العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ

الزواج بالثانية... وحصار المع والضد

مازال الجدل مستمراً

تعتبر قضية زواج الرجل من زوجة ثانية، واحدة من أعقد المسائل وأكثرها إثارة للجدل بين الرجل والمرأة. فإذا كان الرجل يميل إلى مبدأ التعدد كحق مشرع له، فإن البديل العادل للمرأة لا يحرمها من حقوقها وحقوق أولادها، وذلك من خلال إقامة شروط إباحة التعدد وهي المساواة في المعاملة والنفقة والوفاء بالحقوق والواجبات للزوجتين معا.

تتعدد الأسباب والدوافع لدى الرجل والمرأة، ففي الوقت الذي تتعالى صيحات الزوجة الأولى من الألم الذي تكابده عند زواج زوجها بأخرى، تدافع الزوجة الثانية عن الظروف والمعاناة التي تجبرها على القبول بهذا الزواج.

يتنوع الرجال بين من يستغل هذا التشريع الإلهي في ظلم الزوجات والأبناء، وبين من تدفعه الضرورة للزواج من ثانية، لكن رحمة الله وعلمه حسمت هذا الخلاف من خلال الأحكام والتشريع، التي تتميز بالشمولية وتحقيق المصلحة العامة. فكما حلل الله للرجل ان يتزوج من الثانية، شرط عليه ان يرعى ويصون حقوق الزوجة الأولى، إلا إذا هي اختارت بإرادتها الطلاق لأسباب خاصة بها فلها الحق في ذلك. فلو شرط الله طلاق الزوجة الاولى في حال الزواج من ثانية لضاع حق الأولى التي غالبا ما يختار زوجها الثانية حين تكون أسبابه منطقية.

انطلاقا من هذه المعطيات، بحثت «الوسط» عن الأسباب التي تدفع الرجل للزواج من ثانية وتدفع الزوجة الأولى للرفض أو القبول وكيف تقبل المرأة «الزوجة الثانية» مشاركة امرأة أخرى قلب وحياة زوجها.

القدر جمعنا بعد 17 عاماً

بدأت أم جابر حديثها عن تجربتها كزوجة ثانية وكأنها تروي قصة فيلم درامي. تقول: «بعد 17 عاماً من فراق حبيبي الأول، التقيت به وأنا مطلقة ولدي ابن بعد أن عانيت خلال سنوات طلاقي من قسوة نظرة المجتمع وإحساسي بالحاجة لوجود رجل في حياتي يرعاني، فقد تزوجت وأنجبت ابنا، ولأسباب عدة لم ينجح زواجي... بعد الطلاق والتفرغ لتربية ابني وجدت حبي الوحيد أمامي وطلب مني الزواج لأنه يعيش شكليا مع زوجته من دون أي رابط عاطفي وسيوفر لي السكن والنفقة وسيعدل بيننا للحفاظ على استقرار أولاده، وافقت شرط أن يخبر زوجته الأولى».

وتواصل «وافق على طلبي على ان أمهله وقتا لمصارحة زوجته، بقيت معه سنتين أعيش بخوف مستمر وقلق لأنه لم يجرؤ على مفاتحة زوجته كما وعدني، ولما أخبرها بدأت المشكلات بيننا، فتخلى عن زيارتي ورجع إليها لأنها أصرت على تطليقي أو تطليقها مع حرمانه من الأولاد. ولما كان ضعيف الشخصية أمامها، قبل بأن يتخلى عني.

تضيف أم جابر «إن دوافع المرأة لقبول هذا الزواج متعددة، منها الطلاق أو الترمل أو فوات فرص الزواج، والمجتمع لا يرحم المرأة في كل الأحوال فأنا عانيت الأمرين، كوني مطلقة وزوجة ثانية».

ضحية نزوات زوجي

قصة أم محمد (زوجة أولى) تزوج عليها زوجها مرتين، قصة لا تختلف حزنا وألما عن أم جابر، تقول: «أنا ضحية نزوات زوجي وركضه وراء شهواته من دون إحساس بالمسئولية... فبعد زواجي بشهرين سافر لإكمال دراسته بالخارج وكان يزورني في العطل الدراسية، وبعد إنجابي طفلي الأول صدمت بزيارته ومعه زوجته الأجنبية وطفلهما، تخلى عني ولم يسأل عن ابنه في الوقت الذي وفر شقة وكل أسباب الراحة لزوجته الثانية في البحرين... وبعدها بفترة طلق زوجته إذ سافرت مع ابنه من دون أن يعرف عنهما أي شيء وتعرض لضائقة مادية وفقد وظيفته، فرجع إلي نادماً ليعيش معي».

تواصل القصة بقولها: «وقفت معه وساعدته على سداد ديونه، لكنه عاد بعد فترة إلى نزواته وتزوج من أخرى، إلا أن الثالثة لم تنجب منه، وبمجرد أن عرفت انه تعرض لضائقة مادية مرة أخرى هربت من دون علمه، ورجع لي ثانية، سامحته مرة أخرى لأنني أحبه بجنون على رغم كل أخطائه».

وتضيف أم محمد «لم أطلب الطلاق لأنه سيؤثر على نفسية وحياة ابني بشكل أسوأ مما هي عليه الآن... اليوم هو بيننا أصرف عليه من راتبي على رغم الألم الذي اشعر به، فأحيانا يكون الإنسان بين أمرين أحلاهما مر».

الإعلام أساء للزواج الثاني

لا يرى أبو أحمد (متزوج من اثنتين وهو مستشار قانوني) أي مانع من الزواج من ثانية، يقول: «الرجل غير مطالب بتقديم أسباب عند رغبته في التعدد، فالشرع حلل له أربع زوجات ولا حجة عليه إلا في حال الإخلال بإقامة العدل، لذلك يتوجب على الزوج الاجتهاد في العدل إلا فيما لا يملك وهو الميل القلبي إلى إحدى زوجاته».

ويضيف بأن على الرجل المتيقن من عدم استطاعته رعاية أسرتين ألا يتزوج ويظلم خلق الله معه. وينتقد أبو أحمد أجهزة الإعلام وخصوصاً التلفزيون التي تظهر الرجل المتزوج من ثانية بأنه خائن والمرأة التي تقبل بأن تكون زوجة ثانية كأنها مذنبة و«هدامة بيوت». ويؤكد من خلال تجربته ان التعدد يعود بالنفع على الفرد والمجتمع، بشرط وجود القوانين التي تنظمه وتلزم الرجل بإقامة حدود الله وشرعه ورعاية حقوق وواجبات كلا الطرفين، ويدعو للإسراع بسن قانون الأحوال الشخصية من خلال دمج القضاء الشرعي مع القضاء المدني.

أسباب خاصة بالمرأة

من طرفه يؤكد الباحث الاجتماعي خلف أحمد خلف أن ظاهرة تعدد الزوجات في البحرين تراجعت، إذ كانت تشكل ما نسبته 5,41 في المئة من إجمالي المتزوجين في تعداد العام 1981، وصلت هذه النسبة في تعداد العام 2001 إلى نسبة 2,46 في المئة، إلا ان تقبلها اجتماعياً مازال عالياً ويعتقد ان الزوجة الأولى هي الأكثر معاناة بسبب شعورها بالنقص أو وجود عيب بها، أما إذا كانت مسلمة بالأمر فهذا يخفف عليها وطأة هذا الشعور.

ويضيف خلف «المسألة محكومة بالأشخاص والإمكانات المادية والنفسية، ففي حال إقامة العدل وتوفير الرعاية والمسكن اللائق والمنفصل لكلا الزوجتين والعمل على زرع الحب والتفاهم بين الأسرتين، سيؤدي ذلك حتما إلى الاستقرار. كما ان لكل إنسان طاقة ومقدرة معينة على التكيف مع أمور الحياة ويبقى وضع مصلحة الأبناء واستقرارهم النفسي والاجتماعي هو الهاجس الأهم وذلك بمقدور كل زوجة واعية».

الأسباب الشرعية للتعدد

يرى الشيخ عبدالرحمن ضرار الشاعر ان الشريعة الإسلامية أباحت للرجل الزواج بأكثر من واحدة، مراعاة للفطرة الإنسانية وحلا لكثير من المشكلات الاجتماعية التي يترتب عليها تحريم التعدد وليس معنى إباحة الشيء الأمر به، ومن بين هذه الأسباب الحروب وزيادة عدد النساء على الرجال، أيضا إصابة الزوجة الأولى بالعقم ورغبة الزوج بالذرية، فالأولى أن يبقي الأولى ويرعاها حتى لا تضيع أو تهان، ويضم إليها الثانية، وقد تصاب الزوجة بمرض مزمن يجعلها غير قادرة على ممارسة الحياة الزوجية ما قد يدفع بعض الرجال ضعيف النفس والوازع لارتكاب الفاحشة لإشباع غريزته، فالحلال أكرم وأحفظ للزوجين معا، وقد يكون ملحا في حال ارتكاب الخطأ بين الرجل والمرأة. «فضرر الزواج من ثانية في هذه الحالة أهون بكثير من التخلي عن المرأة وما يتبعه من إهانة وضياع حقوقها، ولو تمعنا الأمور بعمق، لوجدنا أن منع التعدد في مثل هذه الحالات ضرره أبلغ على المرأة من الرجل».

المدنية بين الحرام والحلال

ويضيف الشاعر ان الحياة المدنية حرمت تعدد الزوجات عند الحاجة والضرورة إليه، وأباحت التعدد في العلاقات الجنسية غير الشرعية والتي تثير الاشمئزاز والنفور والمشكلات والأمراض، «فأي الفريقين أحق بالأمن؟».

ويزيد «أنا لا أحرض على التعدد، وإنما هو كالدواء، يؤخذ عند الحاجة إليه فقط، وما أكثر المجرمين من الرجال الذين يسيئون استعمال هذا الدواء بلا حاجة، فيجنون على أنفسهم وعلى غيرهم، لكن سوء الاستعمال لا يوجب منع الدواء مطلقا، وإلا تعذر علاج الحالات التي يلزمها هذا الدواء».

العدل بين الزوجات

ويؤكد الشاعر ان الاسلام اشترط العدل في حال التعدد ومن يخالف هذا الشرط يكون آثما لقول الرسول (ص): «من كانت عنده زوجتان او أكثر ولم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل» وفي حديث آخر «إن الرجل يكتب عند الله جبارا وليس عنده إلا أهل بيته»، أي يعاقب كما يعاقب الطغاة الظلمة الجبارون لأنه ظلم أهل بيته، «فأين الذين يهاجمون إباحة التعدد من هذه النصوص والاحكام الشرعية العادلة». ويستطرد الشاعر قائلا بالنسبة إلى المحاكم الشرعية «يجب وضع مواد قانونية تتضمن الشروط الشرعية المطلوبة في الزوج الذي يريد التعدد، وتلزمه بواجباته كافة نحو الأسرتين، تجنباً للمنازعات التي لا تحل بالقرارات التنظيمية».

ويحث الشاعر المحاكم الشرعية والمجلس الأعلى للقضاء على ضرورة إصدار قانون الأحوال الشخصية ليتمكن القضاء من سرعة الحكم في قضايا الأسرة.

تطليق نفسها

وينتقد الشاعر الجدل حول شرط الزوجة الأولى بعدم زواج زوجها من الثانية فيقول: «لا يجوز ذلك شرعا للزوجة والشرط باطل والعقد صحيح، لكن يحق للزوجة ان تشترط في العقد تطليق نفسها متى أرادت أو إذا تزوج عليها بأخرى إذا منحها الزوج هذا الحق، ويسمى عند الفقهاء «تفويضا»، فعليها أن ترضى أو ان ترفع الأمر إلى القضاء وتطلب إيقاع الطلاق على زوجها، حتى لا يلحقها الضرر من زواجه الثاني فحينئذ يطلقها القاضي».


زوجة واحدة لا تكفي!

يتم في مصر حالياً العمل على تأسيس جمعية شعارها «زوجة واحدة لا تكفي»، تنادي بالتعدد وتحث النساء على قبول الزواج الثاني لأزواجهن لوضع حلول لكثير من المشكلات الاجتماعية منها زيادة عدد العوانس والمطلقات والأرامل ومنعا لخيانة الأزواج.

صاحبة الفكرة هي كاتبة صحافية مشهورة، تقول: «إن 95 في المئة من الزوجات في مصر يرفضن الفكرة بينما نسبة كبيرة من الرجال يؤيدون الفكرة، وخصوصاً أنها بديل للخيانات الزوجية».

ومن أهداف الجمعية: التوفيق والسعي لتطبيق مبدأ التعدد بالصورة التي أقرتها الشريعة الإسلامية من ناحية الأسباب والمبادئ، والمرأة التي ستتزوج ستعيش المتعة والحنان كما شرع الله، والمرأة التي يتزوج زوجها عليها ستجدد شبابها من خلال منافستها للزوجة الثانية وتحمي زوجها من الوقوع في الخيانة الزوجية عند حاجته لامرأة أخرى.

وستعمل الجمعية على فتح فروع لها في فلسطين والعراق ودبي وجدة، وقد لاقت قبولا وصدى طيبا في كثير من المجتمعات العربية لما تحمله من أهداف أكبر وأقوى من كل الدفاعات التي تعمل ضد تأسيسها

العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً