العدد: 1335 | الثلثاء 02 مايو 2006م الموافق 03 ربيع الثاني 1427هـ
المال والغرائبية والجماليات
كيف تصل أفلام الشرق إلى أوروبا؟ (2)
في الجزء الأول من هذا المقال الذي كتبه الباحث في العلوم الإسلامية وموزع الأفلام الألماني لودفيغ أمان، تحدث الكاتب عن بعض من المعوقات التي تعترض طريق وصول أفلام الشرق إلى المشاهد الأوروبي. وتناول أمان في المقال، الذي نشرته مجلة «فكر وفن» في عددها (83)، الصعوبات التي يواجهها موزعو الأفلام عموماً بسبب سيطرة هوليوود على الأسواق العالمية. بعدها تطرق لبعض من تلك المعوقات التي واجهته شخصياً في محاولاته للترويج للأفلام العربية وسائر الأفلام غير الأوروبية. وأخيراً استعرض الكاتب جزءاً من سيرته الذاتية وخصوصاً تلك المتعلقة بافتتانه بعالم السينما، وعما دفعه إلى العمل على الترويج لكل الروائع الفنية من جميع أنحاء العالم.
في هذا الجزء يجيب على السؤال الذي اختتم به سابقه واستفهم فيه عن السبب الذي يجعل فيلماً مثل «المصير» ليوسف شاهين، لا يجد من يرغب في عرضه في ألمانيا، على رغم كل النجاح الذي حققه في مهرجاني لوكارنو وكان.
المال هو المهم
ببساطة يرى أمان أن الإجابة على سؤاله تكمن في كون «فيلم المصير لن يحقق على الأرجح أرباحاً تذكر في السوق الألمانية، وعلى النقيض من فرنسا التي يقيم بها عدد كبير من العرب، تعيش في المانيا غالبية تركية وتؤثر تلك التفاصيل الديموغرافية على رواج الفيلم أكثر من أية أحكام مسبقة أخرى».
هنا جاءت فكرة تأسيس شركة توزيع، وأمان لا ينسب هذه الفكرة إلى نفسه بل إنها، كما يؤكد، اقتراح من «أحد مشجعي الأفلام الشبان من مدينة شتوتغارت» الكاتب الذي تحمس للفكرة اعتقد انه من الممكن «التوفيق بين الفائدة والمتعة وبين السعادة الشخصية وسعادة الآخرين. لكن يا للسذاجة! لو عرفنا كم من الخسائر سنتكبد بين عشية وضحاها عند البدء بعرض فيلم جديد لما جازفنا وخضنا تلك المغامرة».
على أي حال: ذات يوم تجرأنا، ميشائيل إيزاله، الذي لم تعد تستهويه الأعمال المصرفية، وأنا وأسسنا جمعية كول لتوزيع الأفلام noitubirtsid - mliF looK. كان شعارنا: توزيع أفلام غير عادية، هادفة وجمالية فأخذنا على عاتقنا مهمة توزيع فيلم المصير ذي الرسالة التنويرية، وهو يصور ازدهار الحضارة العربية في الأندلس ويندد بالتعصب الديني».
ردود الفعل الألمانية كانت مشجعة في بداية الأمر، إذ يؤكد أمان أن «صفحات الثقافة في المجلات والصحف الألمانية انبرت بالمديح، وتهافت الصحافيون لإجراء مقابلات مع يوسف شاهين. أما ميشائيل وأنا، فقد تألقنا بمجد المخرج واعتبرنا توزيع ثلاث نسخ وحضور 15 ألف مشاهد للفيلم نجاحاً باهراً. لكن الفيلم في المقابل لم يحقق ارباحاً من إيرادات بيع التذاكر التي تبلغ عادة 40 في المئة. هذه الارباح غطت بالكاد نفقاتنا ولكنها لم تكف طبعاً لدفع أجر عملنا طوال أسابيع!»
هذه التجربة، كما يفيد أمان، علمته ثلاثة دروس، الدرس الأول أن «هناك أفلام تنال إعجاب الصحف وهناك أفلام تنال إعجاب الجمهور. أما أن ينال فيلم إعجاب الاثنين معاً فهذا نادر جداً وضربة حظ قلما تحدث.
ولأن عرض الفيلم لم يحقق ارباحاً حاول أمان وزميله الحصول على دعم مادي يمكنهما من الاستمرار لكن ذلك لم يحدث «فهيئة التحكيم المعنية لم تسمع قط باسم أشهر مخرج عربي ورفضت بكل صلافة طلبنا للحصول على أية مساعدة!» ويواصل «كان ذلك العام 1999 في مطلع الألفية الجديدة، وضعنا لشركتنا خطة هادفة وطموحة للغاية، أولاً: توزيع فيلم تسجيلي عن عملية جمع وإعادة استعمال عبوات الزجاجات الفارغة في مدينة بازل.
ثانياً: توزيع فيلم قصير صامت، أبيض وأسود، وحائز جوائز عدة، عن أطفال الشوارع في مكناس لفوزي بنسعيدي.
ثالثاً: توزيع فيلم «الآخر» ليوسف شاهين، وهو ميلودراما صاخبة، يجدد المخرج فيها تصفية حساباته مع بلده.»
نجحت خطة أمان ووافقت هيئة التحكيم على دعم شركته مع الخطة الثانية لأنها الآن تعرف يوسف شاهين لكن ما حصل هو أن «فيلم الآخر لم ينل رضى الصحافة، ولا رضى الجمهور الذي أخذ على الفيلم جمالياته المصرية الخالصة وافتقاده عنصر الغرابة المثير في الطبقة الغنية التي ينتمي إليها أبطال الفيلم والمتأثرة بالغرب إلى أبعد حد، ذلك أن المشاهد الذي يجوب العالم وهو قابع في مقعده يريد عند مشاهدته فيلماً أن يشارك الطبقات البائسة تفاصيل حياتها اليومية أو أن يتمتع بمناظر طبيعية جميلة»
جمهور متقلب المزاج
الدرس الثاني الذي تعلمه أمان هو أن ثمة أفلاماً لا يستسيغها لا الجمهور ولا الصحافة وهي في الواقع غالبية الأفلام «وهذه الأفلام من شأنها ان تقصم ظهرك! ففي السينما ثمة قاعدة أساسية ألا وهي: صناعة الأفلام تكلف مبالغ باهظة، يجب تسديدها من إيرادات بيع التذاكر والـدي في دي ومن رسوم تمرير الأشرطة على شاشات التلفزيون في سائر أنحاء العالم، ولابد من أن تغطي تلك العائدات نفقات الأفلام الفاشلة أيضاً، إذ يتم تدارك الخسائر الناجمة عنها والتي يصعب تجنبها كلياً. عند عرض فيلم جديد يتضح خلال 4 أيام، لا غير، ما إذا كان الفيلم ناجحاً أم لا.
التنافس بين الأفلام شديد، وأصحاب دور العرض الذين ليست لديهم سوى شاشة أو شاشتي عرض مضطرون من أول الأمر إلى رفض معظم هذه الأفلام هذا هو الواقع المرير في مضمار العمل بالسينما ومعطيات السوق التي يجب أخذها مأخذ الجد قبل فوات الأوان وشراء فيلم جديد. هناك طبعاً بعض المثاليين من أصحاب دور السينما الصغيرة، إذ تعرض الأفلام وفق برنامج محدد يتم التقيد به سواء نجحت الأفلام أم فشلت. ويقوم هؤلاء بتمديد عرض فيلم ليوسف شاهين مثلاً لمدة أسبوعين أو 3 تقديراً له وليتيحوا للمعجبين به فرصة مشاهدة الفيلم، فيعرضون الفيلم في الساعة الخامسة، ذلك أن صالة العرض في هذا الوقت أصلاً خاوية ومدى الخسارة محدود. إلا أن تلك العروض لم تقدم ولن تؤخر، إذ إن شركة التوزيع تكون خسرت اللعبة في جميع الأحوال.
ولا ريب أنكم تسألون الآن: أين وكيف نشتري أفلامنا الجديدة ومناط آمالنا القادم؟
طبعاً يمكن عمل ذلك في المهرجانات السينمائية المهمة والأسواق المخصصة لبيع الأفلام. كما إن مؤسسات التوزيع والتسويق العالمية تقدم عدداً لا يحصى من المنتجات من جميع أنحاء العالم تتنوع بين أفلام تلفزيون وأفلام سينما و دي في دي.
وفيما يتعلق بالمهرجانات فلا حاجة بنا إلى السفر إلى دبي أو قرطاج لحضور المهرجانات السينمائية فيها واكتشاف الأفلام العربية الجديدة. بل يمكن الاكتفاء بمهرجانات كان وبرلين وتورونتو بالإضافة إلى مختلف المعارض المهمة كسوق الأفلام الأميركية.
في تلك المهرجانات تعرض مئات الأفلام خلال بضعة أيام فنقوم بعملية انتقاء أولية لبعض الأفلام قبل ان نبدأ بالركض من فيلم إلى فيلم ومن باب إلى باب، الفيلم الذي ينذر بالفشل يشطب خلال ربع ساعة من القائمة، لكن قبل أن ندخل تلك المعمعة لابد لنا من أن نستحضر شروط اللعبة وألا ننسى إلى جانب أي فريق نلعب، بمعنى آخر: أية أفلام نقدر على شرائها لنقوم بعرضها في ألمانيا وسويسرا
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/585789.html