يعرض المتحف الوطني اللبناني مجموعة من الكنوز الأثرية يكشف عنها للمرة الأولى، تضم اكبر مجموعة من النواويس المجسمة في العالم، إضافة إلى نصب فينيقية ومومياوات تعود للقرون الوسطى.
وتضم هذه المجموعة 529 قطعة أثرية تتصل بالجنائز ودفن الموتى، وتمتد من العصر الحجري وحتى عهد السلطنة العثمانية، وهي معروضة في طبقة تحت الأرض من المتحف افتتحت أخيرا.
ويقع المتحف في وسط بيروت، في ما كان يعرف سابقا بخط التماس بين شطري العاصمة المتنازعين إبان الحرب التي عصفت بهذا البلد بين العامين 1975 و1990، والتي ظل المتحف فيها مقفلا ومهجورا.
وتقول مديرة المتحف آن ماري عفيش لوكالة فرانس برس "انه درس في الشجاعة والأمل، لأننا بعد 41 عاما على إقفال المتحف في العام 1974، نحن الآن قادرون على استقبال الزوار في طبقاتنا الثلاث".
وكانت قاعات العرض في المتحف تقتصر منذ التسعينات، بعد انتهاء الحرب، على الطابق الأرضي والأول، أما اليوم فان الطبقة السفلى افتتحت لتعرض فيها المجموعة الأثرية الفريدة.
ومن بين المعروضات ناووس روماني عثر عليه في بيروت تروي نقوشه أسطورة ايكاروس اليونانية القديمة، وهي عن شاب كان محتجزا في متاهة في جزيرة كريت، وهرب من محبسه بجناحين من شمع، لكنه اقترب من الشمس فذاب جناحاه وهوى صريعا.
تراث للإنسانية
ومن الكنوز المعروضة أيضا قبر منحوت في الصخر اكتشفه صدفة فلاح في منطقة صور جنوب لبنان في العام 1937، وهو يحمل نقوشا مستوحاة من الأساطير الدينية اليونانية.
وتقول عفيش "يتوجب علينا ان نعرض للجمهور هذا التراث اللبناني والإنساني الموجود في خزائن متحفنا".
وعلى غرار كل المعروضات في المتحف، استخرجت كل القطع المعروضة في القسم الجديد من حفريات نفذت في لبنان.
وتعود أقدم معروضات هذا القسم إلى 70 ألف سنة قبل الميلاد، وهو سن لإنسان "هوموسابيانس" عاش في ارض لبنان، أما أحدث المعروضات عهدا فهو نصب يعود إلى زمن الدولة العثمانية وتحديدا العام 1830.
ومن بين المعروضات نواويس فينيقية مجسمة تعود إلى ما بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد عثر عليها في مدينة صيدا الجنوبية.
وتقول عفيش "نعرض حاليا 31 من هذه النواويس" تشكل خليطا من الأنماط من مصر القديمة إلى اليونان.
وتضيف "أنها أكبر مجموعة من النواويس المجسمة في العالم".
مومياوات وادي قاديشا
وللمرة الأولى في العالم، تعرض ثلاث مومياوات اكتشفها في العام 1989 متخصصون في سبر المغاور في وادي قاديشا (الوادي المقدس) المدرج على قائمة منظمة يونسكو للتراث العالمي، والذي شكل ملجأ للمسيحيين الموارنة المضطهدين على يد الروم البيزنطيين ومن ثم المماليك المسلمين.
وقد عثر في مغارة على ثماني مومياوات محنطة طبيعيا وملابسها عليها، ومنها ما حيك من الحرير، وهي على حالها منذ القرن الثالث عشر.
وعثر إلى جانب المومياوات على كتابات باللغتين العربية والسريانية لتراتيل ونصوص دينية تشير إلى أنهم كانوا مسيحيين لجأوا إلى هذه المغاور.
ولأن لبنان يفتقر إلى الخبرات في التحنيط، استعان المتحف بخدمات الايطالي ماركو ساماديلي للحفاظ على هذه المومياوات.
وإضافة إلى جهود الخبراء الايطاليين مثل انتونيو غياناروستي، ساهمت ايطاليا بمبلغ مليون وعشرين ألف يورو لترميم المجموعة المعروضة في القسم الجديد.
أقدم تصوير لمريم العذراء في لبنان
وتستعرض مقتنيات هذه المجموعة تطور مراسم الدفن على امتداد العصور التي تعاقبت على لبنان، مثل القبر العائد للعصر الحجري الحديث في الألفية السادسة قبل الميلاد، وجرة دفنت في قبر إبان العصر النحاسي في الألفية الرابعة قبل الميلاد، عثر عليها في مدينة جبيل.
وتشهد مقتنيات جنائزية أخرى على طقوس الدفن في عهد الفينيقيين، وصولا إلى العهد البيزنطي الذي تؤرخ له واجهة قبر مزين بوجه لمريم العذراء يعود إلى العام 440.
وتقول عفيش "نعتقد أن هذا أقدم تصوير لوجه العذراء يعثر عليه في لبنان".