إنه اليوم التالي لنهاية الحلم الألماني بالفوز للمرة الرابعة بكأس العالم لكرة القدم. مساء الثلثاء بتاريخ الرابع من يوليو/ تموز العام ، حين أعلن الحكم المكسيكي صفرة النهاية لمباراة نصف النهائي بين ألمانيا وإيطاليا بفوز الفريق الثاني بجدارة بهدفين ذكيين، كأن شخصا سحب كابل الضوء وعم الظلام العرس الألماني الذي دام نحو ثلاثة أسابيع. تغيرت خلاله ألمانيا كثيراً. أعلام ألمانية في الشوارع وعلى السيارات والشرفات. وسمعت أصوات سيارات الإسعاف بكثافة. في اليوم التالي لنهاية هذا الحلم تجتهد وسائل الإعلام في الإبقاء على معنويات الألمان عالية. وتطلب من السياسيين التعلم من المدرب يورغن كلينسمان القدرة على الإبداع والتغيير وسحر ملايين البشر. ألمانيا تستعد لمنتخب قوي يخوض معركة البطولة الأوروبية لكرة القدم التي تستضيفها سويسرا والنمسا في صيف العام .
فجأة ساد الهدوء شوارع ألمانيا إلا من سيارات تنقل (البيتزا) لمنازل الألمان الذين يعشقون المطبخ الإيطالي. ماتت صيحات الفرح وكف الألمان عن ترديد الشعار الذي رفعوه بعد وقت بعد الفوز على السويد: سنصبح أبطال العالم. كل الصياح الألماني انتهى مع إعلان صفرة النهاية للمباراة أمام الطليان. شارع السابع عشر من حزيران قبالة بوابة براندنبورغ التي كانت تفصل بين شطري برلين خلال الحرب الباردة، حيث أقيمت منذ بدء البطولة منصة وشاشات عملاقة تنقل وقائع المباريات، عاد ألف مشجع ألماني إلى مساكنهم بخيبة أمل، هذه المرة نكسوا الأعلام وغرقوا في دموعهم وغطى كثيرون وجوههم بالعلم الألماني الذي يحمل الألوان: الذهبي والأسود والأحمر. قبل ذلك بوقت قصير بدا أن المنتخب الألماني قاب قوسين أو أدنى من تسجيل هدف الفوز والانتقال إلى نهائي كأس العالم. لم يكن المنتخب الألماني تحت قيادة مدربه كلينسمان قد خسر مباراة واحدة على استاد مدينة دورتموند. كما أن تاريخ الرابع من يوليو هو يوم كبير في تاريخ الكرة الألمانية. في هذا اليوم فازت ألمانيا بكأس العالم لأول مرة. أنها المناسبة التي أطلق عليها(معجزة بيرن). في هذه المباراة فاز الألمان على هنغاريا التي كانت المرشح القوي للفوز بالكأس بقيادة اللاعب بوشكاش ورفاقه. لكن الألمان فازوا وأعاد هذا الفوز ألمانيا للحظيرة الدولية بعد أن بدأت في العام تنفض عن نفسها ركام الحرب العالمية الثانية. في هذا اليوم بالذات كان على ألمانيا بلوغ النهائي لكن هدفين قاتلين من الطليان قبل دقيقة ونصف على تجهيز اللاعبين أنفسهم ليتقرر مصير المباراة بواسطة الضربات الترجيحية كما حصل في المباراة بين ألمانيا والأرجنتين أجهز على الحلم، ثم أن استاد دورتموند تحول بالجمهور الألماني إلى لاعب إضافي على أرض الملعب. لكن تاريخ كأس العالم كان يقول أيضا أنه لم يسبق أن فازت ألمانيا على إيطاليا في كأس العالم. قبل المباراة عرضت محطة (فينوكس) شريطا للمباراة بين ألمانيا إيطاليا التي جرت في المكسيك العام أيضا في دور نصف النهائي إذ انتهت الـ دقيقة بتعادل الفريقين بهدف لكل منهما وانتهت المباراة بعد التمديد نصف ساعة بفوز إيطاليا . في المباراة النهائية نعرف أن البرازيل، بقيادة الجوهرة السوداء بيليه، الذي حضر مباراة مساء (الثلثاء)، انتهت بنتيجة . كان الفوز الثالث للبرازيل بكأس(جول ريميه) التي احتفظ البرازيليون بها.الآن أصبحت فرص إيطاليا بالفوز للمرة الرابعة بكأس العالم قوية جدا.
ظاهرة من دون مثيل لها: شركة فولكسفاجن المصنعة للسيارات توقفت عن الإنتاج مدة أربع ساعات حتى يتسنى للعاملين والموظفين في المساء مشاهدة مباراة ألمانيا وإيطاليا. في شوارع المدن الألمانية افترش الناس الأرصفة، ينظرون طويلا في السماء الخاوية. وكان فريقهم قريبا جدا من بلوغ النهائي. كان الألمان واثقين أنهم سيفوزون بالضربات الترجيحية لأن إيطاليا خسرت دائما بالضربات الترجيحية واخرها في العام أمام البرازيل في الولايات المتحدة، ثم لأن ألمانيا فازت دائما بالضربات الترجيحية ولم يكن هذا ضد الأرجنتين فحسب. فقد فاز الألمان بهذه الطريقة على انجلترا في كأس العالم وفي العام في المكسيك على فرنسا. ثم لأن الحظ لم يترك الألمان يوما.
هذا ما جعل عبارة قالها كابتن انجلترا السابق غاري لينيكر بعد كأس العالم لاعبا يلعبون على أرض الملعب وفي النهاية يفوز الألمان. كادت هذه العبارة تصبح نظرية. لم يكن رد فعل الألمان دائما مسالما: منهم من شتم الطليان ومنهم من فجر غضبه بالصياح: إيطاليا نادي المافيا. لكن هؤلاء كانوا أقلية لا تذكر. قال أحد المشجعين وهو يضع العلم الألماني في جيبه: نحن حزينون لكننا فخورون. وقال آخر: «كنت أعتقد أن انتقالنا للنهائي مسألة مضمونة وأننا سنعيش حتى يوم الأحد أطول حفلة عرفتها ألمانيا. ثم راح هذا المشجع يلوم حظ ألمانيا العاثر. بعض الألمان، الذين ليس من السهل فهم نكاتهم، تعاملوا مع الهزيمة بخفة دم: في مطار تحت الأرض في برلين الشرقية غير المشجعون الألمان شعاراتهم من (النهائي أوه أوه أوه) إلى شعار خيبة الأمل (أوه أوه أوه... لا نهائي)».
مواكب السيارات الوحيدة التي كانت تجوب الشوارع تخص الطليان كل من شعر أن الفرصة مؤاتية لإغاظة الألمان برفع أعلام إيطاليا ومناداة (إيطاليا.. إيطاليا). بعض المشجعين الطليان استأجروا باصات بطبقتين واحتفلوا فيها حتى الفجر بالفوز الكبير على ألمانيا. يوم الأربعاء، اليوم التالي للهزيمة، ظلت سيارات الألمان تحمل الأعلام الألمانية. غير أن السؤال الكبير ما إذا كان رفع الأعلام والشعور بالوطنية مؤقتاً.لا أحد يتحدث عن مباراة يوم السبت في شتوتغارت على المركز الثالث. وقال عميد الكرة الألمانية ورئيس اللجنة المنظمة لكأس العالم فرانز بيكنباور، أن المركز الثالث أفضل من المركز الرابع. كانت هذه محاولة لرفع معنويات لاعبي المنتخب الألماني. وقال مساعد المدرب لوف، أن الجو حزين جدا في غرفة الملابس ثم شكر الجمهور الألماني على تشجيعه اللا محدود للمانشافت. وخرجت صحيفة (بيلد) الشعبية الواسعة الانتشار بعنوان: نحن نبكي معكم. وحثت في تعليقها المواطنين الألمان على مواصلة الشعور بالوطنية وقالت: ألمانيا بلد جميل مليء بالفرص. مضت الصحيفة تقول: لهذا السبب ينبغي أن تتواصل الحفلة ونواصل طريق التحديث ونشر شعور الابتهاج ومواجهة التحديات بقدرة شجاعة.
لم تحل حفلة كأس العالم مشكلات ألمانيا مثل البطالة المستفحلة(خمسة ملايين عاطل من العمل) وأداء اقتصادي فاتر، مديونية عالية للدولة، وتحميل المواطنين أعباء مالية جديدة بعد إصلاح النظام الصحي الذي كان يوما مثاليا للعالم. وخلال بطولة العالم لكرة القدم وصفت المستشارة أنجيلا ميركل ألمانيا بأنها عبارة عن سلة اقتصادية وعرّض هذا الوصف المستشارة التي تنحدر من الشطر الشرقي إلى انتقادات قوية لاستخفافها بقدرة ألمانيا على التعافي اقتصاديا. بعد المباراة توجه الرئيس الألماني هورست كولر والمستشارة ميركل إلى غرفة ملابس المانشافت إذ شكرا اللاعبين على جهودهم. وقال كولر في برقية وجهها إلى مدرب المنتخب الألماني، كلينسمان: إن على السياسة تعلم النجاح من المنتخب الألماني وأعرب عن ثقته في أن يبقى شعور الألمان في النجاح حتى بعد كأس العالم. وقال كولر إن الألمان يتمسكون لأول مرة بشكل قوي ببلدهم وبالعلم الألماني وهذا شيء رائع وأنا لست الوحيد الذي يرفع علم ألمانيا على سيارته. وكان كولر نفسه قد صرح حين استلم منصبه في صيف العام أن ألمانيا تعاني من شعور جماعي بالتشاؤم.
وكتب معلقو الصحف أن المانشافت فاق توقعات المراقبين ببلوغه دور نصف النهائي ما يسهل هضم الهزيمة أمام الطليان وأن قصة النجاح واجهت نهاية صعبة بعد الفوز المحظوظ على الأرجنتين. وكتبت صحيفة(بيلد): ارفعوا رؤوسكم عاليا بعد أن وصفت الطليان يوم المباراة بالمعكرونة وطالبت بسحقهم. وكتبت صحيفة (دي فيلت) تقول أن المانشافت يستحق الاحترام والانجاز الكبير الذي حققه في البطولة وقالت: على رغم فشل الفريق في بلوغ النهائي إلا أنه يستحق احترامنا وتعاطفنا ونحن نتطلع بتفاؤل نحو المستقبل.
المستقبل بالنسبة للألمان هو بطولة الأمم الأوروبية في سويسرا والنمسا في صيف إذ يتعين على المنتخب الألماني خوض مباريات التأهل لكن السؤال الكبير هل تحت قيادة مدربه الحالي يورغن كلينسمان وماذا سيكون موقف الألمان إذا وافق على عرض لتدريب منتخب الولايات المتحدة؟ فقد أبلغ كلينسمان التلفزيون الألماني أنه أبلغ المسئولين في اتحاد كرة القدم الألماني أنه يحتاج لعدة أيام والحديث مع أسرته التي تعيش في كاليفورنيا، قبل أن يقرر مستقبله مع المنتخب الألماني. وقال بيكنباور في تصريح أنه يأمل أن يستمر كلينسمان في مهمته لأن هناك بعض اللاعبين بدأ مستقبلهم في المنتخب في عهد كلينسمان. حتى يقرر كلينسمان الفائز بكأس العالم العام تحت قيادة المدرب بيكنباور، سيظل مستقبل المنتخب الألماني في علم المجهول.
بحسب تحليلات (شبيغل أونلاين) ترى أن تغييرات لا بد منها لوجه المنتخب الألماني بعد واقعة الرابع من يوليو العام .6002 استطاع كلينسمان أن يجعل المانشافت شابا، يتحمل المسئوليات، جدير بالاحترام. في السابق تعود عشاق اللعبة مشاهدة المنتخب الألماني يشارك في بطولات دولية بلاعبين مخضرمين. خمسة لاعبين فقط في تشكيلة كلينسمان تجاوزوا سن الثلاثين. أولهم مدافع باير لفركوزن ينس نوفوتني الذي كان على مقعد الاحتياط، ومن المتوقع استقالته من اللعب للمنتخب. كذلك المهاجم أوليفر نويفيل من مونشن جلادباخ وصاحب الهدف ضد بولندا، البالغ عاما من العمر. كذلك المدافع بيرند شنايدر من باير لفركوزن البالغ عاماً من العمر لكن متوقع أن يلعب عامين ليشارك مع ألمانيا في البطولة الأوروبية العام .8002 ثم حارس المرمى ينس ليمان من أرسن
العدد 1400 - الخميس 06 يوليو 2006م الموافق 09 جمادى الآخرة 1427هـ