وعلى صعيد التحديات، يمكن التمييز بين مجموعتين من التحديات التي تواجه مسيرة العمل المشترك لمنظومة دول المجلس تتمثل المجموعة الاولى في تلك النتائج المرتبطة بمسيرة التنمية في كل منها وبطبيعة الخصائص الجيو سياسية لها والخصائص الموردية والسكانية. أما المجموعة الثانية فتتمثل في تلك المستجدات الناشئة عن التطور في النظام الدولي خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين. ومن أبرز التحديات التي تتضمها المجموعة الأولى هي تأثر المنطقة بتضارب المصالح الدولية على النفط، فضلاً عن المشكلات الإقليمية المحيطة بدول المجلس و قيام الركائز الاقتصادية لدول المجلس على التنافس (التشابه) لا التكامل الأمر الذي أدى إلى الحد من زيادة حجم وتنوع التجارة البينية وتكامل القطاعات الانتاجية. كما عانت دول المجلس من ندرة موارد المياه وارتفاع كلفة المياه البديلة علاوة على انطلاق جهود التنمية من خيارات وطنية في المجالات الكفيلة بتحقيق النقلة النوعية للمسيرة التنموية التكاملية وخصوصاً مجالات بناء القدرة التقنية ومجالات التنمية السياسية والادارية. ولم تقم على خيارات جماعية يحكمها نظام واضح للأولويات المتعلقة بتخصيص الموارد وتوطينها، وتقليل تفاوت مستويات التنمية، أو معايير محددة في توزيع ثمار التكامل على أعضاء المجلس. وعدم تناسب الدور التنموي للقطاع الخاص مقارنة بمدى التطور في امكانات هذا القطاع وقدر الحوافز التي وفرتها الدولة لمؤسساته. واتسمت المسيرة السابقة بترسخ مفهوم الرعاية الأبوية للدولة أدى إلى تركز العمالة الوطنية في دول المجلس في وحدات الجهاز الاداري للدولة والمؤسسات الحكومية وعزوفها عن الأنشطة الفنية والمهنية، الأمر الذي أدى إلى استمرار الاعتماد على العمالة الأجنبية للوفاء باحتياجات سوق العمل في الأنشطة غير الحكومية. وعدم مواءمة مخرجات نظم التعليم والتدريب مع متطلبات أسواق العمل والبنيان الاقتصادي، وحاجة هذه النظم إلى التطوير الذي ينصرف إلى الفلسفة والمضمون والآليات لمواجهة هذه الاحتياجات. واستمرار تفوق قوى الاستهلاك على قوى الانتاج الأمر الذي يبقي على معدل استثمار منخفض مقارنة بالقدرات الوطنية الادخارية. أما المجموعة الثانية من التحديات فتتمثل في جملة المستجدات العالمية التي سيكون على الجهود التنموية التعامل معها خلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين وتبرز هذه المستجدات في مجالات متعددة، وخصوصاً في مجال الفكر التنموي. فهناك مفهومان بارزان في الفكر التنموي الحديث: أولهما تطور مفهوم التنمية حتى أصبح يتضمن مفهوماً للتنمية البشرية المرتبطة بالحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية والذي يقوم على مجموعة من المبادئ أهمها توسيع خيارات الناس وتهيئة الفرص لهم في مجالات العمل والكسب وممارسة حقوق المواطنة في المجتمع والاستدامة والتواصل بين المناطق الجغرافية من ناحية وبين الأجيال الحاضرة والأجيال المستقبلية من ناحية أخرى. وثانيهما التطور الذي لحق مفهوم الدولة ودورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يبرز في قضايا كثيرة منها مشاركة القطاع الخاص، وتفعيل آليات السوق والمشاركة الأفقية لمؤسسات المجتمع المدني في كل الجهود التنموية. وكلا التطورين لم يحظيا لحد الآن بأي معالجة جدية تعكس التخطيط المسبق للمستقبل وتبعاته
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1202 - الثلثاء 20 ديسمبر 2005م الموافق 19 ذي القعدة 1426هـ