهنة ستولد الكثير من فرص العمل كل عام لتغطي احتياجات الداخلين الجدد إلى سوق العمل وتستوعب نسبة لا بأس بها من الذين لم يتمكنوا في سنوات سابقة من الحصول على فرصة عمل مناسبة. ولكن التحدي يكمن في استمرار جهود التنمية وزيادة معدلاتها التي تفرضها سرعة التقدم ويفرضها تعدد جبهاته وعمق المعلومات المطلوبة لمجارات العصر المعرفي.
وختاما فإن المعرفة "Knowledge" هي القوة العالمية العظمى التي من خلالها يظل التقدم حكرا على من يملكون المعرفة ومن يقدرون على توظيفها التوظيف الصحيح ومن يستطيعون قطف ثمارهما للمصلحة الوطنية. وإن مسئوليتنا إزاء الحاضر والمستقبل تفرض علينا أن نبذل أقصى جهد كي نواكب هذه المعرفة بزيادة القدرة والكفاءة في كل اتجاه، ففي الأفق تلوح فرص عظيمة لعالم يشارك فيه جميع الناس في وعد المعرفة الإنسانية، ويشاركون في الرخاء والنمو العالميين ويحققون امكاناتهم الإنسانية
العدد 1002 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ