العدد 1251 - الثلثاء 07 فبراير 2006م الموافق 08 محرم 1427هـ

الرسوم الدنماركية و«العجز المعرفي»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

ما يدور بين المسلمين وبعض الصحف الأوروبية له أكثر من درس. فقد بدأت المشكلة بسبب ما قامت به احدى الصحف الدنماركية بنشر رسوم «هزلية» ضد شخص الرسول (ص)، وتبع ذلك غضب اسلامي «على المستويين الرسمي والأهلي» في مختلف بقاع العالم. امتد الغضب ليطول عدة دول أوروبية بسبب ما قامت به بعض الوسائل الإعلامية من شحن مضاد للمسلمين. ولست هنا لأعلن وأكرر ادانة المسلمين لما حدث، لكن استوقفني موقف أحد المفكرين الاسلاميين في بريطانيا، وهو غياث الدين صديقي، الذي قال ان المسلمين يدفعون الآن ثمن «العجز المعرفي» الذي ينتشر في جميع المجتمعات الاسلامية.

وقال غياث الدين في حديث له ان المسلمين كانوا في أيام عزهم يتصدرون ساحة الفكر والرأي، ولم يكن يهزهم أي فكر آخر، ولم يستطع أحد الازدراء بهم. وعليه فان المسلمين غاضبون حالياً بسبب قيام صحيفة بالاستهزاء بمقام الرسول (ص)، وان هذا العمل المشين لم يكن سيأخذ كل هذا الحجم لو كانت بلداننا الاسلامية لديها من القوة في الرأي والكلمة بحيث تستطيع أن تعكس الموجة من دون الحاجة إلى الهيجان. وأعتقد أن قراءة مداخلة غياث الدين تشير إلى ان المسلمين أصبحوا خارج اطار اللعبة السياسية، وهم كمجتمعات أصبحوا عاجزين عن القيام بدورهم لتحديد أصول اللعبة، وبالتالي فان الأمور تسير في اتجاه مخالف لمشاعرهم. ويرجع السبب في فقدان المسلمين القدرة على التأثير على المستوى الدولي إلى أن جميع مجتمعات المسلمين تعيش نوعاً من القهر السياسي الذي لا يفسح المجال للتعبير عن الرأي وتطوير المقاربات الاسلامية نحو دخول العصر، ومن يكون خارج عصره لا يستطيع أن يؤثر فيه أو يقوده.

حديث غياث الدين يشير إلى ان المسلمين يقعون في فخ نصبته صحيفة «سخيفة»، وهذا الفخ يظهرهم وكأنهم مجموعات وحشود من المرعوبين من حرية الكلمة، وعلى رغم ان الاسلام هو الذي دعم حرية الكلمة والتعبير عندما كانت أوروبا تعيش في الظلام، فان ممارسات الكثير ممن ينشطون باسم الاسلام ويقتلون الابرياء، ويقطعون رقاب الناس، ويحرقون ويفجرون في كل مكان باسم الاسلام سهلت الأمر على صحيفة هزيلة أن تهزأ بنبينا الكريم.

غياث الدين كان قبل العام 2001 من المعروفين بتشددهم في الطرح الاسلامي، وهو يرأس «البرلمان الاسلامي» الذي أسسه مع زميله المرحوم كليم صديقي «على رغم تشابه الاسماء فانهما ليسا قريبين»، وهذه المؤسسة كانت تحشد المسلمين وتصعد ضد المؤسسة الرسمية البريطانية وضد الغرب عموماً. ولكن غياث الدين يطرح الآن ان النهج الذي سار عليه بصورة متشددة «فكرياً» كان مؤسساً على نهج خاطئ أدى إلى أن يربط الاسلام بالقتل والدمار، وأدى إلى ازدياد «الفجوة المعرفية» بين المجتمعات الاسلامية والمجتمعات الاخرى، وهذا أدى إلى حال من التهميش، والتهميش أنتج أساليب بعيدة عن الاسلام... والمؤلم في كل ذلك - بحسب غياث الدين - هو أن الآخرين يتعاملون معنا وكأننا متخلفون حضاريا، وان ما يقومون به يعبر عن روح الحضارة، وان انقلاب الأمور انما سببه المسلمون أنفسهم الذين ضعفوا «معرفياً»، وأصبحوا هدفاً سهلاً لمن يكيد لهم، بينما المفترض ان المسلمين يكونون شركاء في بناء حضارة الانسان في كل زمان ومكان.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1251 - الثلثاء 07 فبراير 2006م الموافق 08 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً