العدد: 3344 | الأربعاء 02 نوفمبر 2011م الموافق 06 ذي الحجة 1432هـ
المدينة الإغريقية... كتاب يروي شروق الديمقراطية وغروبها
في كتاب (المدينة الإغريقية) الذي يترجم إلى العربية للمرة الأولى يستعرض مؤرخ فرنسي شروق الديمقراطية اليونانية وغروبها؛ إذ مورست الديمقراطية على نطاق جماهيري واسع قبل أن تستنفد التجربة أغراضها ويتم احتكار السلطة. ويقول غوستاف غلوتز (1862 - 1935)، إن «الطبقة العاملة» التي حرمت حق الممارسة السياسية تحولت إلى جيش للتمرد ينتظر «رؤساء» وبدأ عصر الثورات والثورات المضادة إلى أن جاء الغزو المقدوني ثم الغزو الروماني لليونان التي تصارعت مدنها وعجزت عن الاتحاد.
والكتاب الذي نشر للمرة الأولى بالفرنسية العام 1928 ترجمه إلى العربية الناقد المصري محمد مندور (1907 - 1965) الملقب بشيخ النقاد العرب المحدثين وصدر في سلسلة «ميراث الترجمة» عن المركز القومي للترجمة في القاهرة.
ويقع في 466 صفحة كبيرة القطع. وكانت مصادفة سيئة وراء ظهور الكتاب كما ذكر طارق مندور الابن الأصغر لمندور في مقدمة الكتاب الذي ظل مدرجاً ضمن قوائم أعمال مندور «تحت الطبع» حتى قرر مالك البيت هدمه منذ بضع سنوات فقررت الأسرة إهداء المكتبة إلى أكاديمية الفنون وعثروا على كتب ومخطوطات وخطابات «اتضح أن الكثير منها يستحق النشر» ومنها خطاب مندور إلى قادة ثورة 23 يوليو/تموز 1952 التي أنهت حكم أسرة محمد علي إضافة إلى ترجمة كتاب «المدينة الإغريقية».
وأضاف أن مندور بدأ ترجمة هذا الكتاب حين كان يعد رسالة الدكتوراه في باريس ولكنه عاد العام 1939 بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية وواصل ترجمة الكتاب في فترات متقطعة حتى بداية الستينيات مسجلاً أنه لاحظ تغير خط والده في الكتابة قبل جراحة أجريت له في المخ العام 1950 وبعدها كما وجد أجزاء من الترجمة بخط والدته الشاعرة ملك عبدالعزيز (1921 - 1999) فبذل جهداً في المراجعة بمساعدة الشاعر المصري محمود قرني حتى صدر الكتاب كاملاً.
وقال طارق مندور، إن والده «ألزم نفسه أخلاقياً» بردِّ الجميل للمصريين بمجرد عودته من فرنسا؛ إذ ترجم كتباً منها «دفاع عن الأدب» و«من الحكيم القديم إلى المواطن الحديث» و«تاريخ إعلان حقوق الإنسان» ورواية «مدام بوفاري» لغوستاف فلوبير، إضافة إلى كتب من تأليفه منها «نماذج بشرية» 1943 و«النقد المنهجي عند العرب» 1948 و«الديمقراطية السياسية» 1952.
وقال، إنه عثر أيضاً على ترجمة عربية غير مكتملة لكتاب «اضمحلال حضارة.. أو نهاية الإغريق القديمة» لمؤلفه الإيطالي مدير المجلة التاريخية الجديدة، كورادو بارجالو وترجمه للفرنسية أمين محفوظات الدولة والمحاضر بمدرسة الدراسات العليا، جورج بورجان وترجم مندور عن الفرنسية أجزاء منه. ويقول هنري بير في مقدمة كتاب «المدينة الإغريقية» إن اليونان «حققت للشخصية البشرية نمواً لا مثيل له.
وفي مقابل البربري الذي يخضع للاستبداد ويؤلهه نرى الإغريقي مواطناً حراً... وفي المدينة الإغريقية من الإعجاز مثل ما في فن الإغريق وفلسفتهم. لقد كونت تلك المدينة تجربة للبشرية. كونت مثلاً وأنموذجاً خالداً على وجه الدهر». مضيفاً أن أثينا حققت تحولاً عميقاً للعناصر الدينية وجعلتها عناصر عقلية بحتة أما الفلسفة والسلطة الدينية فاتحدتا لدرجة يكاد معها الفلاسفة أن يصبحوا ملوكاً والملوك فلاسفة خيرين. ويسجل أن أثينا تعد «مدرسة الإنسانية جمعاء لا مدرسة اليونان فحسب» وأن الشعب كان «مجموعة أعضاء المدينة لا مجموعة سكانها»؛ إذ يستبعد الأرقاء والأجانب وأن «الديمقراطية ازدهرت بفضل تحرير الفرد الذي يهب المدينة من القوة بقدر ما تهبه من الحرية» ويربط بين النمو السياسي وازدياد الثروة وتكوين طبقة زعماء الشعب وأرستقراطية المال «أو ما يسمى الرأسمالية». ولكن غلوتز مؤلف الكتاب يختلف عن حماسة هنري بير للديمقراطية اليونانية فيما يخص مفهوم المواطنة أو تراكم الثراء الذي يؤدي إلى الاستبداد. فيقول غلوتز في فصل عنوانه «النظام الاستبدادي»، إن أرسطو (384 - 322 قبل الميلاد) رأى «بفطنته المألوفة أن ازدياد الثروة قد كان السبب الأساسي في ظهور الحكم الاستبدادي». ويضيف المؤلف أن الحكام المستبدين، وخاصة الذين تركوا أثراً في التاريخ كانوا من كبار البناة لأنهم «يوحون إلى الشعب بعزة قومية تنسيهم حريتهم المسلوبة... وكانت هباتهم السخية تجلب إليهم من كل فج المعماريين والنحاتين والشعراء»، ويحرصون على تنظيم مسابقات غنائية ومسرحية.
ويشرح مفهوم الديمقراطية الإغريقية قائلاً، إن الملك لم يكن يستطيع أن يقرر شيئاً بغير رؤساء الجماعات في المدينة وهم يمثلون مجلس الشيوخ وإلى جانبهم كان رأي الشعب أو العامة يؤخذ في الحسبان؛ إذ يجتمعون في الأجورا (الساحة العامة) وهي تمثل الجمعية العامة التي تضم جميع مواطني المدينة والمحاربين
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/606087.html