العدد 4025 - الجمعة 13 سبتمبر 2013م الموافق 08 ذي القعدة 1434هـ

في أمسية بمركز كانو... بن عربي والعاني يفتحان بوابة الحلم بالشعر

في أمسية شعرية ضافية، وعلى أنوار خافتة، ومع صوتين تراوحا بين دفء المشاعر، وجرأة الشعر، استضاف مركز عبدالرحمن كانو «الملتقى الأهلي الثقافي» كلاًّ من الشاعرين عمر العاني وخليفة بن عربي اللذين ظلا يطرقان بوابة الحلم بحروف من الشعر، وسط حضور شنّف آذانه بمقاطع تراوحت بين بغداد والبحرين للعاني، ونمير سوسنات بن عربي.

هكذا ظلت الشاعرة هنادي الجودر مقدمة الأمسية تراوح بين نافذتين تطل بهما على الشاعرين يميناً وشمالاً، فمرة تستذكر خاطرة هنا أو تغريدة هناك عند العاني فتدعوه إلى إتحاف الجمهور بها، ومرة تستدعي قصيدة للعربي فينطلق في إلقائها.

اختار الشاعر خليفة بن عربي في هذه الأمسية في إحدى إطلالاته الشعرية أن يستعير معجم الضوء بتنوعاته ليصنع صوره ويكثف معانيه، ليدلل على أنه في قمة الوعي حين يصنع قصيدته على رغم ذهابه إلى الحلم، ويكفي هاهنا أن تتأمل معي معجم النور والنماء يطل من كلماته لتقف على يقظته الحالمة، فمع فيض الميلاد ظل صاحب «نمير السوسنات» يستمطر الضوء، لينير أمنياته بالشموس، ويزمل ذكرياته بالبريق، ويتدثر بالوميض، ويشعل دنياه بالحنين، ومبايعة النجوم. حتى عبر مرة أخرى إلى معجم النبات ليعكس أثر ذلكم الضوء وليحيِّي دلالة النماء، حيث تينع الدنيا، والروابي، وتزهر الحياة، فيميل مرة أخرى إلى معجم الماء ليسكب الكحل فرحاً، حيث ترخي الغمامة عنانها، والنبع معجزاته، وتهتزّ الجذوع بحديث العشق الذي تولّد من فيض ذلك الميلاد بالقيم التي تشعل الحياة.

وفي محطة أخرى تراه يتكئ على مقولة للرافعي في وصف فتاة ووردة ليضع ذاته وسط هذا الوصف ويسوق قصيدته «حيث قال الرافعي: كانت معها ذات يوم وردة، لا أدري أيتهما تستنشي الأخرى» ويقدم بن عربي للموقف بخلفية شعرية وليبوح بما كتمه الرافعي في عبارته، محولاً ذلك الوصف إلى موقف أشبه بحالة درامية متكاملة، فقبل لثم الوردة وضع ذاته راوياً يسرد الموقف، ووضع خلفية كان فيها سكون الليل يلثم صاحبة الوردة، في ومضة فرت من دجى السحر، وهو يشاهد كل ذلك، وهي لا تدري أنه بها كمد، متسائلاً في ختام مقطعه الجميل «يا ليت شعري من يشم صاحبه ليلاي أم وردة في كفها العطر».

أما الشاعر عمر العاني فظل يوشِّي إطلالته بين نصوص نثرية، وشيء من الشعر، وهو شاعر في الحالتين حيث ترصّع نثره بعبق المكان العراقي في حنين لأيام خلت إلا من ذكريات مازال يلحّ عليها وتلحّ عليه حتى خرجت في كل لحظة يحاول الكتابة فيها فتراه كلما حاول أن يكتب تظهر الأمكنة، وهكذا الإنسان المنزوع من المكان يظل مسكوناً بنستلوجيا المكان متشبثاً به في أحلك اللحظات بل في كل سانحة يظن أنه يصطادها، فإذا بها تصطاده.

إذ يوقع سريعا «على شناشيل بيوتنا القديمة تنتحب الذاكرة، أنت ما زلت أيها الجنائني تسقي حدائق بابل... وفي حقيبتك مناديل تمسح بها دموع (البصراويات) وأوراق من شجيرات حنّاء الفاو»

وبنبرة سردية يواصل العاني حنينه المكبوت في تغريداته «قال لي: أخبرتني أمي أنّي ولدت عند شروق الشمس... ولدتُّ والسنابل تحت وهج تموز تبشّر بالعطاء... ولدتُّ وبائعات الحليب ينشدن أهازيج الأمل. وهكذا أنا، أحبّ كلّ الأبواب القديمة... كلّ الدروب القديمة... هناك التقينا... هناك تعارفنا، سلامًا يا وطن الشمس والنخيل والعباءات... والمها، والرصافة، والجسر، ونحن نقف على مسيل الوادي... قال لي: أرأيت هذا الماء الهادر؟ إنه يسلك طريقه إلى الفرات من غير أن يشكو من كثرة المنعرجات، رأيته يغربل التاريخ بين النخلة والجبل... ويعزف لمعشوقته السومرية بقصب الأهوار، كانت أوّل نغمة سمعها هي صوت الجاروشة. وحداء أمّه تسلّي نفسها من هموم الحياة. وما من مرّة يسمع فيها سمفونيات بيتهوفن إلا ويفتقد نغمة الجاروشة».

العدد 4025 - الجمعة 13 سبتمبر 2013م الموافق 08 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً