العدد: 2337 | الأربعاء 28 يناير 2009م الموافق 01 صفر 1430هـ

الفريق الطبي البحريني يدخل «غزة» ويسلّم سيارتي الإسعاف

«الوسط» تكرم العكري وتمام

أقامت صحيفة الوسط أمس (الأربعاء) حفلا تكريميا للطبيبين العائدين من قطاع غزة علي العكري ونبيل تمام، وتخللت الحفل كلمات للطبيبين استعرضا خلالها الأوضاع الإنسانية المأساوية في القطاع وجهودهما لإسعاف الجرحى.

من جانب آخر، أكد رئيس الوفد الطبي الثالث لقطاع غزة علي القيّم أنهم تمكنوا من دخول القطاع أمس (الأربعاء)، وقاموا بعلاج الجرحى في مستشفيي العودة والشفاء.

وأشار القيّم في اتصال أجرته معه «الوسط» مساء أمس إلى أن سيارتي الإسعاف اللتين تبرعت بهما جمعية الأطباء البحرينية واللجنة البحرينية الوطنية لمناصرة الفلسطينيين في غزة، أدخلتا إلى القطاع.


عالج الجرحى ويختار 20 منهم للعلاج في البحرين

الوفد الطبي الثالث دخل «غزة» وسيارتا الإسعاف تصلان للمستشفيات

الوسط - علي الموسوي

تمكن الوفد الطبي الثالث المكوّن من 5 استشاريين بحرينيين، من الدخول إلى قطاع غزة، بعد أن غادر صباح أمس الأول (الثلثاء) من البحرين، للذهاب لعلاج الجرحى في مستشفيي العودة والشفاء.

إلى ذلك، أكد رئيس الوفد الطبي الثالث واستشاري الجراحة العامة علي القيم، أن سيارتي الإسعاف اللتين أرسلتهما جمعية الأطباء البحرينية واللجنة البحرينية الوطنية لمناصرة الفلسطينيين في غزة، أدخلتا إلى قطاع غزة، وسيتم إعطاء سيارة الإسعاف التي تبرعت بها الجمعية إما لمستشفى العودة أو الشفاء، موضحا أن سيارة الإسعاف التي تبرعت بها اللجنة لم يعرف حتى الآن إلى أي مستشفى ستهدى، إذ أدخلت سيارتا الإسعاف بأمر من اتحاد الأطباء العرب.

وقال القيّم في اتصال أجرته معه «الوسط» مساء أمس وهو في طريقه إلى قطاع غزة: «تمكّن الأطباء قاسم عمران، محمود عبدالوهاب وطه الدرازي، تمكنوا من الدخول إلى غزة، ونحن الآن في طريقنا لهم»، لافتا إلى أنهم سيقومون بمعالجة المرضى في المستشفيات هناك.

وعن عدد الجرحى الذين سيرسلون إلى البحرين لعلاجهم في مستشفى السلمانية الطبي، بيّن القيّم أنهم سيركزون في اختيارهم للجرحى على الحالات التي تعاني من الحروق البليغة، وحالات بتر الأطراف، إلى جانب الحالات التي تحتاج للتركيز على التغذية، موضحا أن العدد الأولي للجرحى الذين سيرسلون يصل إلى 20 جريحا.

وأشار القيّم إلى أنهم اجتمعوا مع اتحاد الأطباء العرب وذلك لاستصدار تصاريح تخوّلهم الدخول إلى غزة، كما اتفقوا مع وزارة الصحة المصرية لمعاينة المرضى في المستشفيات هناك.

«سنعمل على تدريب بعض العناصر الفلسطينية في المستشفيات، وخصوصا فيما يتعلق بالتمريض والإسعافات الأولية»، ذلك ما كشف عنه رئيس الوفد الطبي الثالث إلى قطاع غزة علي القيم.

أما بخصوص موعد عودة الوفد الطبي الثالث فأفاد القيّم بأنه إلى الآن لم يتم تحديد موعد العودة، إذ إن ذلك مرتبط بانتهائهم من المهمة التي ذهبوها من أجلها، واختيار الجرحى الذين سيعالجون على حساب البحرين.

وعن الأوضاع العامة في قطاع غزة ومعبر رفح، ذكر القيّم أن هناك مساعدات وأدوية تقدر بـ 40 طنا تمت معاينتها في «رفح»، على أمل أن يتم إدخالها إلى قطاع غزة وتسليمها للمستشفيات، وتحميل المساعدات مازال جاريا في مطار العريش المصري، ذلك إلى جانب الأطباء العرب والأجانب الذين ينتظرون الفرصة للدخول إلى القطاع وتقديم المساعدات للفلسطينيين.

وأشار القيّم إلى أن الأوضاع مأساوية في غزة، إذ إن البنية التحتية والمنازل مهدمة، ذلك إلى جانب انقطاع الكهرباء عن المنازل الواقعة في بداية قطاع غزة.

يشار أن الوفد الطبي الثالث يعد الأكبر من حيث العدد ونوعية التخصصات التي يضمها أطباؤه، إذ يضم استشاري الجراحة العامة علي القيم، استشاري جراحة المخ والأعصاب طه الدرازي، واستشاري جراحة الأطفال محمود أصغر، بالإضافة إلى استشاري العناية القصوى قاسم عمران واستشاري طب العائلة ناهض اللبابيدي.


وفد نيابي إلى غزة لنصرة القضية الفلسطينية

القضيبية - مجلس النواب

يقوم وفد من مجلس النواب بزيارة إلى قطاع غزة خلال الفترة من 31 يناير/ كانون الثاني الجاري إلى 6 فبراير/ شباط المقبل، وذلك تنفيذا لمقترحات مجلس النواب وتأكيدا على دور مملكة البحرين لنصرة القضية الفلسطينية لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان، ولتقديم الدعم بكل أشكاله وصوره.

ويضم الوفد النواب: ناصر الفضالة، جاسم السعيدي، جميل كاظم، بالإضافة إلى باسم آل شهاب (من الأمانة العامة كمرافق إداري).


حكايات من قلب غزة النابض بالمقاومة ودحر العدو

«الوسط» تكرم الطبيبين تمام والعكري العائدين من غزة

الوسط - علياء علي

كرمت أسرة «الوسط» مساء أمس الطبيبين البحرينيين العائدين من غزة ضمن أول وفد لجمعية الأطباء البحرينية والذي تمكن من دخول غزة المحاصرة وانضم للطواقم الطبية الفلسطينية والعربية وتدخل لعلاج الكثير من حالات الجرحى والمصابين الذين أكد الأطباء ومن خلال ما عايشوه استعمال العدو الإسرائيلي لأسلحة محرمة دوليا مثل الفوسفور الأبيض.

وقال استشاري الأنف والأذن والحنجرة نبيل تمام إن 25 في المئة من الجرحى والشهداء في غزة هم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، وأكد أن الحرب الإسرائيلية لم تكن تستهدف حركة حماس بل كانت تستهدف الإرادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى استهدافها الطواقم الطبية.

وعلى السياق نفسه تحدث استشاري جراحة العظام علي العكري عن التعتيم الإعلامي الغربي على الحرب على غزة وحجم الدمار والضحايا الذين خلفتهم الحرب، وأكد أن غزة بحاجة إلى الكوادر الطبية لعلاج الجرحى وليس إلى مجرد الأدوية التي وصلتها من مختلف دول العالم.

ريم خليفة: نرحب بالضيوف الكرام وجميعهم أعضاء بجمعية الأطباء البحرينية ولجنتها لدعم غزة، نستضيفهم اليوم لدعم الصحافة المحلية وتحديدا «الوسط» لمثل هذه الأعمال الإنسانية التي قام بها فريق متميز، وتعتبر جمعية الأطباء إحدى الجمعيات المحلية التي قدمت مساعدات إنسانية لإخواننا الفلسطينيين في غزة.

منصور الجمري: الأطباء الأعزاء علي العكري ونبيل تمام وكوثر العيد وزوجات الأطباء وأصدقائهم وأسرة تحرير «الوسط»... اننا نعتبر تضحياتكم أثناء الحرب على غزة أفضل تعبير عن أصالة الشعب البحريني الطيب الذي يستحق أن يعرف خصاله وقت الشدة، فالإنسان الحقيقي يعرف وقت الحاجة ومقدار ما يستطيع أن يضحي ويعطي من نفسه، وهذه قيمته في الوجود الإنساني.

أثناء الحرب العدوانية على غزة من نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2008 وحتى يناير/ كانون الثاني الجاري، ثلاثة أسابيع كلنا كانت قلوبنا تدمى من الألم، ولكن أصالة هذا الشعب الحضاري، وارتباطه بتاريخ الإنسانية، منذ الحضارة الدلمونية قبل خمسة آلاف سنة ، أعطتنا العكري وتمام... هؤلاء هم الحضارة، شعرت بالفخر لأنني ابن هذه الأرض التي بنت واحدة من أوائل الحضارات في تاريخ الإنسانية، وأطلق على حضارتنا جنة الإنسان، دلمون جنة الخلود، لقد عرفا أثناء الحرب على غزة إن ابن هذه الأرض أصيل، كان وسيبقى كذلك، ولن يزول هذا الشعب، ولايمكن لأي مخلوق أن ينال من أصالته المعطاءة والمضحية .

خليفة: نبدأ الحديث مع الطبيبة كوثر العيد... كان للنساء في جمعية الأطباء ولجنة دعم غزة دور كبير وكانت حنان معرفي أحد أعضاء اللجنة والجمعية لم يتسن لها الحضور معنا اليوم لظروف صحية، كوثر دعينا نتحدث عن دور الطبيبات خصوصا أن دوركم مثل الجندي المجهول.

كوثر العيد: أشكر الأطباء العكري وتمام اللذين أتاحا لنا فرصة الحضور، دورنا بسيط مقابل دورهما، ولجنة دعم غزة كانت موجودة منذ فترة طويلة من الانتفاضة الأولى في فلسطين واندثرت وجمعت التبرعات وانتهى الموضوع، ورجعت اللجنة بعد الانتفاضة الثانية وبدأ الأطباء يعيدون إحياء اللجنة وتمام عضو فيها، ومن أول أيام الحرب الإسرائيلية على غزة بدأت الجمعية باستدعاء الأطباء ومنهم معرفي وهي عضو مجلس إدارة الجمعية، اجتمعنا ووضعنا الاقتراحات من كل عضو، كانت الاقتراحات عصفا ذهنيا ووضعنا خططا كجمعية مهنية لها سمعتها في البلد ويثق بها الناس كثيرا.

خليفة: ما الجانب الذي ركزت عليه الجمعية في البداية؟

العيد: في البداية طبعت حنان معرفي كوبونات نحو 10 آلاف كوبون، بعنا الكوبون الواحد بدينار وقام بعملية البيع في مراكزنا وبالمجمعات التجارية مجموعة من الأطباء المتدربين الذين أنهوا الامتياز وما زالوا ينتظرون توظيفهم استغلوا وقت فراغهم للتطوع لصالح غزة، لم نتوقع نفاذ الكوبونات خلال يومين والإقبال البحريني والخليجي كان كبيرا جدا، وقام العكري وتمام بأخذ المبلغ المتحصل من الكوبونات معهم إلى غزة وكان حينها اجتماع اتحاد الأطباء العرب، وكانت هناك صعوبة في صرف المبلغ لتعدد عملاته وقامت معرفي مشكورة بصرفه وتسليمهم إياه.

خليفة: ماذا عن ترتيبات السفر، هل واجهتكم أية عقبات؟

العيد: لم تواجهنا عقبات فقد قام أحد مكاتب السفريات بالتبرع بالتذاكر لهما وهو أقل ما يمكن أن يُقدم إلى أشقائنا في غزة.

خليفة: تمام والعكري حدثونا عن تجربتكما منذ وصولكما إلى العريش ورفح ومن ثم مستشفى أبو يوسف النجار.

العكري: في البداية كل الشكر لـ «الوسط» على الاهتمام والدعم وإعطائنا الفرصة لارتقاء هذا المنبر، في البداية أود أن أتحدث عن مسألة اللحظة والقرار وهي عنوان عندما شكلت اللجنة كان يجب أن تكون هناك آلية وتعزيز للصدقية وطلب من يتطوع أن يذهب إلى مشارف غزة ورفح ويستقريء الوضع ويوصل المعونات للفلسطينيين وهذه الرسالة التي نوصلها تطوعا والحمد لله أنا وتمام، وكانت أيضا حنان معرفي لها الرغبة في التطوع ولكن انحصر الموضوع علينا نحن الاثنين لاعتبارات مختلفة، وصلنا العريش وكان اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الأطباء العرب استضافونا كمراقبين من دون التصويت والمشورة وأعطونا المجال لإبداء الرأي، الوضع في غزة يحتاج أكثر من أدوية وفي أيام قليلة وصلت المساعدات من الأدوية إلى غزة من مختلف الدول وهو ما يجعلها أكبر مستودع للأدوية.

هم يحتاجون سيارات إسعاف ومعدات طبية وأجهزة وأطباء من اختصاصات معينة مثل جراحة الأوعية الدموية وجراحة العظام ومع توافد الإصابات بدأت الطواقم تصل إلى هناك، وبدأت الطواقم الطبية الموجودة تصل إلى درجة من الإنهاك وتكاد تنهار وبدأت تتبلور الفكرة وظللنا نتشاور أنا ونبيل، وبعد الاجتماع رحنا المعبر وكان خمسون طبيبا يعتصمون من مختلف دول العالم من فرنسا وبلجيكا ومن كل مكان وفكرنا أين موقعنا من هذه المعادلة، أعتقد نحن مطالبون بدور أكبر وبدأت الرغبة والرغبة الملحة وتبلورت الفكرة في هذه الفترة أصبحت فكرة دخولنا حتمية ولو لم يكن هناك ضوء أخضر من سفارتنا في مصر ومع الأسف موافقة أهالينا المقربين، نبيل حصل على دعم مباشر من زوجته وأنا كانت زوجتي تخاف من خطورة الوضع هناك ثم أبدت لي دعمها وأن أفعل ما أراه ملائما في إحدى الرسائل النصية التي أرسلتها.

خليفة: هذا جانب من الرحلة وتمام سيعطينا المحطة الثانية بعد موافقة الزوجة.

نبيل تمام: شكرا لجميع من ساندنا في حقيقة في الواجب الذي فعلناه نحاول اختصاره ولكن ما فعلناه هو أقل من الواجب مقابل التضحيات التي يقدمها الفلسطينيون وهو قليل مقابلها وأحاول أن أواصل القرار كانت هناك مضايقات من الأمن المصري لإثنائنا عن عزمنا وكنا مع اتحاد الأطباء ووفود الأطباء الأجانب دخلوا ووفقنا الله لكسر الحصار ودخلنا، وكانت مسألة إنسانية بحتة ونحن أطباء وبإمكاننا تقديم المعونة الكبيرة، ودخلنا إلى مستشفى أبو يوسف النجار في رفح وكان باستقبالنا جماعة من قيادات حماس ونحن الفوج الثالث وأخذونا وسجلوا أسمائنا وتخصصاتنا ووزعونا إلى مجموعات وكنت مع العكري وستة أطباء مصريين أقلتنا سيارة إسعافات ووضعت حقائبنا في إسعاف آخر وسجدنا على تربة فلسطين قبل أن ننطلق وانتقلنا فكنا بعدها على بعد ثلاثة أو أربعة كيلومترات وكان خطرا لاستهدافها ووصلنا المستشفى وكان استقبالا حاشدا لنا.

خليفة: في البداية كانت هناك محاولات لإدخال سيارة إسعاف ماذا حدث بعدها؟

تمام: حضرنا اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الأطباء وأبلغونا باحتياجاتهم في ذلك اليوم لقطاع غزة والتي من ضمنها ضرورة توفير خمسين سيارة إسعاف، وطلب الاتحاد من اليابان عشرين سيارة إسعاف مجهزة، وهناك فرق بين أسعار السيارة المجهزة وغير المجهزة، واخترنا شراء سيارة إسعاف باسم الجمعية واتصلت جمعية وعد لتتبرع بأخرى نقوم بشرائها.

خليفة:سمعنا أن ست سيارات إسعاف دخلت غزة، ما مدى صحة ذلك؟

تمام: كانت السيارات الست التي جرى الحديث عنها مقدمة من وفود أخرى وليس من البحرين، أؤكد أن الحرب الإسرائيلية لم تكن على حماس ولكنها كانت حرب إبادة للشعب الفلسطيني ولا يفرق الصاروخ الإسرائيلي بين حمساوي أو فتحاوي، تم قصف 27 مسجدا وصورت مسجد الأبرار في الساعة الثانية صباحا وكان حوله مجموعة كبيرة من الناس بحي شعبي، كما تم استهداف الطواقم الطبية واستشهد طبيب أردني وزوجته الأوكرانية مع ابنتيهما، ولدينا صور من القصف، كانت الحرب على المقاومة والإرادة الفلسطينية ووجودنا عزز من الموقف الذي اتخذناه ووجودنا في الأسبوع الأخير لجوارهم كان عاملا مهما وسمعناها من الأطباء والإداريين ومن حماس أيضا الذي يطمئنون علينا باستمرار، وكان الممرضون والجرحى أكدوا لنا الجريح عندما يعرف أنك من البحرين العامل النفسي يزيد من صموده ما جعلنا نرتاح من ذلك ومما قدمناه ونعتبره واجبا منا.

خليفة:العكري... حدثنا عن الحالات التي قمتم بمعاينتها والحالات المستعصية؟

العكري: دخلنا في المرحلة الثانية بحسب تصنيف العدو الإسرائيلي والمتمثلة في الاجتياح البري عند معبر صوفيا، وتمت العملية على عدة محاور منها معبر صوفيا الذي يبعد 3 أو 4 كلم منا وحصلت محاولة للاجتياح من المعبر وكان أمامها شعب وبيوت ومزارع وليحقق العدو الصهيوني أهدافا عسكرية ملموسة كانت ترسانة الحرب الإسرائيلية تتقدم وتجرف وتقصف ونحن لسنا ببعيدين عن مرمى المدفعية التي استهدفت الكثير من المباني القريبة منا، وهذه الفترة خلفت عشرات الجرحى والقتلى، وفي اليوم التالي لوصولنا كان توقيت وصولنا مناسبا وكان المستشفى بسيطا ويفتقر على رغم المهارات إلى تخصصات الأوعية الدموية والعظام وكنت الاستشاري الوحيد ومعي تسعة متدربين جراحين عظام وتمام جراح أنف وأذن وحنجرة ولم يكن موجود معنا أطباء في جراحة الرئة والقلب والصدر، وفي نهار اليوم التالي لدخولنا وصلت عشر جثث متتالية من الشهداء وعشرات الجرحى وهذا أول اختبار لنا ولحسن الحظ الفريق كان متكاملا ومستعدا ولم ننم أول ليلة، وكنا على استعداد بملابس العمليات والجاكيت الأبيض-الذي لم ألبسه منذ فترة - عملوا لنا غرفة تسع 12 طبيبا وخطا ساخنا مع الطوارئ القريب أصلا من الغرفة التي أقمنا فيها داخل المستشفى، نزلنا والجرحى تتوافد على الاستقبال ومن حسن الحظ كان لديهم تصنيف للحالات الواردة، كانت حالتان منها حرجة جدا عالجت ثلاث حالات أحدهم كاد أن يتوفى وأجريت له عملية في الصدر واستؤصل جزء كبير من أمعائه، وكان ينزف من الجزء الخلفي للركبة وبه كسر في عظمة الفخذ ودخلت في البداية كمساند لدفع المحاليل للإبقاء على حياته وتدخلنا جراحيا لإيقاف تدفق النزيف، وقمنا بوصل الوريد الرئيسي فوقف النزيف مهم والأولوية كانت للجراحة ولفريق جراحة الصدر وكان دوري للتثبيت الخارجي الذي أجريته في ربع ساعة وكان أسرع تثبيت أجريته في حياتي، أما الحالة الثانية فقد بدأت بمجرد لبس ثياب العملية الثانية والجريح كان يعاني من قطع عظمة من القدم إلى الفخذ والقدم مهروسة تماما وأجريت له تثبيت بنصف ساعة من القدم إلى الأعلى، الوضع مأسوي جدا... استيعابية المستشفى كانت من الممكن أن لا تتعامل مع الحالات بهذه الوتيرة وكان ممكنا أن نصبح في وضع صعب، ثم جاء طفل جريح وعالجناه، وجاء جريح آخر يعاني من بتر فأكملنا بتر رجله وكانت الحالات تتوافد بوتيرة يمكن استيعابها علما بأن المستشفى بلا إنعاش وغرفة العنبر التي سكنا فيها كانت غرفة الإنعاش لكنها لم تكن مجهزة.

خليفة: ننتقل لنبيل، في الوقت الذي كنت تتواصل فيه مع «الوسط» أثرت فيَ كثير تلك المكالمات، إذ لم تستطع أن تتحدث عن الوضع المأسوي وقت اشتداد القصف وكان هناك طفل أو شاب أصيب بطلق رصاص في الرأس، هل لك أن تصف تلك اللحظات؟

تمام: في الثلاثة الأيام الأولى كما في العناية القصوى التي تضم أربعة أسرة وحشروا فيها 12 سريرا لينام فيها الأطباء، كان نومنا قليل جدا وعلى مدى الأيام الثلاثة كنا ننام من ثلاث إلى أربع ساعات فقط، إذ تحوم «الزنانة» إلى الفجر ثم يبدأ الجرحى في التوافد إلى المستشفى، وفي اليوم الثالث كان هناك طفلان بنت عمرها عامين أصيبت بطلق ناري في الرأس استقبلتها حاولت وقف النزيف وكان الممرض يضع لها إبرة السوائل»السيلان» اقترحت إدخالها غرفة العمليات وكان العكري في العمليات لعلاج بعض الحالات فاضطررت أن أعمل خياطة لجرحها في الطوارئ.

(....وأضاف تمام متأثرا): ثم جاء صبي في الرابعة عشرة من عمره أصيب بطلق ناري في الرقبة وخرجت الرصاصة من الرأس ولم يكن على سرير المستشفى أي غطاء ووضع الصبي على السرير مباشرة وكان مخه على الطاولة ومن هول ما رأيت لم أتمكن من التثبت هل هو شهيد أو جريح، هذا هو اليوم الثالث الذي أصبت فيه بالانهيار، كان الخروج من المستشفى خطرا للغاية ولكنني من هول الصدمة خرجت منه أبكي وحدث أن اتصلت الأخت ريم خليفة في هذه اللحظة وكنت أبكي واضطررت أن أبلغها بالحالة كتنفيس، لم تكن الحرب على حماس هذه الحالة تأتيني ليلا وإلى الآن مازالت تمر عليّ كفيلم سينمائي على هيئة كابوس كان آخره مساء أمس.

خليفة: من الترجمة الإنسانية العميقة لتمام هل يتذكر العكري أية حالة أثرت به وخصوصا عندما اشتد الوضع وكان القصف على الأبراج التي تحتضن الإعلاميين، كيف تم استقبال هذه الحالات والحالات التي أصيبت بالفوسفور الأبيض الذي يعتبر من الأسلحة المحرمة دوليا واستخدمها العدو الإسرائيلي في حربه على غزة.

العكري: أعتقد كنت أنني وقتها مشغولا في العمليات وذهبت إلى المشرحة وشاهدت جثث لأطفال «يبكي متأثرا».

خليفة: كوثر سمعت ما قاله الطبيبان عن الحالات، الجهات المعنية قالت إنها ستستقبل حالات من جرحى غزة لعلاجهم في البحرين، هل هناك حالات معينة ستجلب؟

العيد: أرسلنا خمسة أطباء استشاريين ضمن الوفد الثالث للجمعية إلى غزة وغادروا يوم أمس الأول وتخصصاتهم جراحة المخ والأعصاب وجراحة الأطفال والجراحة العامة وطب العائلة والعناية القصوى، وتتمثل مهمتهم في زيارة جميع المستشفيات في غزة ورصد الحالات التي يمكن استقبالها هنا في البحرين وقد خصصت وزارة الصحة جناح 44 في مجمع السلمانية الطبي لعلاج الحالات التي سيجلبها فريق الأطباء والحالات التي يمكن نقلها إلى البحرين لعلاجها على حساب الدولة.

خليفة: عودة للمشاهد في غزة بعد وقف النار كانت هناك طائرة من دون طيار تحتضن قنابل (الدان) كيف كانت اللحظات وأنتم تتجولون داخل غزة هل لك أن تصفها؟

تمام: يسميها الفلسطينيون «الزنانة» وهي طائرة استطلاعية تطلق قنابل صغيرة وهي محرمة دوليا وما حدث أنه بعد وقف إطلاق النار من جانب واحد خرجنا من المستشفى وعملنا جولة لرفح وفي اليوم الثاني دخلنا إلى غزة وشمالها ومخيمات جباليا وتل الزعتر وتل الهوى الذي تم تجريفه بالكامل وهنا تم احتضاننا بمستشفى العودة التابع لاتحاد لجان العمل الصحي وهي جهة أهلية تقدم خدمات مجانية للجرحى ولدينا إحصائية لجميع الجرحى الذين تم علاجهم خلال 22 يوما في الحرب، وبنظرة سريعة نجد أن 25 في المئة من الجرحى والشهداء هم من الأطفال دون سن 18 عاما.

أما مشرحة مستشفى أبو يوسف النجار فهي غرفة صغيرة فيها 4 ثلاجات كل واحدة تحمل جثتين وكان قرار المستشفى أن يتم تشييع الشهداء ظهر كل يوم لنتمكن من استقبال آخرين وكان ذلك مؤلما.

خليفة: بالنسبة لتجربتكم مع الأطباء بمختلف الجنسيات كنتم تمثلون الخليج كله وليس البحرين فقط، كيف كان شعور أهل غزة عندما عرفوا بأنكم من البحرين بل الخليج؟ كيف كان أثر ذلك على مستوى رجال الحدود المصرية كيف كان انطباعهم؟ وخصوصا أن لدى بعضهم صورة نمطية عن الخليجيين.

تمام: شعرنا بذلك من المخابرات المصرية وهي مسيطرة على المعبر بالكامل وهي في الداخل وحققت معنا يسألوننا أنتم من البحرين ماذا تفعلون هنا؟ نرد عليهم بأن هناك شعبا يباد بالآلة العسكرية الصهيونية ووجودنا معهم ولو برمزيته بالتأكيد سيلعب دورا كبيرا، وفي الليلة الثانية وردتني ثلاث حالات فجرا من بينهم امرأة في السبعين تعاني نزيفا حادا، بقيت معها ساعة لإيقاف النزيف، وفي اليوم التالي أوصاني أحد مسئولي حماس أن أعتني بها لأنها أم لستة مقاتلين على الجبهة وقد تحسنت حالتها في اليوم التالي وجاء زوجها ودعاني على الغداء معهم، لم يكونوا يتصوروا أننا تركنا الرفاهية في البحرين وجئنا لهم في هذه الظروف.

العيد: لجنة دعم غزة مستمرة في جمع التبرعات والمبلغ المتحصل سنقوم بالتبرع به لإنشاء وحدة جمعية الأطباء البحرينية للعناية المركزة في مستشفى أبو يوسف النجار.

تمام: الوسام الذي نعلقه على صدورنا هو استقبال الناس لنا في المطار والرسائل النصية التي تصلنا منهم، الهاتف لا يهدأ والمكالمات لا تهدأ النظرة التي نسمعها منكم وهذه الاستضافة ومكالمات ريم هذا هو الوسام على صدورنا.

خليفة: يتفضل رئيس التحرير لتكريم الطبيبين باسم أسرة «الوسط».

الجمري: ننحني إجلالا لجهودهم فقد مثلونا وسيمثلوننا دائما، نأمل أن نخلص لهم ونكون في خدمتهم وخدمة أهلنا في فلسطين، وأنتم تمثلون شعب البحرين، ونرجو أن تتقبلوا هدية «الوسط» التذكارية.

العكري: أشكركم وجميع الحضور وصحيفة «الوسط» وهيئة تحريرها، ولم يكن غريبا على أي بحريني أن يبادر مثلما بادرنا لا يمكن أن نصف أنفسنا أننا غير أبناء هذا الوطن، أنا متأكد أن أي منكم لو كان موجودا على المعبر ولحظة صنع القرار كان سيبادر وكلي بخطوات أكثر جرأة وإنسانية مما قدمناه.

الجمري: أنتم مشعل لهذا البلد وأشكر جميع المشاركين في هذه الجهود في جمعية الأطباء البحرينية وزوجات الأطباء الذين سيجزهم الله خير الجزاء على تحملهن وصبرهن، وأعتقد أن تمام والعكري أصبحا من رموز البلد وهذه الأرض الخلاقة


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/35030.html