تشهد برلين المعروفة بزخم كبير في ساحتها الفنية والحياة الليلية الصاخبة، إزدهارا مستجدا في مجال القصص المصورة الملتزمة بعدما كان الفن التاسع في المانيا لفترة طويلة حكرا على الأطفال.
فبعدما كان وجودها نادرا في المكتبات قبل سنوات، باتت للقصص المصورة المنتجة في ألمانيا أماكن خاصة على الرفوف بعدما أصبح فنانون محليون وأجانب يستلهمون من برلين لكتابة قصصهم.
وقال الكاتب الأسباني البرتو مادريغال الذي انتقل إلى العاصمة الألمانية في العام 2007 وأنتج مذاك ثلاث قصص مصورة أحدثها قصة "برلين 2.0"، "شعرت بالحاجة إلى الكتابة عندما انتقلت للعيش هنا".
ويسري عنصر الجذب الرئيسي للفنانين والموسيقيين إلى برلين على كتاب القصص المصورة أيضا، أي سعر المعيشة المنخفض مقارنة مع باقي العواصم الأوروبية.
غير أن التاريخ المضطرب لبرلين خلال العقود الماضية بما يشمل الحقبة النازية وتقسيم المدينة بين معسكر شيوعي وآخر ديمقراطي، يمثل أيضا خلفية ملائمة للراغبين في كتابة قصص مصورة.
لذا ليس من قبيل الصدفة أن يكون الهدف من القصص المصورة الصادرة في برلين توجيه رسالة سياسية أكثر منه إضحاك القراء.
وفي هذا الإطار، يوصف حامد عشرت في كتابه "تيبينغ بوينت" (نقطة تحول) رحلة عائلته إلى ألمانيا بعد الثورة الإسلامية في بلده الأم إيران في العام 1979.
كذلك يروي كاتب مولود في برلين الشرقية يتخذ له اسم ماويل قصة سقوط جدار برلين كما يراه فتى يعيش في عالمه الطفولي.
وقال سيلفان ماتساس الذي أضحك الألمان بكتابه الذي يحمل عنوان "هذا الكتاب يساعدني على حل النزاع في الشرق الأوسط ونيل شهادتي الجامعية والزواج"، إن "عدد الكتاب الملتزمين سياسيا سجل أرتفاعا كبيرا. أبناء الجيل الجديد يحبون هذه المواضيع الذكية".
فنانون طليعيون من برلين الشرقية
وقبل العقد الماضي، كان المشهد الثقافي المرتبط بإصدارات القصص المصورة في ألمانيا يقتصر على حفنة من الكتاب.
ومن أشهر هؤلاء رالف كونيغ الذي تطرق إلى مواضيع جدلية وفالتر مورس الذي سخر من الزعيم النازي أدولف هتلر.
لكن سقوط جدار برلين أتاح مجيء مجموعة من الفنانين المتحدرين من ألمانيا الشرقية ممن تدربوا على تقنيات تم التخلي عنها من قبل كليات الفنون في ألمانيا الغربية، للتدريس في كلية برلين فايسنسي للفنون.
وأصبحت المجموعة معروفة بدورها الطليعي في مجال القصص المصورة في ألمانيا وبات لها أثر كبير على الأجيال الجديدة من كتاب هذا النوع من القصص.
وقال ماتساس الذي تدرب في الكلية شأنه في ذلك شأن ماويل وعشرت، "لقد كان المكان لفترة طويلا مسيسا للغاية".
وخلال الفترة عينها تقريبا، بدأت دار النشر السويسرية "ايديسيون مودرن" إصدار ترجمات ألمانية لقصص مصورة أجنبية من بلدان عدة بينها فرنسا والولايات المتحدة حيث السوق أكبر بكثير وأكثر نضجا.
وقد بدأ الألمان الذين لم يألفوا كثيرا قصص "ميكي ماوس" و"تان تان"، في الإهتمام بهذه الروايات أيضا.
وترافقت هذه الطفرة مع تأسيس دور نشر عدة في برلين بينها "ريبروداكت" في العام 1991، و"أفانت فيرلاغ" سنة 2001 و"يايا فيرلاغ" في 2011.
وفي بادئ الأمر، ركزت دور النشر هذه على ترجمة الكتب الأجنبية إلى الألمانية لكنها انتقلت لاحقا إلى إصدار الكتب المحلية.
وأشار فينتسنت اوفارت وهو أحد مؤسسي دار "آور تايست" المتخصصة في كتب القصص المصورة في برلين إلى ان مؤلفي القصص المصورة الألمان "حصدوا اعترافا بهم في الداخل والخارج بعدما كانت الترجمات تحصل في اتجاه واحد من اللغات الأجنبية إلى الألمانية حتى العام 2005".
ساحة في طور النمو
ولفت يوهانس اولريش وهو أحد مؤسسي دار "افانت-فيرلاغ" إلى ان إنتاج الأعمال الألمانية المنشأ "يشهد نموا، ليست بقدر مذهل لكنه ينمو".
وهو قال "لدي الآن 10 أشخاص يعملون على قصصهم وهم جميعهم من ألمانيا".
لكن جهات النشر تقر بأن هذا القطاع لا يزال في بداياته وهو بعيد كل البعد عن النطاق الذي أخذه في فرنسا أو في الولايات المتحدة.
وبحسب الخبراء، لا تتخطى السوق الألمانية عشر حجم السوق الفرنسية. وقد تراوح مبيعات العمل الناجح في ألمانيا بين 3 و4 آلاف نسخة في ألمانيا، بحسب اولريتش.
لكن هذا الأخير صرح انه "في حين نتواصل مع جمهور قراء أكثر تنوعا يشمل الفئات العمرية ما بين 25 و80 عاما، بالكاد نبيع أي عمل لهؤلاء الأصغر سنا".
واعتبر ماتيو دييز الذي يرأس مهرجان القصص المصورة في مدينة ليون الفرنسية، من جهته انه على رغم من ان السوق الألمانية تتمتع بجميع العناصر اللازمة، "ما من اهتمام فعلي من قبل الجمهور في الخارج".
غير ان المهرجان سيستضيف العام المقبل وفدا من الكتاب الألمان الذين سيقدمون أعمالهم في معرضين.
وحذر دييز ختاما من الوضع الصعب في السوق، "في ظل تدفق كميات كبيرة من المنشورات الفرنسية" المقدر عددها بالآلاف في السنة الواحدة، "على حساب النوعية".