العدد 2935 - السبت 18 سبتمبر 2010م الموافق 09 شوال 1431هـ

رحيل محمد أركون فاضح الجهالات المقدسة

عزيز مشواط-وينشر بالتعاون مع مشروع منبر الحرية 

18 سبتمبر 2010

عشرات الكتب، ومئات المقالات، وعدد لا متناهٍ من المحاضرات والمقابلات التلفزية والإذاعية، وتجربة تربوية في كبريات الجامعات العالمية كانت كفيلة بأن يسطع نجم آخر من شمال إفريقيا في سماء الفلسفة العربية والإنسانية.

إنه محمد أركون ابن منطقة القبائل الجزائرية الذي غادرنا الثلثاء الماضي عن عمر يناهز 82 عاماً بعد مرض عضال، كما يحلو لوسائل الإعلام أن تقول، مع وفاة كل قامة علمية شامخة.

محمد أركون الجزائري الولادة والفرنسي الجنسية أضيف الثلثاء في العاصمة الفرنسية باريس إلى قائمة التنويريين الذين غيبهم الموت في أقل من سنة. فبعد الخطيبي ومحمد عابد الجابري، ونصر حامد أبوزيد، هاهو مبدع المفاهيم الأصيلة يغادر ساحة الفكر العربي، ليقل ماء التنوير القليل أصلاً.

فعلاً يستحق الراحل لقب مبدع المفاهيم الأصيلة. فمن الجهل المؤسس، إلى الجهل المقدس، وصولاً إلى نقد العقل الشرعي والسياجات الدوغمائية، ظل أركون وفياً لآرائه غير المهادنة وهو يعيد قراءة التراث العربي الإسلامي.

وإذ كان انتماؤه إلى حقل الفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية العربية قد شكل إضافة نوعية، فإن اجتراحه لمفاهيم جديدة بوأته مكانة خاصة ضمن صناع المفاهيم ومستحدثيها المبدعين، وتبقى دعوته لإعادة قراءة القرآن برؤية عصرية وتجريده من القداسة التي تعيق دراسته النقطة الفاصلة في مسار باحث لم يعرف المهادنة العلمية قط، وهو ما جعله عرضة لانتقادات التيارات الأصولية المتشدّدة.

لقد أعمل أركون معاول الهدم في بنية العقل العربي الإسلامي، مسلحاً بمناهج علمية أمضى أكثر من أربعين سنة في اختبارها، جاعلاً من حقل الإسلاميات حقل اشتغاله الأول، اشتغال جلب لأركون العديد من الأعداء على امتداد أكثر من أربعة عقود.

لقد تعرض لغارات الأصوليين بمختلف توجهاتهم الشرقية والغربية، فاتهمه أصوليو بني جلدته أنه مجرد صدى للمستشرقين، وأنه معادٍ في العمق للفكر الإسلامي بصورته المعروفة. وفي الجهة المقابلة هاجمه الغربيون بدعوى أنه مجرد مفكر إصلاحي لا أكثر، أو لنقل أنه مفكر وسطي، أو توفيقي يحاول التوفيق بين الدين والعقل، تماماً كما حاول الفلاسفة المسلمون من قبل.

يقول مترجمه خالد هاشم في هذا الصدد «بعد أن تركت محمد أركون رحت أفكر فـي حجم المعركة التي يخوضها بكل ملابساتها وتفاعلاتها، وهالني الأمر فكلما توهمت أن حدودها قد أصبحت واضحة محصورة، كلـما اكتشفت أنها متشابكة معقدة، شبه لا نهائية. هناك شيء واحد مؤكد على أي حال: هو أن محمد أركون يخوض المعركة على جبهتين جبهة الداخل، وجبهة الخارج، جبهة أًصوليي المسلمين، وجبهة أصوليي المستشرقين».

الأكيد أن لائحة الاتهامات التي تعرض لها أركون ثقيلة ومتعددة، لكن وبرغم كل ما قيل عنه وما سيقال سلباً أوإيجاباً سيبقى محمد أركون اسماً مرادفاً للقضايا التي أخذته إلى العالمية.

وبعيداً عن تطرف أصوليي الداخل والخارج، رسم أركون لنفسه مساراً متميزاً يتأسس على البحث المنهجي بأحدث ما وصلته العلوم الإنسانية من مناهج، ولم يقطع نهائياً مع الأسس الحداثية للتفكير، بل استخدم مقولاتها دون أن ينتهي إلى إقصاء الماضي. وبذلك ظل هدفه تنقية هذا الماضي من شوائب التخلف والأساطير والخرافة لملاءمته مع العصر دون تهميش نصوصه.

لقد أهله موقعه النقدي والعقلاني ليحتل موقعاً مهماً في تاريخ الفكر العربي إلى جانب الرواد الأوائل من قبيل محمد عبده وفرح أنطون وشبلي الشميل والأفغاني والكواكبي وطه حسين وصادق جلال العظم وعبدالكبير الخطيبي ومحمد عابد الحابري وناصر حامد أبوزيد.

إن إنسانية المذهب الذي انتمى إليه أركون، وعشقه للفلسفة وللفكر الإسلامي، جعلا منه مثيراً لزوابع فكرية صاخبة لن تهدأ طبعاً بوفاته، ما جعله مؤهلاً ليكون في مرمى سهام كل الأصوليين بمختلف مشاربهم الشرقية والغربية، غير أن هذه السهام انكسرت، بفعل استيعاب أركون للتراث بشكل استثنائي دون اغترابه عن الحضارات الحديثة.

صحيح أن الموت حتمية لابد منها، لكن ابن القبائل على غرار كل المفكرين الكبار، لم يمضِ دون أن يترك أثره الواضح في الفكر العربي والإنساني المعاصر، بعد أن فرض على العالم اسماً قادماً من العالم الإسلامي، لكن بمرجعية علمية جعلته محترماً في جميع الأوساط المستشرفة للمستقبل، احترام لم يصله جزافاً، بل بالمكتبة الثرية من المؤلفات والكتب التي تركها.

إن أصالة الفقيد الحقيقية لا تكمن فقط في ثراء إنتاجه، وإنما تكمن أيضاً في قدرته على ابتكار مفاهيم ذات طبيعة إنسانية كونية، ولم يكن كتابه الأخير «الإنسانية والإسلام» سوى خاتمة رحلة إنتاجية جاوزت الأربعين سنة من الحفر في «ملامح الفكر الإسلامي» الكلاسيكي»، مروراً بـ «دراسات الفكر الإسلامي»، ووصولاً إلى» الإسلام أمس وغداً» ثم «من أجل نقد للعقل الإسلامي»، و»الإسلام أصالة وممارسة»، و»الفكر الإسلامي: قراءة علمية».

- «الإسلام: الأخلاق والسياسة».

- «الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد».

- «العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب».

- «من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي».

- «من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟»

- «الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة».

- «نزعة الأنسنة في الفكر العربي».

- «قضايا في نقد العقل الديني».

- «كيف نفهم الإسلام اليوم؟»

- «الفكر الأصولي واستحالة التأصيل».

- «نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي».

- «معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية»... وغيرها.

هكذا برحيل محمد أركون يكون الموت قد غيب رابع مرجع فكري عربي من القامات الشامخة في سماء الفكر الإنساني، في أقل من أربعة أشهر. كما يصدق وصف سنة 2010 بسنة اختطاف الموت لرموز التنوير العربي. فبعد الخطيبي ومحمد عابد الجابري، ونصر حامد أبو زيد يرحل أركون ليترك تجويفاً آخر في الفراغات الكبيرة للفكر العربي الإسلامي، لتنضاف إلى الفراغات الجوفاء المتعصبة الدينية والطائفية، ليس في العالم العربي فحسب بل في العالم بأسره، وهنا لا يمكن سوى التحسر على فقدان شخصية علمية فذة، وبخاصة إذا استحضرنا مقولة الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز الذي يقول في عبارات لاذعة: «كلما توفي مفكر عظيم، إلا وارتاح الأغبياء»

العدد 2935 - السبت 18 سبتمبر 2010م الموافق 09 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:17 ص

      نعليق 2

      نحن في دول علمانية وليس اسلامية

    • زائر 3 | 4:42 ص

      ليس صعبا

      مو صعب التشبه بأركون
      فقط ما عليم إلا تقرأ مشاكل العالم الغربي مع الكنيسة
      وطبقها على المسلمين مع المساجد
      هذا ما فعله أركون
      نقل الصورة الى المسلمين فقط
      أعجبني ما أثارة من فكر و تأمل
      ولكنه لم يقرأ كل شيء لدى المسلمين أكتفى بما يدلل على ما وجده لدى الكنيسة وتوقف

    • زائر 2 | 11:33 م

      لو بس في عشرة من أمثال أركون في العالم العربي

      انجان احنه بخير بدل هالعمايم و اللحى. العلمانية هي الحل.

    • زائر 1 | 9:57 م

      الله يرحمه

      الله يرحمه ، بس كان علماني .

اقرأ ايضاً