العدد 2994 - الثلثاء 16 نوفمبر 2010م الموافق 10 ذي الحجة 1431هـ

فلسطين مستقلة قد تقلب الوضع الراهن: المشاركة الإقليمية حاسمة من أجل النجاح

غانم نسيبة - مولود في القدس، هو مؤسس Cornerstone Global Associates وهي مؤسسة استشارات إدارية وإسترات 

16 نوفمبر 2010

ينظر الكثير من الناس إلى احتمالات إنشاء دولة عربية على أرض فلسطين على أنها أمر لا يقل عن زلزال سياسي.

لقد كان «للقضية الفلسطينية» تأثير هائل عبر المنطقة، وسوف يكون لفلسطين المستقلة أثر عميق على السياسة الإقليمية، حيث أنها ستطيح بأحد الأسباب الرئيسة المستخدمة لتبرير الإساءة التي يرتكبها بعض زعماء الشرق الأوسط. ففي نهاية المطاف، تم قلب أنظمة بأكملها، ولو جزئياً باسم «القضية الفلسطينية»، وتم فرض الأحكام العرفية وارتكاب مجازر بشعة، من استخدام العراق للقضية الفلسطينية لتبرير احتلالها للكويت، ولو جزئياً، إلى استغلال القاعدة للوضع الفلسطيني لإثارة المشاعر المعادية للغرب ولإسرائيل.

من المؤكد أن أي حل للكفاح الفلسطيني سوف تكون له تداعيات عظيمة عبر المنطقة، ولهذا السبب، من الأهمية بمكان إشراك آخرين من أصحاب المصالح والاهتمامات في مفاوضات السلام. ففي غياب قيادة فلسطينية قوية، لن تكون أية صفقة سلام تعمل على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، دائمة، ما لم تساهم الدول العربية الأخرى بأسلوب أكثر جدية بتسوية طويلة الأمد.

عندما ننتقل من الحديث عن السلام إلى تطبيق السلام، فإن صمود اتفاقية السلام سيعتمد وبشكل كبير على درجة الانخراط الإقليمي، مع الأخذ بعين الاعتبار السياسات التاريخية إضافة إلى تلك الإقليمية.

يفهم الكثيرون أهمية جامعة الدول العربية في عملية السلام كونها الهيئة التي تمثل الدول العربية. ولكن ما قد يكون أكثر أهمية هو إدراك ما يمكن لكل دولة عربية أن تربحه أو تخسره نتيجة لاتفاقية كهذه، وأن بعض الدول يجب أن يكون لها دور أكبر من غيرها في المساهمة في اتفاقية دائمة.

ويعتبر الأردن دولة ستتأثر بعمق نتيجة لتسوية محتملة، ومن الحكمة أن يكون له موقع أبرز على طاولة المفاوضات. وهناك أسباب عديدة لذلك، فالأردن قام وبشكل مستمر بدعم الفلسطينيين في الأراضي المحتلة مقارنة بأية دولة أخرى. فقد كان الأردن على سبيل المثال، مسئولاً عن إيصال الخدمات الرئيسية للفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال دفع رواتب آلاف الموظفين الحكوميين مباشرة من الأردن، حتى تاريخ فك الارتباط مع الضفة الغربية العام 1988. ومازال الأردن يستخدم مئات الموظفين الحكوميين في مدينة القدس، حيث يدير الأردن دائرة الأوقاف، بما فيها المدارس.

ونتيجة للروابط الاجتماعية والجغرافية والدينية والسياسية بين الأردنيين والفلسطينيين فإن إدامة أية اتفاقية سلام سوف تعتمد على مشاركة الأردن النشطة في العملية. وتؤثّر العديد من القضايا التي يجري تقريرها، مثل القدس واللاجئين وأملاك الغائب والمياه والحدود مباشرة على الأردن وعلى المواطنين الأردنيين. سوف يكون ضمان المدخلات الأردنية حول هذه المواضيع أمراً حيوياً لنجاح سلام دائم.

وبالمقارنة، ونظراً للظروف السياسية المتغيرة، لعبت مصر عبر فترة طويلة دوراً أقل بروزاً في محاولة تحقيق الدولة الفلسطينية، كما ظهر أولاً في اجتماعات ومفاوضات كامب ديفيد، ومؤخراً فيما يعتبره العديد من الفلسطينيين على أنه تواطؤ في تطبيق حصار غزة. ورغم كونها قوة يُعتدّ بها، إلا أن عدم الوضوح المتعلق بخليفة حسني مبارك، والادعاءات بأن البعض يستخدمون النزاع الفلسطيني كحجر شطرنج في السياسة الداخلية، أدّيا إلى المزيد من التآكل في سلطة مصر بين العرب. ورغم عدم تراجعها عن المشاركة في المفاوضات بشكل عام، تُحسِن مصر صنعاً إذا ركّزت على فصل القضية الفلسطينية عن اعتباراتها الخاصة حتى يتسنى لها استعادة مصداقيتها.

ويُعتبر لبنان دولة أخرى يجب أن تأخذ دوراً أبرز في المفاوضات، حيث أن سياساته الداخلية وميزاته الديمغرافية سوف يتأثران بشكل كبير نتيجة لصفقة إسرائيلية فلسطينية. فمن منظور الغالبية المسيحية في لبنان، والتي تعيش في الدولة الوحيدة في المنطقة التي توجد بها غالبية سكانية مسيحية، من الأهمية بمكان ضمان ألا يساهم الحل الدائم لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في خفض عدد المسيحيين في الدولة. فنسبة المسيحيين في لبنان آخذة بالتناقص. وإذا ما تم توطين عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين، ومعظمهم مسلمون في لبنان، فإن نسبة المسيحيين في الدولة سوف تنخفض أكثر، الأمر الذي يغير وبشكل كبير الواقع الديمغرافي الحالي في لبنان.

كما أن هذا السيناريو مثير للانتباه لأنه يمكن أن تكون له معانٍ ضمنية للمنطقة ككل. فلبنان وإسرائيل هما الدولتان الوحيدتان اليوم اللتان لا تملكان غالبيات مسلمة كاسحة، وتوفّر عملية تخفيض نسبة المسيحيين في لبنان نصراً كبيراً لمنظور أن الشرق الأوسط لا يمكن أن يديم إلا الدول ذات الغالبيات المسلمة. ويمكن استخدام ذلك كمقدمة لسحب الشرعية عن إسرائيل. لذا يجب تمثيل لبنان على طاولة المفاوضات، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر، عندما يتم بحث قضية اللاجئين.

ورغم أن لجامعة الدول العربية دوراً تلعبه بالتأكيد، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتسويق اتفاقية سلام إلى العالم العربي من خلال دورها الرمزي، إلا أن دورها محدود مقارنة باللاعبين الإقليميين الفرديين. ويتوجب عليها البقاء في الخلفية وتشجيع دول مثل الأردن ولبنان على اتخاذ دور أكبر.

لن تكون عملية زيادة دور الأردن سهلة التحقيق حيث إنها ستحتاج لدعم المصريين والسعوديين وغيرهم، الذين يعتبرون الهاشميين غرماء على المدى البعيد وعبر العالم العربي. إلا أن هذا هو ما يحتاج الفلسطينيون والإسرائيليون أن يضمنوه من أجل أن توفر أية اتفاقية يوقعون عليها سلاماً دائماً.

العدد 2994 - الثلثاء 16 نوفمبر 2010م الموافق 10 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً