طالعتنا الصحف المحلية الصادرة أمس (السبت) بخبر رسمي عن وزارة الخارجية البحرينية يفيد بمشاركة مملكة البحرين في حلقة نقاش رفيعة المستوى عن «حقوق الإنسان وخطة الأمم المتحدة للتنمية لما بعد 2015، مع التركيز على المسائل المتعلقة بالحق في التعليم»، وتأكيد المندوب الدائم للبحرين السفير يوسف بوجيري في بيانه نيابة عن المجموعة العربية بأن تحقيق الأهداف الإنمائية لا يكون إلا من خلال دمج مبادئ حقوق الإنسان في استراتيجيات التنمية الوطنية والوفاء بالالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان والاستفادة من التعليم والمشاركة فيه؛ تعزيزاً لتكافؤ الفرص والتنوع وعدم التمييز، وحماية وتعزيز حق الإنسان في التعليم باعتباره من أولويات الحقوق الأساسية، ومواصلة الجهود وتفعيل الآليات الكفيلة ضمان أن يكون الحق في التعليم حقّاً راسخاً وثابتاً للجميع.
في البحرين، لا نكاد نجد اختلافاً على مستوى الجهات الرسمية ومختلف الأطراف الحقوقية والقوى السياسية الفاعلة على أهمية التجربة المغربية والاستفادة منها كلما دار الحديث عن «العدالة الانتقالية» ومعالجة أوضاع حقوق الإنسان، باعتبارها تجربةً فريدةً من نوعها على مستوى الوطن العربي.
يمكننا القول، إن تطوير القدرات التربوية والتعليمية لتساهم في تعزيز ثقافة التربية على حقوق الإنسان يعدُّ واحداً من المسائل الأساسية في التجربة المغربية التي يمكننا مقاربتها في سياقاتها التربوية الهادفة.
يتحدث محمد أوجار، وهو أول وزير لحقوق الإنسان في المغرب منذ العام 1998 وحتى العام 2004 في «عالم التربية» ـ وهي مجلة فصلية مغربية تُعنى بقضايا التربية والتعليم ـ عن المقاربة التربوية لمسألة ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بين صفوف المجتمع على أساس خصوصية مجال حقوق الإنسان وتنوّع الفئات الاجتماعية.
يدرك أوجار أن نجاح مشروع كبير بحجم «التربية على حقوق الإنسان» إنما يقوم على تشبُّع أفراد المجتمع بروح هذه القيم الإنسانية السامية وتحويلها إلى ممارسة سلوكية ويومية. ويؤكد أوجار على دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تنمية ثقافة حقوق الإنسان والمشروع المجتمعي ككل في المملكة المغربية، لدرجة أنه يعتبر هذا الانشغال العميق بالمشروع التربوي مرتبطاً بفلسفة التعليم على أعلى المستويات في البلد، فـ «الحق في التربية والتربية على الحق» عند أوجار بمثابة القاطرة على طريق التنمية المستدامة. وفي هذا يستند أوجار إلى خطاب ملك المغرب محمد السادس بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1999 بأن «إشاعة ثقافة حقوق الإنسان تفرض إشاعة نور العلم، وإن دور المدرسة يظل مركزياً في غرس قيم حقوق الإنسان لدى الناشئة؛ حتى تضحى حقوق الإنسان جِبِلَّة وطبعاً»، وهو ما أسَّس لوضع الميثاق الوطني للتربية والتكوين من أجل بناء مدرسة جديدة تجعل من التربية على حقوق الإنسان أساساً لفهم المواطنة الصالحة ومواجهة كل أشكال الحقد والكراهية والتطرف والعنف والإرهاب وغير ذلك.
يشير أوجار إلى أهداف البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان، والتي تتمثل في نشر ثقافة حقوق الإنسان عبر القناة المدرسية ومؤسسات التكوين (التدريب)، وضرورة تعزيز مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان ضمن البرامج والمناهج الدراسية والتكوينية ودعم ثقافتها لجعل المتعلم قادراً على اتخاذ مواقف وسلوكات تعبِّر عن وعيه بحقوقه واحترامه لحقوق غيره ودفاعه عنها، وصولاً إلى إدماج مبادئ حقوق الإنسان وتعزيز الممارسات التربوية التي تؤثر بشكل إيجابي على منهجية التدريس والتكوين وعلى العلاقات التربوية بين مختلف مكونات الوسط التربوي، واستثمار المؤسسة التربوية كفضاء لنشر هذه الثقافة باعتبارها عامل بناء وتحوُّل، وتكوين المواطن المتشبع بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان القادر على ممارستها في سلوكه اليومي وإتاحة ظروف خلق إنسان جديد تتحقق فيه سلوكات المواطنة، وأخيراً:
الرغبة في تدعيم ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع على أسس علمية يتناغم فيها الحق والواجب.
ولقد بذلت المغرب جهوداً ملموسة في إطار عشرية الأمم المتحدة للتربية على حقوق الإنسان، فوضعت البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان موضع التنفيذ، من خلال الإجراءات والعمليات المبرمجة على ثلاث مراحل، وهي:
أولاً ـ مرحلة الإعداد: إعداد الميدان من خلال المراسلات والمذكرات والاتصالات، وإعداد المراجع والدلائل، وتكوين العنصر البشري، وإعداد المنهاج.
ثانياً ـ مرحلة التجريب: وانطلقت هذه المرحلة منذ العام الدراسي 2000-2001، واستمرت مع بداية 2001-2002، وتمّ فيها تطبيق المشروع على عينة من المؤسسات التعليمية تمثل الوسطين (القروي والحضري)، وتمثيلاً من مختلف المستويات الدراسية، والأكاديميات الخمس في (وجدة وتطوان ومكناس والدار البيضاء وأكَادير)؛ لاحتضان المرحلة التجريبية من البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان.
ثالثاً ـ مرحلة التعميم: وقد انطلقت يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول من العام 2001، وذلك بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
على مستوى المنهجية (البرامج والمضامين)، تمّ العمل على حذف جميع المضامين التي تروِّج بطريقة مباشرة أو ضمنية لكل ما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، ووضع منهاج خاص بالتربية على حقوق الإنسان ليغطي جميع المراحل التعليمية، وأجرأة المنهاج (الانخراط في ثقافة التجديد التربوي) في جذاذات بيداغوجية (وثيقة التخطيط للدرس، وبها المراحل والكفايات أو الأهداف والمحتوى والوسائل والتقويم) والاقتصار في المرحلة الأولى على خمس مواد دراسية وهي: اللغة العربية والتربية الإسلامية واللغة الفرنسية والاجتماعيات والفكر الإسلامي والفلسفة.
وعلى مستوى التكوين (التدريب) تمّ إعداد وحدات ودورات لمختلف الفاعلين التربويين في مجال التربية على حقوق الإنسان، انطلاقاً من واضعي البرامج والمناهج ومعدي الكتب المدرسية، مروراً بالموجهين والمديرين والمدرسين وباقي العاملين الإداريين بالمؤسسات التعليمية.
أما على مستوى التواصل التربوي، فقد تمّ تمكين الفاعلين التربويين من مصنّفٍ بالمواثيق الدولية التي صادقت عليها المغرب في مجال حقوق الإنسان ومن أدلة ومواثيق مرجعية تتضمن أنشطة وبرامج في مجال التربية على حقوق الإنسان.
ولأن للقنوات الأخرى دوراً في مجال التربية على حقوق الإنسان، نجد أوجار يتحدث عن جهود بذلتها وزارة حقوق الإنسان بالمغرب بالتعاون مع مختلف الأطراف والشركاء من قطاعات حكومية وغير حكومية ومجتمع مدني، لتشمل الأنشطة والبرامج التي تقام في النادي والأسرة والمخيم ودار الثقافة والمستشفى ومؤسسات حماية الطفولة ودور الشباب وعدد من الأنشطة التطبيقية؛ لنشر ثقافة حقوق الإنسان وتنمية الوعي بها من خلال سلسلة من الأيام الدراسية والدورات التكوينية واللقاءات والتظاهرات حول: السينما والمسرح وحقوق الإنسان/ الرسم والفنون التشكيلية وحقوق الإنسان/ الوسائط الإبداعية وحقوق الإنسان/ حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق السجين/ مدونة الأسرة/ حقوق الإنسان ونفاذ القانون.
في النهاية، يبقى السؤال: كيف يمكننا الوقوف على هذه التجربة والاستفادة منها؟
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3830 - السبت 02 مارس 2013م الموافق 19 ربيع الثاني 1434هـ