العدد: 147 | الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ
فن الرقش الإسلامي في جامع الشيخة بزة
تم بناء جامع الشيخة بزة ناصر آل صباح العام 1984، وعلى نفقتها الخاصة، والمعروف انها من الكويت وتم تسليمه إلى وزارة العدل والشئون الاسلامية ثم إدارة الاوقاف السنية ويتولى حاليا إمامته والخطابة فيه الشيخ احمد عبدالله عطا الله وهو المتولي للإمامة فيه والخطابة منذ بنائه حتى الآن والجامع كائن بالمحرق بالقرب من مطار البحرين الدولي والجامع يعتبر تحفة معمارية في تكوينه الخارجي والداخلي، وللجامع منارتين منفصلتين عن الجامع ومستقلتين عن يمينه ويساره من الخلف.
والمنارتان متشابهتان تماما ولكنهما مختلفتان عن الطراز المعتاد في مآذن الاقطار الاسلامية الاخرى، إذ جرت العادة على ان يضم المسجد جسم المنارة، ولكن مستلقتان عن الجامع بمفردهما وكذلك اعتادت ابنية المنارات على ان تبدأ بشكل رباعي أو سداسي او دائري، ولكن اختلفت عنهم منارتا جامع الشيخة بزة في الشكل والتكوين، ويبلغ طول كل منارة تقريبا 30 مترا وتنفرد منارتا الجامع بالتميز الفريد من حيث التكوين فتبدأ بالشكل الثماني ولكنها غير منتظمة المسافات فتتسع في بدايتها وتضيق كلما ارتفعنا لاعلى وهي اشبه إلى حد كبير بالشكل المنشور غير المكتمل وفي احد الاضلاع توجد فتحة الباب المؤدي إلى السلم الداخلي للمنارة والمواجه للمسجد، ويستقيم جسم المنارة بعد نهاية الجسم المنشوري الغير مكتمل وقد فتحت منه ثمانية شبابيك مستطيلة ثم ينعكس جسم المنارة للشكل المنشوري نفسه الذي في البداية ليكون لنا الشباك الاول للمنارة، وتوحي لنا تلك البداية وكأنها تشبه إلى حد كبير المبخر العربي والذي تشتهر به منطقة الخليج العربي حيث تجارة البخور الهندي المعروفة به منذ قديم الزمن، ويأتي جسم المنارة امتدادا للجسم المستقيم الفاصل بين الشكل المنشور في بداية المنارة، والمنشور الثاني المقلوب في دورين من الشبابيك الثمانية ويعلو ذلك الشباك الثاني للمنارة والذي يشبه المنشور المقلوب ولكنه في حجم اصغر من الاول ويتكون من ذلك الشباك ثمانية اعمدة لترتكز عليهم قبة بيضاوية ثم الهلال النحاسي.
إن اهم ما يميز منارتا جامع الشيخة بزة هو ذلك التصميم الفريد في التكوين وجعل العين تنساب على السطح وتندفع من خلال التضاد التشكيلي لتكوين المنارة وتنطلق لاعلى في سهولة ويسر ولا يعوقها هنا كثرة الزخارف إذ تميزت المنارة بخلوها من الزخرفة والبساطة السطحية وتميزت بتشكيلها ذي التكوين المغاير لكل نظم المآذن الاسلامية الاخرى.
ويضم الجامع حوالي 2000 مصلٍ من المسلمين يوم الجمعة وللجامع مصلى للنساء في الطابق الثاني ولقد تم ترميم الجامع مرتين من الخارج ومرة من الداخل وتم اضافة مجلس خارج المسجد، ويتبع المسجد 11 دكانا تجاريا وهم وقف للجامع خمسة منهم في الجنوب وستة من جهة الشمال واهم ما يميز الجامع من الخارج هي تلك العقود المخموسة للابواب الخشبية والتي تكسوها العقود البارزة والخارجة عن مستوى جدران الجامع وللمسجد مدخل آخر من جهة الجنوب، وابواب الجامع الخشبية تتميز بتقنية عالية من خلال اسلوب الحفر الغائر لارضية العناصر النباتية ذات الرقش العربي الاصيل وهي ذات دقة بالغة وتنم عن مهارة في الصنع كما تحتوي معظم الابواب على مزلاج نحاسي وعليه زخارف بسيطة وتتنوع زخرفة الابواب الخشبية من الداخل والخارج بالمزيج من الاشكال الهندسية والنباتية وبأسلوب الحفر الغائر.
كما يعلو جدران المسجد تلك المشربيات التي تنم عن فنون الأرابسك ذات التعاشيق الخشبية والتي جاءت تسميتها بالأرابسك تلك الكلمة الانجليزية التي تم تعريبها وهي تعني الرقش العربي متضمنة الزخارف النباتية المحورة والمتشابكة، وتلك المشربيات التي تحيط بمعظم جدران الجامع من اعلى وهي ضرورية لإضاءة المصلى العلوي للجامع كما انها ضرورة الزمتها البيئة الطبيعية وكذلك قواعد الدين للمحافظة على حرمات أهل البيوت من النساء وكذلك ضرورات بيئية لتلطيف الجو فكانت الشرفات الخشبية، والمشربيات تناسب الكثير من الوظائف والمتطلبات التي ابتكرها المصمم المسلم وفق عقيدته وإشباعا لرغباته ومتطلباته الحياتية والدينية.
ويعلو فوق جدران المسجد شرفات وعرائس وهي هندسية الشكل على شكل مربع ذات تدريج بسيط في القاعدة وهي من النهايات التي تزين بها معظم المساجد الاسلامية وكذلك القلاع والحصون، وللجامع قبة بسيطة الارتفاع وهي بسيطة التكوين من الخارج ايضا ويعلوها الهلال النحاسي البسيط.
والجامع من الداخل آية في الجمال المعماري فعند الدخول نرى تلك الأروقة الستة في شكلها البديع والتي تذكرنا بجمال الاروقة في جوامع قرطبة ذات انصاف الحلقات المتلاحقة والتي ظهرت ايضا في الهند، وتلك الاروقة التي تحمل سقف الطابق الثاني للجامع واهم ما يميزها ذلك اللون الذهبي البراق وقد وجدت زخارف نباتية في الاركان ليعلوها شريط اسلامي مذهب مكتوب في وسطه سورة الرحمن في معظم ساحة الجامع الامامية كما تطل على الساحة الامامية للجامع تلك الشابيك (المشربية) من الطابق الثاني وهي ذات طبق نجمي ثماني مفرغ وليس من التعاشيق، وللمقرنصات بعد جمالي واضح في كل ساحة المسجد في الداخل عند إلتقاء السقف بالجدران كلما نشأت مساحة عند تقاطعات الاروقة، نجد تلك المقرنصات وكأنها تذكرنا بالذكر الذي لا يجب ان يفارق السنتنا من خلال الايقاع البصري الذي تشاهده عيوننا عند رؤية تلك المقرنصات التي ملأت فضاء المساحات العلوية للمسجد.
ومن اجمل المناظر في داخل الجامع هي تلك التتابعات البديعة في الجمال والتي تعتبر من الابداعات الجمالية داخل المسجد فهي تذكرنا إلى حد ما بالقيسارية وكذلك بالتكوين المعماري الاندلسي فهي بحق تحفة معمارية من حيث ايجاد رؤية معمارية اوجدت منظورا مرئيا جماليا في اكثر من جانب وهي تحث على التفكير الابداعي في كيفية الوصول لحلول ابداعية في التكوين المعماري الداخلي، واعمدة الايوان كلها بسيطة وهي مربعة الشكل في طولها الفعلي ولكن تبدأ بقاعدة مربعة ايضا وتاج مربع يحمل ثلاثة من الوزرات الخفيفة و التي تم تلوينها باللون الذهبي واللون الاخضر.
وأهم ما يمكن ملاحظته في الساحة الامامية للمسجد هي الاربعة اعمدة المستديرة، كبيرة السمك، عالية الطول وهي ذات فسطانات خارجية ولها قاعدة من حلقات تم تلوينها باللون الذهبي وترتكز على الاعمدة الاربعة شخشيخة القبة الدائرية واسعة القطر تسيطر على مساحة كبيرة من مساحة الجامع الامامية وهي مواجهة للمحراب وقد كتبت آية الكرسي بخط النسخ في شريط شخشيخة القبة ويعلو الكتابة شبابيك ذات عقود مفصصة ويفصل كل شباك عمودان وتم طلاؤها باللون الذهبي ثم ترتكز عليها القبة وهي من البدائع الفنية في الجامع إذ التصميم الاشعاعي من قلب القبة، وهي ذات معانى جمالية وتوحي بالكثير من الايماءات التعبيرية الجمالية التي تعكس وحدة الكون في ترابطه ودقة صنعه من المولى عز وجل، وزخرفت القبة باللون الذهبي الذي يسيطر على معظم العناصر الزخرفية في المسجد وتتدلى من القبة ثريا من الكريستال وهي بديعة في تصميمها، وفي الساحة الامامية توجد في اركانها اربعة ثريات وهناك اربعة ثريات اخرى صغيرة في الايوانيين الخلفيين لساحة المسجد ويعلو الثريات سرر جصية ملونة ايضا باللون الذهبي، ويوجد على حوائط الجامع من الداخل عن اليمين واليسار تلك الحشوات الجصية ذات الزخارف النباتية والملونة باللون الذهبي والاخضر والابيض، كما تضم تلك الزخارف وزرة من المصيص بارزة وقد لونت كذلك باللون الذهبي.
ويكسو الجزء الاسفل من جدران المسجد من الداخل طبق نجمي ثماني الشكل في حجم كبير وبأسلوب بارز في التشكيل، ويعلو محراب جامع الشيخة بزة في الواجهة الخارجية وفي المنتصف لفظ الجلالة (الله جل جلاله) وقد كتب عن يمينه اسمان من اسماء الله الحسنى هما (الرحمن) و(الرحيم) وكتب عن اليسار اسمان من اسماء الله الحسنى هما (الملك) و(الجبار) وخطت بخط الثلث واحاطت بها زخارف نباتية وشريط من الوزرة الخفيفة في برواز من اللون الذهبي.
إن كتابة اسماء الله الحسنى - والرحمن الرحيم - عن اليمين تعني تذكيرا للمصلين بالرحمة التي هي اول اسماء الله تعالى وأن رحمته في يمينه يغمس فيها من يشاء وأن رحمته وسعت كل شيء وجاء ذكر - الملك الجبار - عن اليسار لتذكر المصلي بأن الملك كله لله والقوة والعزة لله يأخذ من عصى وتكبر اخذ عزيز مقتدر فليعلم كل من يخالف اوامر الله أن الله جبار مالك الملك وهو الرحمن الرحيم.
ويعلو واجهة المحراب - أسفل لفظ الجلالة - برواز ذهب كتب فيه آية قرآنية نصها (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا) صديق الله العظيم (سورة الجن:18).
والمحراب في حد ذاته مستطيل الشكل يوجد على جانبيه عمودان ذوا سطح أملس. وله قاعدة وتاج بسيط الشكل وتحمل الاعمدة اقواسا ثلاثية تتقدم تجويف القبلة الفعلي وكسيت من الداخل بفسطانات عمودية وتم تلوينها باللون الذهبي.
وللجامع منبر من الخشب على يمين المحراب وهو يشبه المنابر العثمانية والمصرية إذ يتكون من جسم قائم بذاته من الخشب ذي سلالم يصعد عليها الخطيب يوم الجمعة وهي عالية المستوى وتكسو جدران المنبر من الخارج زخارف هندسية دقيقة لاطباق نجمية بارزة كما يعلو نهاية المنبر قبة خشبية بسيطة وهذا المنبر من المنابر القليلة جدا في البحرين إذ تنتشر المنابر البسيطة وعادة ما تكون هناك فتحة داخل الحائط يطل منها الخطيب من ساحة الإمام ولا تكون بارزة ولا تشغل حيزا من مساحة الجامع.
وجملة القول إن جامع الشيخة بزة يتمتع بلمسة جمالية في معظم جوانبه ولاسيما الاجزاء الداخلية حيث الجمال التكويني للاروقة والعلاقات الجمالية الناشئة من تركيبات العقود العليا والسفلى والمتقاطعات التي توحي بالتكامل المعماري في كل اتجاهات الرؤية وكذلك الاتصال الشبكي في منظور الرؤية الجمالية لتجويف القبة الداخلي وكيف جذبت العين إلى مركز الدائرة في وسط القبة وكأنها مركز الكون، والتفرد الجمالي للمنارتين، كل هذا ساهم وبلا شك في تكامل جماليات الرؤية العامة للجامع من خلال التكامل المعماري مع فن الزخرفة الاسلامية
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/195002.html