العدد 1084 - الأربعاء 24 أغسطس 2005م الموافق 19 رجب 1426هـ

ثقافة التعذيب

المنامة - هدير البقالي 

تحديث: 12 مايو 2017

"ثمرة متعفنة للاستبداد، ذلك هو التعذيب، وكذلك هم الجلادون، إنهم ثمرة متعفنة للمجتمعات المقسمة إلى طبقات" سلطة التعذيب. هي الثمرات الفاسدة التي تنشر عفونتها داخل نسيج مركب من الهواء والماء والتراب والدم. تمتد من أقصى مشارق الشمس إلى مغاربها، دورها يتمثل في تحطيم قوة الجسد والروح على شكل ذرات تطحنها أزمنتنا الراهنة. لتشكل نوعا من الارتقاء الذاتي لسلطتها وجبروتها.

طقوس خارقة وعذبة، تمارس مدى حياة الانحطاط والغدر والشتات والخديعة. لنفوس اشتهت وتذوقت فاجعة الدم. لانشقاق لا يتم بقوة، إلا بقوة مقاصد التعذيب. لتلطخ بها أيديهم، ولتشبع غرائزهم التواقة، ولسد حاجاتهم المتعطشة. خوفا من الانهيار أمام سلطة الآخرين المصابة بالأوبئة الجنونية.

هي افرازات متخلفة لايدلوجيات متعددة، أو هي مقاصد حوافلها الإيغال إلى العقل والجسد. نحو تدمير مطلق أطياف تلك الأجساد الهشة، إذ تمتص منهم الوقت الضائع لحياتهم.

حفلات التصفية للأجساد، تتواصل، منذ بدء تكوينات السلطات المتبددة في أصلها الاستعماري الأول، تبدأ بالنفوس البشرية وفرض براثينها بالأجساد. وتنتهي بانتهاك الأعراض، لوضع أوشامها التي لا تقابل بسلطة الرد والدفاع عن النفس.

عادة، ينتهي سيناريو التعذيب بأسرع مما يبدأ به. أجساد تلهث من حرارة الدم والألم الذي يعتصر البقاء. إنها سرعة قداس "المذابح"، وهي في الغالب سيناريوهات لا تسمح بمناقشة الأخطاء التي ارتكبت على المدى البعيد لحالات سارت بخطى القدر لتيار الظلم والاستبداد البشري.

زمن متداخل. من الوجع والقهر والحزن، ولا عزاء لمن تراق دماؤهم هنا أو هناك، فالصفحات تطوى، تبقى أوشمة العار تلاحق الجميع، ولعلها تلاحق أولئك المتفرجين على احتفالات هذه الثقافة، لأني أعتقد أن أولئك المصطفين حزنا ليشاهدوا مشهد الضحية والجلاد، هم أول المتبرعين بأن يلعبوا دور الجلاد إن غاب أو تعفف عن لذته التاريخية في اللعب بالدم





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً