أكد وزير السياحة العراقي لواء سميسم لوكالة «فرانس برس» يوم الاثنين الماضي أن العراق أوقف التعامل مع الولايات المتحدة في مجال التنقيب عن الآثار على خلفية رفضها إعادة الأرشيف اليهودي إليه.
وشدد سميسم (56 عاماً) في مقابلة حصرية على أن العراق سيسلك «جميع الطرق» لاستعادة هذا الأرشيف، ولاستعادة أيضاً «عشرات آلاف» القطع الأثرية التي ذكر أنها موجودة حالياً في الولايات المتحدة.
وقال سميسم في مكتبه بمبنى الوزارة وسط بغداد: «إن إحدى وسائل الضغط التي استخدمتها على الجانب الأميركي أنني أوقفت التعامل مع بعثات التنقيب الأميركية بسبب قضية الأرشيف اليهودي والآثار الموجودة في الولايات المتحدة».
وأضاف أن «الجانب الأميركي قام بكثير من التحركات والضغط بهدف إرجاع العمل مع الجانب العراقي، لكن هذا القرار نهائي».
وكانت السلطات العراقية دعت الولايات المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول إلى إعادة أرشيف اليهود العراقيين وملايين الوثائق الأخرى التي نقلها الجيش الأميركي من بغداد بعيد اجتياح البلاد العام 2003.
وتقول وزارة الثقافة إن 48 ألف حاوية تحتوي على ملايين الوثائق والأرشيف اليهودي نقلت إلى الولايات المتحدة، موضحة أن 70 في المئة من الأرشيف مؤلف من وثائق باللغة العبرية و25 في المئة بالعربية و5 في المئة بلغات أخرى.
وفي أيار/ مايو 2010، أعلنت إدارة دائرة المتاحف العراقية أنه في الثامن من أكتوبر 2003 تم اكتشاف 27 صندوقاً معدنياً وخمس حاويات كارتونية داخل سرداب تابع لجهاز مخابرات النظام السابق تضم كتباً بالعبرية ووثائق تمثل أرشيف يهود العراق الذين كان يبلغ عددهم نحو 120 ألفاً وغادر معظمهم العراق بعد قيام الدولة العبرية العام 1948.
وأكدت دائرة المتاحف حينها أن العراق رفض إخراجها لصيانتها في الولايات المتحدة وفضل أن تتم صيانتها في العراق، لكن الأرشيف أخرج على رغم ذلك ولم تعرف الطريقة التي نقل بها.
وذكر سميسم المنتمي إلى تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنه فاتح «الجانب الأميركي حول الأرشيف اليهودي وليست هناك إجابة واضحة وشافية. هم نقلوا الأرشيف في العام 2003 والاتفاقية المبرمة مع العراق آنذاك تفيد بأنه سيرجع سنة 2005 بعد ترميمه، ولكننا اليوم في 2012، والأرشيف لم يعد بعد».
وقال الوزير العراقي الذي كان يعمل طبيباً للأسنان قبيل تسلمه مهمات الوزارة العام 2006: «إن مسألة الأرشيف العراقي «جزء من مشكلة أكبر» مع الولايات المتحدة التي «تحتضن عشرات آلاف القطع الأثرية العراقية».
وأوضح سميسم أن «هناك نحو 72 ألف قطعة أثرية عراقية نفيسة ولا شبيه لها في الولايات المتحدة (...) ونحن سبق أن سألناهم حول مشروعية وجودها هناك: فهل هي إعارة؟ هل هي سرقة؟ هل أخذت ضمن اتفاق مع الحكومة العراقية ؟ لكننا لم نحصل على أي جواب».
وتابع «طلبنا من الجانب الأميركي أيضاً جرد هذه الآثار، وجرد الأرشيف اليهودي والممتلكات العراقية، وإرسالها إلى الجانب العراقي لتكون ملزمة لنا ولهم، ولكنهم لم يستجيبوا أيضاً، وكل هذا أدى إلى إيقاف التعامل معهم منذ بداية العام».
وشدد على أن العراق «سيسلك جميع الطرق لاستعادة تلك القطع الأثرية والأرشيف اليهودي» الذي لم يستبعد أن يكون قد نقل إلى إسرائيل حيث أنه قرأ عن ذلك «في عدة مواقع إسرائيلية».
وأشار سميسم إلى أن العراق «سيشرك منظمة اليونسكو (...) وإذا ووجهنا أيضاً بالرفض ستتحول المسألة إلى مشكلة عالمية لأنه لا قوانين الأمم المتحدة ولا قوانين اليونسكو تجيز ذلك (...) هذه سرقة آثار عالمية».
وتعرض العراق الغني من شماله إلى جنوبه بالآثار التي تعود إلى حضارات قديمة عدة، إلى عملية نهب كبيرة لآثاره وخصوصاً في المتحف الوطني الذي فقدت منه آلاف القطع الأثرية وجرى استعادة بعضها لاحقاً.
ويقول سميسم: «إن هناك قطعاً أثرية سرقت بعد نبش عشوائي ونحن لا ندرك عددها، لكن القطع المعروفة التي سرقت تبلغ نحو 10 آلاف، وقد استعدنا منها 4764 قطعة»، مشيراً إلى «مفاوضات مع دول مثل إسبانيا وألمانيا وفرنسا» لاستعادة قطع.
وأوضح الوزير الذي كان ممنوعاً من السفر إبان عهد صدام حسين أنه «في حالات نادرة وبصورة قانونية ندفع تعويضات (...) لاسترجاع هذه القطع».
وتأسست وزارة السياحة والآثار بصورة فعلية في مارس/ آذار الماضي عندما أقر القانون المتعلق بها ونشر في الجريدة الرسمية، بعد أن ظلت لسنوات وزارة دولة تحظى بدور استشاري فقط.
ويقول سميسم إنه في موازاة العمل على استعادة القطع الأثرية المسروقة، تسعى الوزارة إلى تنشيط عمليات التنقيب عن الآثار، وكذلك القطاع السياحي في بلاد لاتزال تشهد أعمال عنف يومية منذ 2003 وأزمات سياسية متلاحقة.
وفيما أعلن عن تنقيبات جديدة تبدأ خلال أيام في أربعة مواقع جنوب البلاد، قال إن وزارته أبرمت «اتفاقية مع وزارة السياحة العالمية تبدأ من 2012 وتمتد إلى 2020 وتهدف إلى النهوض بقطاع السياحة».
ويؤكد سميسم أن «العمود الفقري للسياحة في العراق حالياً هي السياحة الدينية» التي تستقطب مئات الآلاف سنوياً، لكن هناك أيضاً «السياحة الأثرية التي تمثل مستقبلاً واعداً لقطاع السياحة العراقي» على رغم أنها لا تستقطب حالياً سوى المئات سنوياً.
ويقول: «إن هناك حاجة لبنى تحتية تشمل الفنادق والمواصلات والطرق والخدمات وقد بدأنا نعمل عليها»، مضيفاً أن «العراق بدأ يدرك أن قطاع السياحة أهم قطاع من بعد قطاع النفط».
العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ