ذات يوم وصلني طرد بريدي من أحد الأصدقاء بالمملكة المغربية، ممن يملكون حساً بيداغوجياً منفتحاً على الممارسات التربوية ذات الصلة بتنمية الوعي بثقافة حقوق الإنسان.
أكثر ما لفت نظري وأثار إعجابي وجود مادة تعليمية مطبوعة بحجم صغير بعنوان «جواز سفر حقوق الإنسان»!
هذا من الخارج، أما صفحة الغلاف من الداخل فمكتوب فيها البيانات نفسها التي عادةً ما تكتب في جواز السفر العادي، وما على حامل هذا الجواز سوى لصق صورته الشخصية وتدوين بياناته وتوقيعه.
من حيث الحجم، فإن جواز سفر حقوق الإنسان يطابق جواز السفر العادي، لذا فإن بإمكان الطالب/ة حمله باستمرار، سواءً في البيئة المدرسية أو خارجها.
تمَّ تصميم الجواز الحقوقي طبقاً للمقاييس العالمية المعتمدة، بحيث تجد مقابل كل مادة من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الـ 30 رسمة فنية تتناسب مع مضامين ومحتوى تلك المادة الحقوقية.
يؤكِّد الإعلان العالمي في ديباجته على أن تعليم حقوق الإنسان ليس حقًاً فحسب بل مسئولية أيضاً، فقد ورد فيه «أن يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته، واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام، ومن خلال التعليم والتربية إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات».
ربما كان من باب العرفان تضمين الجواز بريشة الفنان البلجيكي الراحل جان ميشل فولون، وهو الذي قام برسم لوحة لمنظمة العفو الدولية عن حقوق الإنسان في العام 1988م.
تزامن الجواز في إصداره مع مرور 60 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتحت شعار «حقوقك لتتمتع بها، حقوقك لتحميها». ولكن ما دلالة حمل هذا الجواز؟
تقول الأمين العام لمنظمة العفو الدولية إيرين خان: «حامل هذا الجواز مواطن من مواطني العالم، وقد وقَّع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويؤكِّد المواطن بتوقيعه على الإعلان العالمي إيمانه بأن لكل فرد حقوقاً، بغضِّ النظر عن جنسه أو لونه أو عقيدته أو ديانته أو نوعه أو موطنه القومي أو توجهه الجنسي أو إعاقته أو عمره، ويقرُّ المواطن بأن على كل مواطن من مواطني العالم في كل مكان واجب الدفاع لا عن حقوقه الشخصية فحسب، بل وحقوق الآخرين أيضاً. وفي إطار التضامن الدولي، يقف حامل هذا الجواز مدافعاً عن حقوق إنسان عالمية غير قابلة للتجزئة».
وعن رمزية هذا الجواز العالمي/ الحقوقي تواصل خان قولها: «يرمز إلى تضامن حامله مع حركات الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم أجمع، ويقطع حامل الجواز على نفسه وعداً بالعمل على الدعوة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدفاع عن قيمه، والمبادرة بالتصرف لتحويل رؤيته إلى حقيقة ملموسة».
تفيدنا بعض المسائل عند إعداد المادة التعليمية المطبوعة لإدماج ثقافة حقوق الإنسان، مثل: هوية المادة التعليمية المطبوعة المتخصصة في مجال التربية على حقوق الإنسان، وطريقة تبويب المادة وعرضها، والفئات المستفيدة أو المستهدفة، وإفساح المجال لمساهمات المعلمين والطلبة في مجال التربية على حقوق الإنسان، وأخيراً اعتماد سياسة توزيع المادة لأكبر عدد من المعنيين بالبرنامج، وهذا المنهج يتصادم في العادة بالمعوقات السياسية والقيود المفروضة على المطبوعات في بعض البلدان العربية وخصوصاً المطبوعات المتعلقة بحقوق الإنسان من جهة، والتحفظات التي تبديها عدد من الدول تجاه التعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية المختصة في مجال حقوق الإنسان من جهة أخرى.
هناك مدخلان مرتبطان بتقديم مفاهيم حقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية وهما: الأول (مدخل الدمج) ويقوم على أساس دمج مفاهيم حقوق الإنسان في وحدات أو دروس أو موضوعات مقررة بالفعل في المقررات الدراسية، دون إحداث أي خلل في بنية هذه الموضوعات، أي ما يصطلح عليه (المنهج التكاملي)، بحيث يتم توزيع مفاهيم حقوق الإنسان في جميع المقررات الدراسية على الطلبة، مثل اللغة العربية والمواد الاجتماعية والعلوم وما إلى ذلك.
أما المدخل الآخر (مدخل الوحدات الدراسية المستقلة) فهو يقوم على أساس إضافة وحدات دراسية مستقلة تتناول قضايا ومفاهيم حقوق الإنسان بشكل تفصيلي.
وعلى أية حال فإنه لا غنى عن تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في أسئلة التقويم (التي تنتهي بها عادة الدروس أو الوحدات الدراسية)، أو ربطها بالأنشطة المدرسية (الصفية أو اللاصفية كما هو الحال في موضوع بحثنا).
البعد الاستراتيجي في مجال التربية على ثقافة حقوق الإنسان مهم للغاية، لأننا نتحدث عن عملية تراكمية تبدأ من البيئة المدرسية التي تعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان ولا تنتهي عند حد معين، فالمدرسة مؤسسة اجتماعية شبيهة بالمرآة التي تعكس واقع المجتمعات بدءاً من التعليم الأساسي ومروراً بالمرحلة الجامعية وما بعدها، ومن هذا المنطلق سارعت بعض المنظمات كمنظمة العفو الدولية واليونسكو بنشر مواد تعليمية وأدلة إرشادية لكل المنتمين إلى المؤسسات التعليمية، لأن طلبة المدارس يمثلون بالنسبة إليهم سُلَّم الأولويات، وليس فقط النخب الحقوقية أو السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية أو النسوية وغيرهم.
وفي الوقت الذي نؤمن فيه بأن أفضل طريقة لتعزيز قيم ومفاهيم حقوق الإنسان هي ممارستها عملياً في فضاء المؤسسات التعليمية، فإن الجانب المعرفي لمفاهيم مجردة كالمساواة والحرية والديمقراطية والسلام والعدالة وغيرها هو الأساس في تنمية الوعي بثقافة التربية على حقوق الإنسان، فعندما يتعلم أطفالنا في المدارس مثلاً مفهوم «المساواة»، فإنهم يدركون خطورة التمييز بين أفراد المجتمع الواحد على أساس اللون أو العرق أو القبيلة أو الطائفة وغيرها، وبالتالي فإننا نعزز فيهم قيم العيش المشترك، فلو تجاوزنا عن طالب شتم طالباً ينتمي إلى عرق آخر، ولم يتخذ المعلم الإجراء اللازم بحقه، فإن هذه رسالة غير مباشرة إلى جميع الطلاب بأن التعصب أمر مقبول، لذا فإن المواد التعليمية المطبوعة لها أهمية كبيرة وبالغة خصوصاً بالنسبة لأطفال المدارس، شريطة أن تكون ذات مستوى رفيع في التنفيذ والإخراج، ومقترنة بكفايات تعليمية وبلغة سليمة ومعبرة.
الدول تتحمل في الغالب هذه المسئولية، ومن واجبها الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها سلطة خامسة، لذا فإن دعوة ثريا بوعبيد ـ وهي منسقة برنامج التربية على حقوق الإنسان بمنظمة العفو الدولية (أمنستي) المغرب ـ للضغط على وزارة التربية الوطنية وصناع القرار بالمغرب، لإحداث التغيير في البرامج الدراسية والمقررات التعليمية، من أجل إرساء ثقافة المدرسة الصديقة لحقوق الإنسان تصبُّ في هذا السياق، لأن هذه الثقافة أصبحت كونية، ولا تعترف بالحدود أو الخلفيات العرقية أو الدينية أو الثقافية.
عند السؤال عن طباعة وتوزيع اتفاقية حقوق الطفل في الاستعراض الدوري الشامل لمملكة البحرين في مجلس حقوق الإنسان في العام 2008م، تبيَّن وجود قصور في التعريف بحقوق الطفل، حيث كان رد الحكومة البحرينية: لا يوجد
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3228 - السبت 09 يوليو 2011م الموافق 07 شعبان 1432هـ
واللبيب بالإشارة يفهم
أحسنت يا أستاذ فاضل ....
فالتعليم حق وتعليم الحقوق حق....