العدد 2951 - الإثنين 04 أكتوبر 2010م الموافق 25 شوال 1431هـ

التقدم مع التسامح

جوزيف ميتون - رئيس تحرير منظمة «بك يا مصر» الإخبارية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند» 

04 أكتوبر 2010

تشتهر ولاية أيداهو بآرائها المحافظة المتطرفة. لذا عندما تكلم والدي، وهو أستاذ جامعي في علم النفس بكلية ولاية لويس-كلارك، كيف بدأت الغالبية الساحقة من طلابه باستثناء واحد فقط، تؤمن أن المركز الإسلامي المقترح في مدينة نيويورك لا يشكل تهديداً للمجتمع الأميركي، فهمت الحقيقة كاملة.

ما فعله والدي كان غاية في البساطة. عرض على طلابه مقتطفات من أشرطة تلفزيونية إخبارية من مصادر مختلفة بما فيها فوكس نيوز وبرنامج جون ستيورات اليومي والسي إن إن وغيرها، حول الردود والآراء المتعلقة بالمركز الاجتماعي. المهم أنه سألهم قبل عرض الأشرطة عما يعرفونه عن المركز وقضيته الخلافية. لم يكن سوى قلة لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة يعرفون أي شيء عنه، وكان ما يعرفونه محدوداً وغير دقيق. قاموا بتكرار أفكار رأوها في السابق أو سمعوها على أحد البرامج الحوارية الإذاعية من ضيوف وسياسيين على شبكة فوكس الإخبارية أو عبر الحوارات اليومية.

قام الطلاب بمناقشة القضية بعد مشاهدتهم الأشرطة. قالوا لوالدي بعد ذلك إن «المركز يملك الحق في أن يتواجد هناك». وأضاف الطلاب أنه «لا توجد مشكلة» في أن يكون للمسلمين الأميركيين مكان خاص بهم.

الأمر الذي غيّر آراءهم هو خليط من المعلومات والحوار. فقد تمكن الطلاب من الذين لم يروا من قبل تغطية إخبارية كبيرة فعلية حول المركز، من تكوين فهم أوسع للطروحات والآراء المختلفة. ثم اضطروا من خلال الحوار إلى تقديم جدل مبني على المعلومات التي حصلوا عليها من الأشرطة.

ومن الأكثر إلهاماً أن العديد من الطلاب أخبروا والدي فيما بعد أنهم باشروا حواراً مع أصدقائهم، وبعد شرح الوضع غيّر حتى أصدقاؤهم توجهاتهم ومواقفهم حيال المركز الإسلامي. كانوا بطريقة ما يتفاعلون إيجابياً من خلال التعليم وتشجيع التفكير الناقد والتسامح الثقافي.

يشكل الواقع الذي يكشف عنه طلاب والدي نموذجاً محبطاً نتعامل معه اليوم على المستوى العالمي. يمكن للآراء المحافظة في ولاية أيداهو أن تكون متعاطفة ومتسامحة ومثمرة، ولكن في غياب فهم حقيقي للقضايا المطروحة، كان يمكن لهؤلاء الطلاب أن يستمروا في العيش في فقاعة لا قاعدة تذكر لها في عالم الواقع.

لحسن الحظ أن هناك أناساً، أساتذة في أرجاء الولايات المتحدة، يحاولون دفع الطلاب للتفكير بمبادرة منهم. فالعنصرية تملك قوة مخيفة، ولكن ما يمكن أن يكون مخيفاً أكثر هو تفشي قلة وندرة التفكير الناقد في أوساط الشباب الأميركي. إلا أن ذلك يمكن تغييره من خلال نظام تعليم صحيح.

أثارت أزمة بارك 51، من موقعي في القاهرة، علامات تعجّب، نتج عنها إحباط مستمر وإدامة للصور النمطية بأن الأميركيين عنصريين يكرهون المسلمين عامة.

شاهد المصريون وغيرهم من العرب أشرطة فوكس نيوز التي حاولت ربط بارك 51 وأنصاره بالإرهاب والتطرف، ولم يساعد ذلك على إيجاد مجتمع عالمي متسامح.

لقد أثرت تجربة والدي في المساق الذي يدّرسه لأن عملاً كهذا يمكن نقله إلى أماكن أخرى في الولايات المتحدة وكذلك الشرق الأوسط.

لم تؤدِّ المشاكل في الانقسامات الدينية في مصر إلى سوء الفهم فحسب، وإنما كذلك إلى العنف، الذي ظهر في صدامات عنفية وقعت بين المسلمين والمسيحيين في القاهرة العام 2008 عندما حاولت جالية مسيحية محلية تحويل مبنى مخزن قديم إلى مكان عبادة.

تكمن المشكلة في رأيي بالتعليم، فالمدارس المصرية تنقسم في الغالب عبر خطوط مسلمة ومسيحية، بحيث تحصل كل منها على التعليم الديني الخاص بها وبمعتقداتها، ولكنها لا تتعرض لمعتقدات الآخر في الغرف الصفية.

ولا يفعل هذا سوى القليل لتغيير الصور النمطية وانعدام الثقة بالآخر. لم يتمكن المجتمع المصري من التحرك قدماً في الحوار والتسامح الديني، ويعود ذلك إلى حد ما لأن المصريين لا يفهمون «الآخر» بشكل صحيح. ويشبه ذلك، بشكل يدعو إلى الرهبة، ما يحصل في نيويورك وغيرها من الأماكن في أميركا حيث تتعرض المساجد لمعارضة الجاليات غير المسلمة.

يسمح نظام التعليم في كلا الدولتين للطلاب لرؤية منظور واحد فقط، ولا يوفر فهماً «للآخر» الموجود في كل مجتمع. ويظهر لنا تدريس والدي أنه من خلال التعليم الصحيح الذي يفرض على الطلبة رؤية جوانب متعددة للقضية، يستطيع الشباب الانخراط مع العالم بأسلوب متسامح وعادل.

يتمتع شبابنا اليوم بالذكاء وانفتاح العقلية والرغبة في التعلّم، ولكننا بحاجة إلى المزيد من الأساتذة الذين يعطون وقتاً كافياً لتوسيع الإمكانات والقدرات، وإلا فسوف نستمر كمجتمع عالمي برؤية المزيد من الخلافات مثل بارك 51 تبرز إلى الواجهة.

العدد 2951 - الإثنين 04 أكتوبر 2010م الموافق 25 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً