العدد 3274 - الأربعاء 24 أغسطس 2011م الموافق 24 رمضان 1432هـ

بعد نهاية حكم القذافي... من يستطيع توحيد ليبيا وحكمها ؟

بعد أن اقترب حكم الزعيم الليبي، معمر القذافي الذي استمر أكثر من 40 عاماً من نهايته فيما يبدو يمكن أن تواجه المجموعات المختلفة التي أطاحت به من السلطة خطراً أكبر... الانقسامات فيما بينها. ودون قضية إسقاط القذافي التي وحدتهم على المقاتلين من كافة المشارب أن يتوصلوا إلى قيادة فعالة لإدارة البلاد التي تعاني من كثرة الفصائل وخصومات قبلية وانقسامات عرقية.

ظهرت بوادر المشاكل قبل وقت طويل من تمكن المقاتلين من الزحف من منطقة الجبل الغربي إلى العاصمة طرابلس واستقبلهم بفرحة غامرة الليبيون الذين سرعان ما سيطالبون بحكومة تدير البلاد بسلاسة ووظائف وتحسين وضع المدارس والثروة النفطية التي نادراً ما كانت تصلهم. وأنفق المقاتلون الذين شكوا من انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة للقذافي وهم يستعدون للمعركة وقتاً طويلاً أيضاً في انتقاد زملائهم سواء لمجيئهم من قرى مختلفة أو من جماعة عرقية أخرى أو لأن لديهم موارد أكثر فيما يبدو.

شعر حسام نجار وهو مقاتل ليبي يحمل الجنسية الإيرلندية بالاستياء من المقاتلين الذين انضم إليهم تاركاً كل شيء وراءه في دبلن. وقال لـ «رويترز» «من الممكن أن تحدث مشكلات كبيرة للغاية. الكل يرغب في إدارة البلاد. حينئذ ستسود الفوضى... لابد من نزع سلاحهم جميعاً». والسؤال الآن هو هل هناك من يمكنه توحيد ليبيا وقيادة البلاد ومنع المقاتلين من أن ينقلبوا على بعضهم؟ وحتى الآن تجيء على ما يبدو الإجابة صادمة.

وقال مدير شئون الشرق الأوسط في شركة «ستراتفور» العالمية للمعلومات، حمران بخاري «ليس هناك ولو زعيم واحد للمقاتلين يحترمه الجميع. هذه هي المشكلة». كان القذافي يتعامل مع ليبيا باعتبارها إقطاعيته الخاصة دون وجود مؤسسات دولة تجعل انتقال السلطة أسهل على المقاتلين الذين لديهم الكثير من الحماس لكنهم يفتقرون إلى التسلسل القيادي. وأبرز شخصيات المعارضة هو رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل الذي يضم مجموعات مختلفة من معارضي القذافي ومقره بنغازي في شرق ليبيا. ويتألف المجلس من وزراء سابقين ومعارضين قدامى يمثلون التيارات المختلفة منها القومية العربية والإسلامية والعلمانية والاشتراكية ورجال الأعمال. ووصفت برقية دبلوماسية أميركية سربها موقع «ويكيليكس» الإلكتروني عبد الجليل وهو وزير عدل سابق بأنه «تكنوقراط معتدل التفكير». كما أشادت بعبد الجليل وهو في الخمسينات من العمر منظمة «هيومان رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان لجهده في إصلاح القانون الجنائي الليبي. واستقال عبد الجليل من وزارة العدل في فبراير/ شباط عند استخدام العنف مع المتظاهرين. لكن شأن عبد الجليل هادئ الطبع شأن أعضاء آخرين سابقين في الدائرة المقربة من القذافي فدائماً سينظر له بعض المعارضين بارتياب إذ إنهم يريدون وجوهاً جديدة تماماً دون روابط سابقة مع النظام الذي كان يدير البلاد.

أما رئيس اللجنة التنفيذية للمجلس الوطني الانتقالي أو رئيس الوزراء، محمود جبريل فكان مسئولاً كبيراً سابقاً في مجال التنمية في نظام القذافي ولديه اتصالات أجنبية كبيرة وكان مبعوث المعارضة المتجول. لكن سفرياته للخارج أصابت بعض زملائه وبعض المساندين الأجانب بالإحباط لذلك فإن خبرته وقدرته على إقامة الاتصالات ستهدر إذا لم يكن جزءاً من أية إدارة جديدة في المستقبل.

ومن أبرز المعارضين أيضاً الذي ربما يقوم بدور في قيادة المستقبل علي الترهوني. عاد الأكاديمي المعارض الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة إلى ليبيا لتولي الشئون الاقتصادية والمالية والنفطية للمعارضة. وربما تقوض التوترات بين معارضي القذافي القدامى والمؤيدين الذين انشقوا عن الزعيم الليبي أي جهود لاختيار قيادة فعالة. وإذا كانت الغلبة للمتشددين من الممكن أن ترتكب ليبيا الخطأ ذاته الذي قال محللون إنه ارتكب في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003 وأطاح بالرئيس صدام حسين. فقد تم تطهير البلاد من أنصاره من حزب البعث وضباط الجيش بشكل جماعي ما أحدث فراغاً في السلطة أدى إلى اضطرابات استمرت لسنوات حيث شارك الجميع من أنصاره العلمانيين إلى مقاتلي «القاعدة» في حملة عنف استهدفت الحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة. قال عاشور الشامس وهو ناشط ليبي معارض مقيم في بريطانيا «لا يمكن أن نؤسس قاعدة تقول إن أي شخص كان يعمل مع القذافي لا يمكنه العمل معنا. هذا ليس عملياً على الإطلاق». ومثل هذا النهج سيخرب أية محاولة لإعادة الأشخاص ذوي القدرات لتولي أكثر المهام حيوية وهي إنعاش قطاع النفط. قد يلجأ من يرغبون في تنحية العداءات جانباً من أجل إعادة بناء قطاع الطاقة إلى شكري غانم الذي تولى رئاسة مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في الحكومة الليبية طلبا للمساعدة. ولدى غانم الذي تلقى تعليماً غربياً وانشق عن القذافي خبرة تمتد عشرات السنين في قطاع النفط وهو رئيس وزراء سابق يرجع إليه الفضل في تحرير الاقتصاد الليبي والإسراع في انفتاح البلاد على الاستثمارات البترولية العالمية. وستتوقف إعادة شخصيات مثل غانم بدرجة كبيرة على ما إذا كانت المعارضة ترغب في تنحية خلافاتها جانباً واتخاذ موقف عملي من أجل مستقبل ليبيا. لكن استناداً إلى الحقائق الموجودة على أرض الواقع لن يكون هذا سهلاً. فهناك على سبيل المثال منطقة الجبل الغربي التي حقق فيها المقاتلون أكثر المكاسب تأثيراً وهم يتحركون صوب طرابلس.

وأظهر المقاتلون انضباطاً كبيراً بينما كانوا يجتاحون القرى والبلدات حتى وصولوهم إلى طرابلس في نهاية الأمر. لكن تحت السطح كانت الانقسامات والتعصبات تمزق المقاتلين إلى جانب مخاوف من احتمال اختراق عملاء القذافي صفوفهم. ونظرت قرى الأمازيغ والعرب إلى بعضها البعض بازدراء. ويشير المقاتلون إلى بعضهم البعض بالقول إنه مقاتل من تلك القرية أو هذه وليس مقاتلاً من ليبيا. وعندما يرغب الصحافيون في الوصول إلى الجبهات يطلب منهم الحصول على تصريح كتابي من المقاتل المعارض المسئول عن المنطقة. وكان نجار يتحدث كثيراً عن كيف أن كتيبته التي تعرف باسم كتيبة طرابلس هي الأفضل للسيطرة على العاصمة الليبية لأن كل أعضائها من طرابلس. ومن المرجح أن تستمر نفس الخصومات عندما يحين وقت اختيار الزعماء... من الوزراء إلى حكام المناطق إلى رؤساء البلديات ووضع الموازنات.

وبأي حال فإن الكثير من المقاتلين متعلمون - من الأطباء إلى المدرسين إلى المحاسبين والمهندسين- لذلك من المرجح أن يصروا على أن تكون لهم كلمة مسموعة في الطريقة التي تدار بها البلاد. ومن القضايا التي تعد مثالاً لما يمكن أن يكون مطروحاً في المستقبل واقعة اغتيال عبد الفتاح يونس -القائد العسكري لقوات المعارضة والذي كان وزيراً للداخلية في حكومة القذافي- يوم 28 يوليو/ تموز بعد أن احتجزته عناصر من المعارضة لاستجوابه. وأثار قتل يونس مخاوف من ضعف وتشرذم المجلس الوطني الانتقالي بحيث لا يمكنه وقف الانزلاق إلى دائرة العنف مع تنافس الفصائل المختلفة بما في ذلك الإسلامي منها طلباً للسلطة. على سبيل المثال فإن عدداً متزايداً من المقاتلين في الجبل الغربي يطلقون لحاهم ومن المرجح أن يرفضون العلاقات الوثيقة مع الغرب في ليبيا الجديدة. في حين أن آخرين يرغبون بشدة في الاستثمارات الأجنبية. وربما يرون أيضاً أن المقاتلين من الجبل الغربي ومدينة مصراتة يجب أن يمنحوا أكثر المواقع تأثيراً في أية حكومة قادمة بما أنهم قاموا بمعظم القتال بينما كانت المعارضة في بنغازي تتولى شئون الإدارة.

كانت المرارة ملحوظة في الجبهة بامتداد السهول الصحراوية في الغرب حتى على الرغم من تمكن الجماعات المختلفة للمقاتلين من تجاوز الخلافات والزحف معاً صوب طرابلس. وتم تصوير المعارضة في بنغازي على أنهم دخلاء كانوا كثيراً ما يتأخرون في تسليم السلاح وغيرها من الإمدادات لنظرائهم. ويتعين على قيادة المعارضة أن تتوصل إلى سبل لنزع فتيل التوترات بين صفوفها وهي تحاول تحويل ليبيا إلى بلد ذي اقتصاد قادر على المنافسة. وقال بخاري «إدارة البلاد ستكون أصعب كثيراً على المعارضة. سيكون التحدي هو التوصل إلى شخصيات تلقى قبولاً لدى الجميع»

العدد 3274 - الأربعاء 24 أغسطس 2011م الموافق 24 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً