العدد 3605 - الجمعة 20 يوليو 2012م الموافق 01 رمضان 1433هـ

قبّار... يحفر في الأماكن المسكوت عنها

قراءة في رواية «القبّار الأعرج» للموسوي

هذه القراءة لرواية «القبّار الأعرج» الصادرة عن دار فراديس للنشر والتوزيع هي قراءة انطباعية لقارئ ومعايش للحقل التعليمي في الوقت نفسه.

الرواية تمركزت حول شخصية (الراوي) وهو حارس المدرسة (بطل) الرواية، واختيار هذه الشخصية كان اختياراً موفقاً؛ لأنه يمثل نقطة تواصل في المجتمع المدرسي (أولياء الأمور - الإدارة المدرسية - المعلمين - الطلبة ) إلى حد كبير بالإضافة إلى قسم الحراسات، ولا يعني ذلك وضوح الصورة بكل تفاصيلها له، وتبقى نافذته هي العين المتأملة والمحللة لقراءة التفاصيل والأحداث.

الرواية تأخذك إلى منهج السيرة الذاتية والمذكرات الخاصة، وما يميزها جرأة بعض الأحداث والمشاهدات والوصف المُفرط، ومع ذلك يبقى من الصعب أن يكتب أحدنا سيرته الذاتية بموضوعية وشفافية دون إغلاق بعض الزوايا.

والراوي لم يكن قاصداً تعرية الشخوص وسلوكاتهم، بقدر ما كان هدفه تسليط الضوء على الأماكن المخفية والتي يُنظر لها بأنها مؤسسات للتربية والتعليم بينما الواقع يخالف ذلك، وهي محاولة لوضع الأصابع لتلمس مواطن الخلل في هذه المؤسسات والمتنفذين والموظفين.

من خلال الرواية كشف لنا حارس المدرسة عدّة جوانب مهملة وربما تكون واضحة ومعروفة ولكن تظل مسكوتاً عنها مثل دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس الحكومية، وهي مدارس لا تتوافر في بعضها أدنى الاحتياجات للطلبة العاديين. وكذلك ضياع مكانة المعلم ووقاره أمام الطلبة، والنظرة الدونية من المجتمع المدرسي أو المجتمع ككل لحراس المدارس، ومن يعملون في وظائف متواضعة ومثال ذلك (أم حسن) العاملة في المدرسة. واستغلال المناصب في النفوذ والمصالح الشخصية وتهميش الآخرين.

وملاحظة السلوكات المختلفة للطلبة والطالبات، وظاهرة (البويات)، والتناقض في المؤسسات التعليمية بالبهرجة والشعارات البرّاقة، ولكن محتوى البيئة الداخلي مختلف تماماً.

الكاتب عمد إلى تقسيم الرواية على شكل نوبات، ولا أستبعد أن تكون كُتبت بطريقة النوبات الكتابية؛ ما أوقعه في مصيدة عدم تواصل خط سير الشخوص وامتدادها؛ بمعنى أن بعض الشخصيات ثانوية وعابرة، وذلك يحتِّم على الكاتب إنهاءها بانتهاء دورها البسيط في الحدث، ولكن تبقى هناك شخصيات كانت قابلة للنمو وأخذ مساحة أكبر من الأحداث، وأحداث يمكن البناء عليها، لذلك استخدم الكاتب حيلتين كتابيتين للتخلص من رغبة المتلقي في انتظار نمو الشخصية واستمرار دورها، فالحيلة الأولى نجدها في بداية الرواية في قوله (الشخوص الواردة لاتزال على قيد الفعل يمكنكم البحث عنها ومحاولة إكمال المشهد ) ص9

والحيلة الثانية المستخدمة بشكل متكرر في نهاية نوبات كثيرة أيضاً، أنه يسترجع نصائح ومواعظ والده حتى يصرف القارئ إلى حدث آخر دون أن يشعر ومنها:

«اللعنة مازلت أقذف بالنصائح، أي جين لعين ورثته لي يا أبي ؟» ص 33

«ولطالما تذكرت نصائح والدي» ص55

«إن كنت قد أخذت من والدي جين النصائح والوعظ» .... ص 75

هناك عدة أحداث في الرواية خلقت من شخصية حارس المدرسة ناقماً ومتمرداً على محيط عمله، فالنوبات الليلة، والوحدة القاتلة، والصمت جعلت له متنفساً لإسقاط ما يريد البوح به وقذفه على شكل حروف وكلمات مكتوبة، في الظاهر هذه العوامل، وأما العوامل الحقيقية فهي جاءت من خلال نظرة الآخرين الفوقية لحارس المدرسة، ورفض والد مريم له، وتغيّر المعاملة من ابنة الجيران التي كانت تعيش الفقر ومع الوقت أصبحت تعيش بمستوى جيد، وعوامل أخرى.

الرواية كبداية لتجربة خرجت من رحم التجارب السابقة وهي القصص القصيرة ، والقارئ للرواية سيلاحظ ذلك جليّاً، وبعيداً عن تقسيمها على شكل نوبات، وتبقى الطريقة البنائية للرواية الأولى هي الأساس للانتقال للتجربة التالية التي تساعد لخلق شخوص ينمون مع الأحداث، وتجعل القارئ يغرق معها.

عن نفسي أجد الرواية ممتعة جداً، وأسلوب الكتابة مميز، وبعد صفحتين أو ثلاث من القراءة تباغتني ضحكة تفجر المكان، نظراً إلى الحس الساخر الذي يتناوله الراوي في سرد التفاصيل.

العدد 3605 - الجمعة 20 يوليو 2012م الموافق 01 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:05 ص

      قرائتي للرواية كانت أكثر من ممتعه

      اختلف في بعض واتفق في الأغلب مع الأستاذ علي فالرواية ممتعة جدا وأكثر ماأمتعني بقراءتها هي سقوطها من روتين الحبكة والشخوص والخاتمة وماإلى ذلك فهو تمرد يشبه تمرد الشعراء للقصيدة المقفيه لينتج نثرا يلامس الوجدان لقد لامست الرواية واقعا غفل أو تغافل عنه الكثيرون ولكن كمن يلامس المياه بيديه دون ان يعكر صفوها رواية القبار الأعرج رواية تستحق القراءة

اقرأ ايضاً