"زاردوزي" القديم الحاضر، هو فن التطريز الهندي الذي تم توارثه جيلا بعد جيل إضافةً إلى ذكره في كتاب "فيدا" المقدس لدى الديانة الهندوسية. حيث جرت العادة أن تتزين به الملوك في ملابسهم.
و"زاردوزي" كلمة فارسية من كلمتين، الشق الأول "زار" يعني الذهب، و"دوزي" هو التطريز. حيث يجمع هذا الفن الحس المغولي والهندي بتصميمه الدقيق الذي يستعمل فيه الأحجار الكريمة والقطع المعدنية.
البروز والعالمية
ويعتبر فن تطريز "زاردوزي" فنا عالميا، عرفت أصوله في باكستان وإيران، ثم انتقل للهند في العصور الوسطى التي شهدت طفرة آنذاك نتيجة حكم الإمبراطور المغولي أكبر. وخلال ذلك الوقت اعتمد هذا الفن على استخدام قطع المعادن مع الخيوط لإنتاج قطع ملابس مميزة يتم حياكتها خصيصا للأسرة الملكية.
وابتكر الحرفيون بعدها تصميمات خاصة من خيوط معدنية مصنوعة من الذهب والفضة. والتي يتم ترصيعها باللؤلؤ والأحجار الكريمة. وهو الشيء الذي جعل الأسرة الملكية تعجب بشدة في ذلك. فانتقل الزاردوزي من الملابس الإمبراطورية إلى تطريز الخناجر والسيوف، والخيام، والأعمال الفنية المعلقة على الجدران وأدوات الحرب الملكية.
كيفية العمل
وطوال تلك السنين استخدم الحرفيون في التطريز العديد من المواد كالخرز المصنوع من الخشب، واللؤلؤ وقطع الزجاج والفضة بمختلف الأحجام، والأحجار الكريمة وشبه الكريمة وما غيرها من أدوات.
وتٌعد صناعة الخيوط من الذهب والفضة "زاري" عملية شاقة ومتعبة نتيجة اللف والشد والطلاء ناهيك عن التكلفة الباهظة التي تتطلبها لشراء الذهب النقي المستعمل في التطريز. لذا تم اختراع سبائك خاصة مصنوعة عن طريق تسخين أسلاك رقيقة من الذهب وأشرطة الفضة. ثم يتم تمرير هذه الخيوط الذهبية عبر ألواح مثقبة مصنوعة من الصلب لشد حوافها وثنيها ليصبح المنتج النهائي عبارة عن خيوط ذهبية. ويطلق على الأسلاك الملساء التي يحصل عليها في بداية العملية اسم "بادلا" بينما تعرف الأسلاك التي يتم لفها بصورة مجدولة باسم "كاساف".
ويتطلب "زاردوزي" الدقة المتناهية والاتقان التام للعمل. حيث يتم مد النسيج على إطار خشبي لتسهيل سرعة العمل ورفع درجة الوضوح. ومن خلال استعمال إبرة دقيقة يستطيع الحرفيون عمل التصاميم على القماش من خلال شف الشكل عن طريقة ورقة شفافة مرسوم عليها، وعادة ما يكون نوع القماش المستخدم من الستان والفيلفيت أو الحرير. وبعد ذلك يتم غمس قطعة القماش في الكيروسين ويمسح بها على سطح الورقة الشفافة ليتشرب القماش الأشكال بصورة تامة وأكثر استدامة. ويتم استخدام خيوط معدنية وقطع ترتر لإبداع صور بانورماية بخيوط من ذهب.
وبهذا تبدو الملابس والقماش بمظهر فخم وإن كان ثقيل بعض الشيء بسبب المعدن والأحجار الكريمة المستخدمة في التطريز. ويتم عادةً لبس هذه الملابس في المناسبات الخاصة كحفلات الزفاف أو المهرجانات.
التحديات والمعوقات
ومع الأسف تراجع هذا الفن خلال فترة زمنية وذلك في عهد أورنجزيب، ذلك لأن الحرفيون لم يستطعو مواكبة ارتفاع الأسعار الحاد، بالإضافة إلى سحب الديوان الملكي رعايته تدريجيا. الأمر الذي دفع الحرفيون بالبحث عن مصدر دخل ومعيشة لهم في مكان آخر.
وعليه، اضطر الحرفيون المتخصصون في فن "زاردوزي" للرحيل عن دلهي والهجرة إلى البنجاب، بالإضافة لمناطق أخرى للبحث عن العمل. وتعرقلت حركة نمو هذا الفن مرة أخرى في الثورة الصناعية حيث حلّت الآلات بديلة للعنصر البشري في مختلف مجالات الصناعة.
العودة والنهوض
ولكن مع استقلال الهند اتخذت الحكومة الهندية العديد من المبادرات لإعادة المجد لهذه الصناعات الصغيرة، بالإضافة إلى جمعها الأموال للأعمال المطرزة بفن "الزاردوزي". كما وفرت الحكومة منافذ بيع تجزئة لهذه المنتجات للوصول لكافة العملاء. وبذلك استطاع "الزاردوزي" استعادة مجده السابق والتطور، فلم يقتصر على الملابس فانتشر في الأوشحة، وحقائب اليد، والستائر، وسائد الأغطية والصنادل أيضا، كما بدأ فن "زاردوزي" التكيف مع الاتجاهات العصرية الجديدة من حيث استخدام وحدات زخرفية حديثة، بالإضافة الى تأثر الاشكال الحالية بالأنماط الهندسية والطبيعة بصورة واضحة، وذلك حسب تقرير نشرته مجلة "آفاق الهند" الصادرة عن مجموعة "ماكسبوزر ميديا" الهندية.