العدد 2956 - السبت 09 أكتوبر 2010م الموافق 01 ذي القعدة 1431هـ

تأملات حول إصلاح العملة واليورو (2 - 2)

ستيف هانكي - وينشر بالتعاون مع مشروع منبر الحرية 

09 أكتوبر 2010

معظم الاقتصاديين يستخدمون كلمة «ثابت» وكلمة «مرتبط» على أنهما تعبيران متطابقان أو شبه متطابقين بخصوص أسعار الصرف. بالنسبة إلي، هذان النظامان يعتبران ترتيبين مختلفين تماماً لإدارة أسعار الصرف. أنظمة العملات المرتبطة هي أنظمة تسعى فيها السلطة النقدية إلى تحقيق أكثر من هدف واحد في الوقت نفسه. وغالباً ما تستخدم ضوابط الصرف في هذه الأنظمة، ولكنها ليست من آليات السوق الحرة فيما يتعلق بتعديلات ميزان المدفوعات. أنظمة العملات المرتبطة هي في جوهرها أنظمة عدم استقرار، وتفتقر إلى الآلية الأوتوماتيكية اللازمة لإحداث التعديلات في ميزان المدفوعات. كما تتطلب أنظمة العملات المرتبطة بنكاً مركزياً لإدارة كل من أسعار الصرف والسياسة النقدية. في ظل نظام من هذا القبيل، تشتمل القاعدة النقدية على عناصر محلية وأخرى أجنبية.

على خلاف أنظمة الأسعار المعومة والثابتة، تؤدي أنظمة العملات المرتبطة، بصورة دائمة، إلى تضارب بين السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف. على سبيل المثال، حين تصبح الحركات الرأسمالية الداخلة «مفرطة» في ظل نظام ارتباط العملات، غالباً ما يسعى البنك المركزي لتعقيم الزيادة الناشئة في العنصر الأجنبي في القاعدة النقدية من خلال بيع السندات، وبالتالي تقليص العنصر المحلي في القاعدة. وحين تصبح الحركات الخارجة «مفرطة» غالباً ما يسعى البنك المركزي إلى التعويض عن النقص في العنصر الأجنبي الداخل في تركيب القاعدة النقدية من خلال شراء السندات، وبالتالي زيادة العنصر المحلي في القاعدة النقدية. تندلع الأزمات في ميزان المدفوعات حين يبدأ البنك المركزي في التعويض أكثر فأكثر عن النقص الواقع في العنصر الأجنبي من خلال القاعدة النقدية المخلوقة محلياً. حين يحدث هذا، فإنها ستكون مسألة وقت قبل أن ينتبه مضاربو العملات إلى التناقضات بين سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية ويفرضون وضعاً يؤدي إلى تخفيض قيمة العملة، أو ارتفاع أسعار الفائدة، أو فرْض الضوابط على تبادل العملات، أو الأمور الثلاثة معاً.

أثناء الاستعدادات لإطلاق اليورو، كنت مسئولا في إحدى صناديق التحوط hedge fund ، إلى جانب أعمال أخرى، وبالنظر إلى آرائي حول أنظمة أسعار صرف العملات، فإن تلك الفترة منحتني فرصاً كثيرة للدخول في تداولات مربحة. لاحظت أن آلية أسعار الصرف Exchange Rate) Mechanism ERM ) هي نظام من أسعار الصرف المرتبطة (ضمن هوامش محددة) بين البلدان الأوروبية. وحين يعاني طنظام ارتباط العملة» من مشاكل في بلد معين، فإن ما يحدث في العادة هو ارتفاع أسعار الفائدة في ذلك البلد، أو تتراجع قيمة عملته، أو الأمران معاً. من هذا المنطلق، كنت إما أقوم ببيع الودائع في بلد ذي عملة «ضعيفة»، أو التداول على المكشوف في عملات أوروبية أخرى ضد المارك الألماني. وكمثال على طريقتي في التفكير وفي التداول، كتبت في يناير/ كانون الثاني 1992 ما يلي:

خلال الشهر المقبل، سيدفع المارك الألماني الجنيهَ الإسترليني إلى أدنى مستوياته في نطاق «آلية أسعار الصرف» ERM. لمواجهة هذا الاحتمال، هناك أربعة استجابات بريطانية ممكنة في مجال السياسة النقدية. الأولى، هي السماح بتراجع قيمة الإسترليني لتصل إلى نحو 2.5 مارك ألماني، والسماح في نهاية الأمر بانخفاض أسعار الفائدة قليلاً. الثانية، هي الدفاع عن الإسترليني واستعادة سعر صرف مركزي مقداره 2.95 مارك ألماني للجنيه من خلال رفع أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية تامة لتصل إلى 11.5 في المائة. الثالثة، هي التفاوض في سبيل أن تكون هناك إعادة توجيه في «آلية أسعار الصرف» ERM لتسير بمحاذاة الخطوط التي نقترحها (أي القيم التي يقترحها صندوق التحوط الذي كان يعمل فيه المؤلف). الرابعة، هي إعادة فرض القيود على تبادل العملات (لا سمح الله).

مهما كانت القوة المنطقية للخيار الأول والثالث، إلا أننا نعتقد أن البريطانيين استثمروا قدراً كبيراً من رأس المال السياسي في «آلية أسعار الصرف» ERM واعتماد السعر المثير للسخرية بمقدار 2.95 مارك ألماني للجنيه، وأن هذا الاستثمار سيدفعهم ولو على مضض إلى اختيار الخيار الثاني ورفع أسعار الفائدة. ننصح ببيع ودائع مارس/ آذار للإسترليني لثلاثة أشهر، وننصح بأن تكون نقطة التوقف هي 90 (صالح في أي وقت) (هانكي 1992).

وكما تبين فيما بعد، كان هذا التداول مربحاً. لكن حكمي بخصوص الإجراء الذي تتخذه بريطانيا بشأن الجنيه الإسترليني جعلني أفَوِّت فرصة التداول الكبير يوم الأربعاء الأسود، أي السادس عشر من سبتمبر/ أيلول 1992، حين عوّمت الحكومة سعر الصرف، أي أنها من الناحية العملية خفضت قيمة الجنيه بدلاً من رفع أسعار الفائدة أكثر من ذي قبل.

مع ذلك كانت هناك خسائر مرتبطة بالرهانات ضد الارتباط في «آلية أسعار الصرف» ERM. كان أبرزها ما وقع في نهاية يوليو/ تموز 1993، حين تعرض السعر المرتبط في فرنسا، المسمى الفرنك القوي franc fort، لضربة موجعة (سولتزر 1993). نتيجة لذلك تم توسيع النطاق الضيق (أي التغير في الهوامش) من 2.25 في المائة إلى 15 في المائة حول الأسعار الرئيسية.

كنت أعتبر اليورو سليماً من الناحية التقنية، لأنه يتطلب سعراً ثابتاً للصرف بدلاً من الأسعار المرتبطة بين البلدان الأعضاء في منطقة اليورو، لكن آرائي حول السياسة النقدية بخصوص اليورو كانت متشائمة بصورة عامة أثناء فترة الاستعداد لإطلاقه. كان الأساس الذي يقوم عليه رأيي المتشائم هو الفكرة القائلة إن اليورو القوي من شأنه على المدى الطويل أن يتطلب دولة مركزية قوية، كما أشار روبرت مونديل (2000). وفي حين إنني أتفق مع تشخيص مونديل، إلا أنني لم أكن أعتقد، أن الدولة المركزية القوية هي أمر مرغوب فيه، وما زلت لا أعتقد ذلك، فبالنسبة لي، يمثل الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية طبقات إضافية من الناحية السياسية والبيروقراطية من شأنها إعاقة التحرر الاقتصادي الأوروبي الذي تدعو الحاجة إليه بصورة ماسة.

وفي حين إنني متشكك بخصوص العملة المشتركة لأوروبا، إلا أنني فضلت التوحيد الأوروبي للعملة من خلال مجالس العملة (هانك وولترز 1990). ولم أكن وحيداً في ذلك. أثناء اجتماع في مايو/ أيار 1990 في برلين الشرقية مع كارل أوتو بول، رئيس البنك المركزي الألماني، أكد لي أنه يشاركني النظرة نفسها (مارش 2009، 131) وشجعني على المضي قدماً. إن مثل هذا المنهج في توحيد العملة، حيث يكون المارك الألماني هو العملة الرئيسية، كان سيعطي أوروبا استقراراً نقدياً، وفي الوقت نفسه كان بإمكانها أن تتجنب الزيادة التدريجية في سلطات الدولة والسلطات البيروقراطية التي صاحبت اليورو

العدد 2956 - السبت 09 أكتوبر 2010م الموافق 01 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً