يضع كاتب مصري قضية الحسبة في سياقها التاريخي، موضحاً أنها كانت تستهدف مكافحة الفساد الاقتصادي والإداري حيث يقوم المحتسب بمراقبة الأسواق للتأكد من صحة المكاييل وسلامة المعاملات إلا أن المصطلح في العقود الأخيرة أصبح يعني مصادرة حرية الرأي والإبداع. ويقول حلمي النمنم إن هناك «جهاداً ضد المبدعين» باستخدام قضايا الحسبة التي أخرجها البعض من كتب الفقه الإسلامي واستخدموها في غير ما أراد الفقهاء الذين استهدفوا بالحسبة مراقبة الأداء الاقتصادي والمالي والإداري بما يحقق المصلحة العامة. ويضيف في كتابه «الحسبة وحرية التعبير» أن دور المحتسب كان يشبه «شرطة تنفيذ الأحكام» في الوقت الحالي. ويرى أن «المحتسبين الجدد حولوه إلى مصادرة حرية الكتاب والمبدعين» عن طريق رفع دعاوى قضائية تتهم الكاتب بالمساس بالذات الإلهية أو الترويج للإلحاد. وطالت هذه الدعاوى كتاباً مصريين منهم نجيب محفوظ ونصر حامد أبوزيد وفنانين مثل الممثل عادل إمام. ففي أبريل/ نيسان الماضي أيدت محكمة جنح الهرم حكماً كان صدر في فبراير/ شباط 2012 بحبس إمام ثلاثة أشهر بتهمة الإساءة للإسلام في بعض الأفلام والمسرحيات. وبعد يومين اثنين من صدور الحكم رفضت محكمة جنح العجوزة بالقاهرة دعوى - اتهم فيها إمام ومخرجون ومؤلفون قدموا معه أعمالاً فنية - بازدراء الإسلام.
ويقول المؤلف إن الحسبة والمحتسب اختفيا من مصر في القرن التاسع عشر منذ تولي محمد سعيد باشا حكم البلاد في 1854 وأصبح جهاز الدولة الحديثة يقوم بمهمات المحتسبين إلى أن عاد «المحتسبون الجدد» على استحياء في القرن العشرين. ويعتبر النمنم قضية نصر حامد أبوزيد «أشهر قضية حسبة شهدتها مصر في العقود الأخيرة» حيث تقدم أبوزيد في 1993 للترقية إلى درجة «أستاذ» بكلية الآداب بجامعة القاهرة ورفضت اللجنة ترقيته واصفة أحد بحوثه بأنها «كفر في كفر». وانتقل الأمر من الجامعة إلى وسائل الإعلام ثم إلى القضاء حيث طالب محامٍ بالتفريق بين أبوزيد وزوجته ابتهال يونس الأستاذة بالكلية نفسها. وصدر الحكم بالتفريق بينهما فغادر أبوزيد مصر. ويرى النمنم أن الاستبداد السياسي أو الديني أو الاجتماعي يستهدف قمع الحريات ضارباً المثل باغتيال الكاتب المصري فرج فودة في 1992 على أيدي متشددين إسلاميين ومحاولة اغتيال الروائي المصري نجيب محفوظ في 1994 لاتهامه بالإساءة إلى الإسلام في أعمال منها رواية «أولاد حارتنا» التي ظلت محظورة - بعد نشرها مسلسلة في صحيفة «الأهرام» في 1959- بحجة أنها تسيء إلى الأنبياء. لكن الرواية نشرت في مصر منذ بضع سنوات بمقدمتين لاثنين من الكتاب المحسوبين على التيار الإسلامي المستنير هما أستاذ القانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية أحمد كمال أبوالمجد، والأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين محمد سليم العوا.
العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ