تناولنا في المقال السابق تطور الإدارة المالية التي كانت مناطةً سابقاً بدائرة المالية التي تحوّل اسمها إلى «وزارة المالية والاقتصاد الوطني» مع بداية السبعينيات في أول تشكيل وزاري بعد الاستقلال، وفي العام المالي 1973 حدثت خطوة متطورة في تبويب الميزانية العامة، فبعد أن كانت تعد وفقاً للأسلوب الحسابي في تبويب الإيرادات والمصروفات، اتجهت إلى تقسيم الإيرادات والمصروفات بطريقة أوضح وأكثر تفصيلاً، بحيث استندت على التبويب النوعي، وقد كان ذلك خطوة أساسية لتطوير أسلوب الميزانية في هذه المرحلة.
وساعد ذلك على تنفيذ الاعتمادات بيسر وكفاءة، كما عزّز فاعلية وكفاءة المتابعة والرقابة على التحصيل والصرف. وتوسّع أمد التخطيط لدورة الميزانية، حيث برزت فكرة إعداد الميزانية لمدة سنتين متتاليتين وتطبيقها لأول مرة اعتباراً من العامين الماليين 1978 – 1979. والذي جعل معظم الاعتمادات تصرف ضمن الأغراض المحددة لها في الميزانية. واستطاعت الدولة بهذا الأسلوب أن تسهّل على أجهزة الدولة معرفة برامجها وأنشطتها التي يتم تمويلها خلال عامين من الزمان، وأتاحت لها الحصول على الوقت الكافي لإعداد الميزانية والأهداف المستقبلية المنوي تحقيقها. وقد لاقت هذه التجربة استحسان بعض المنظمات الدولية ذات الاهتمام بمجال إدارة المال العام، مثل صندوق النقد الدولي، حيث اعتبر هذه التجربة نوعاً من التخطيط المالي القصير لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
ومن ضمن التطورات التي حدثت في هذه المرحلة، وضوح الخطوط العريضة للسياسة العامة للدولة، حيث تم الربط بين الأرقام المعلنة في الميزانية وبين السياسات المالية، ما انعكس على خلق قاعدة متينة للنمو والتقدم توفر للأجيال القادمة مزيداً من الخدمات والمرافق، وزيادة معدل الناحية في القطاع العام، وارتفاع معدل المال المخصص للاحتياط من خلال عوائد الاستثمار، زيادة الاستثمار في المشاريع الكبيرة وأهمها الحوض الجاف ومحطات الكهرباء والماء ومشاريع توسعة الميناء والمطار الرئيسين، وجسور الربط بين المناطق، وتوسعة مركز السلمانية الطبي ومشروع شبكة الطرق والمجاري، والاستفادة من الخبرات والمساعدات من خلال الانضمام إلى المنظمات المالية والنقدية والإقليمية والعالمية.
وقد دخلت البحرين عصراً جديداً في العام 1981 عندما بدأ العمل في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الأولى، ويهدف هذا البرنامج إلى وضع تصور مستقبلي لتطلعات الدولة التنموية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والتي تشمل المشروعات الإنتاجية في مجالات الزراعة والصناعة، والخدمات الأساسية في مجالات الماء والكهرباء والطرق والمطارات والموانئ والإسكان والخدمات الاجتماعية كالتوسع في خدمات التعليم والصحة، ومجالات الإدارة العامة وبناء الأطر والمؤسسات والتدريب والتأهيل لخلق الأجهزة القادرة على تنفيذ هذه المشروعات، ومواءمة هذه التطلعات مع الإمكانات المادية والبشرية المتاحة للبلاد، وتوسيع الجهاز الإداري للدولة وتطوير كفاءته وتنظيم مهماته، والعمل على زيادة حجم التجارة الخارجية، والعمل على جعل البحرين مركزاً للخدمات، مع مراعاة في كل ذلك أن لا يتعرض الاقتصاد العام والطاقات التنفيذية لاختناقات تضر بمسار التنمية مع اتخاذ السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الضرورية لتجنب وتصحيح أية هزات في هذه المجالات، حتى يتحقق النمو وما يصبو إليه الجميع من الخير والتقدم.
وخلال العام 1984 تم إعادة التقسيم النمطي لإيرادات ومصروفات الدولة بتقسيمات جديدة، تأخذ في الاعتبار التقسيمات المتعارف عليها عالمياً بالنسبة لأجهزة الدولة، من حيث النوعية والوظيفية، وأصبحت بذلك أبواب الميزانية ثمانية أبواب لكل جانب (إيرادات ومصروفات) بدلاً من الأربعة السابقة، حسب التوضيح التالي:
الإيرادات: قطاع النفط، ضرائب التجارة الدولية، الرسوم على البضائع والخدمات، الرسوم الإدارية، الخدمات الإدارية، الأملاك والاستثمار، القروض والإعانات، المناقصات والمزايدات.
المصروفات: نفقات القوى العاملة، الخدمات، السلع الاستهلاكية، السلع الرأسمالية، الصيانة، نفقات تحويلية، الإعانات وتسديد القروض، المشاريع الإنشائية.
وقد سعت الدولة ممثلةً بوزارة المالية والاقتصاد الوطني، نحو تطوير وتحديث هذا التصنيف للوصول به إلى المستويات العالمية، وذلك بعد الوقوف على أهمية هذا التصنيف، وتزامن ذلك مع تطبيق نظام الإحصاءات الحكومية في أعمال تصنيف الميزانيات العامة المعدّ أساساً من صندوق النقد الدولي ليتواكب ذلك مع التطورات الدولية بهذا الخصوص. وقد وفّر ذلك أداة قياسٍ حيويةٍ تعين المسئولين الحكوميين من صانعي القرارات والسياسات الاقتصادية الحكومية حول الإنفاق والإيراد والدين العام وسياسات التمويل وإدارة النقد الاحتياطي.
ويعتبر هذا التصنيف مفيداً لأهداف السياسات المالية الحكومية ولأغراض التحليل الاقتصادي، حيث تصنف مجموعات الإيرادات تصنيفاً اقتصادياً يميّز بين سياسات الحكومة الضريبية وغير الضريبية فيما يتعلق بتحصيل الإيرادات. كما يسهّل عملية البرمجة المالية والتخطيط، ويعكس التوجهات المستقبلية للحكومة، من حيث الاعتماد على الضرائب أو الاعتماد على الإيرادات غير الضريبية، أو من خلال بيع الأصول الرأسمالية والمنح والمساعدات.
إقرأ أيضا لـ "محمود التوبلاني"العدد 4572 - السبت 14 مارس 2015م الموافق 23 جمادى الأولى 1436هـ