العدد 5089 - الجمعة 12 أغسطس 2016م الموافق 09 ذي القعدة 1437هـ

"ريو 2016- السباحة": سكولينغ يتحول من معجب بفيلبس إلى قاهر الأسطورة


كان السنغافوري جوزف سكولينغ في الثالثة عشرة من عمره عندما التقى مثاله الأعلى الأميركي مايكل فيلبس للمرة الأولى، لكن أيا منهما لم يخطر بباله أن اللقاء التالي بينهما سيكون في أحواض ريو وان ذلك الصبي سيتحول إلى قاهر الأسطورة وسيهدي بلاده أول ذهبية أولمبية في تاريخها.

من المؤكد أن فيلبس لا يتذكر حتى بأنه التقى سكولينغ قبل 8 أعوام في سنغافورة حين كان بصحبة المنتخب الأميركي في معسكر تدريبي تحضيرا لحملته الأسطورية في اولمبياد بكين 2008 إذ أصبح أول رياضي يتوج بثماني ذهبيات في نسخة واحدة.

لكن ذلك "اللقاء" بين الاثنين ترك أثره على حياة سكولينغ الذي كان حينها في الثالثة عشرة من عمره وأفضل سباح في بلده الصغير في فئته العمرية.

وعندما كان فيلبس يحطم الأرقام في أحواض بكين، اتخذ سكولينغ قراره وأدرك انه إذا أراد السير على خطى مثاله الأعلى يتوجب عليه مغادرة بلاده، فاتصل والداه بالمدرب الاسباني سيرخيو لوبيز الفائز مع بلاده ببرونزية 200 م صدرا في اولمبياد سيول 1988.

انتقل سكولينغ الذي أصبح الآن في الحادية والعشرين من عمره، إلى الولايات المتحدة وتحديدا إلى ولاية فلوريدا من اجل التمرن في مدرسة "بولس" في جاكسونفيل إذ عين لوبيز مدربا، ومن هناك بدأت القصة.

اعتمد لوبيز مقاربة مختلفة مع سكولينغ وفضل التركيز على تقنيات السباحة عوضا عن التركيز على بناء العضلات لأنه رأى بان هذه المسألة تتحقق بشكل طبيعي مع تقدم التمارين.

وأثمرت مقاربة لوبيز لان سكولينغ بدأ يصنع اسما لنفسه وفي 2011 توج بذهبيتين في العاب جنوب غرب آسيا التي أقيمت في اندونيسيا وتأهل أيضا إلى أولمبياد لندن 2012 عن سباق 200 متر فراشة لكنه لم يتمكن من تجاوز التصفيات.

وواجه سكولينغ معضلة عام 2013 بعد ان انهى مرحلة الثانوية في مدرسة "بولس"، فهو حصل على منحة جامعية من جامعة تكساس حيث هناك المدرب المعروف ايدي ريس لكن المشكلة انه كان مطلوبا للخدمة العسكرية الإجبارية في اندونيسيا والتي تصل مدتها لعامين.

تدخلت المؤسسة السنغافورية للرياضة التي تعنى بمساعدة الرياضيين الصاعدين وتقديم الرعاية لهم على عدة اصعد، وطالبت بان يسمح لسكولينغ بتأجيل الخدمة العسكرية لثلاثة أعوام بهدف التحضير للمشاركة في اولمبياد ريو 2016 وقد "استمعوا لقصتنا عن الموهبة المميزة التي يتمتع بها وعن أن أشخاصا من هذا النوع نادرون، يأتون مرة في العمر خصوصا في بلدان صغيرة"، وذلك بحسب ما كشف لوكالة فرانس برس ريتشارد غوردون، مدير المؤسسة السنغافورية للتميز الرياضي.

وواصل: "خدمة الوطن تعتبر من الأمور التي ترتدي أهمية مميزة في سنغافورة وإذا كان هناك أمر نفخر به كثيرا هو أننا منحناه فرصة لكي يواصل السباحة".

وأثمر هذا القرار بالتأكيد وبعد أن وضع لوبيز الأسس الصحيحة في "بناء" سكولينغ، تولى ريس مهمة صقل هذه الأسس ومساعدة السباح السنغافوري على النمو والتطور من خلال إدخاله في البطولات كسباح مغمور بمواجهة آخرين من نجوم الرياضة.

كان سكولينغ نجما معروفا في سنغافورة لكن بانتقاله إلى الولايات المتحدة تحرر من الضغط الإعلامي والاجتماعي المترافق مع النجومية في عالم الرياضة وسمح له بالتركيز على تطوير نفسه وهذا الأمر أثمر في 2014 عن حصوله على فضية 100 م فراشة في العاب الكومنويلث ثم أصبح لاحقا في العام ذاته أول سنغافوري منذ 32 عاما يحرز ذهبية في دورة الألعاب الأسيوية التي أقيمت في كوريا الجنوبية.

ثم بدأ سكولينغ يلفت الأنظار على الصعيد العالمي واظهر إمكانية أن يكون من المنافسين على الميداليات في العاب ريو 2016 بعدما حل ثالثا في بطولة العالم العام الماضي لكن فيلبس لم يكن موجودا حينها بسبب إيقافه من قبل الاتحاد الأميركي نتيجة قيادته السيارة تحت تأثير الكحول.

ودخل سكولينغ إلى العاب ريو دون أي ضجة ولم يكن حتى في الحسابات لكنه خرج فجأة من الظل واجبر مثاله الأعلى الذي التقط معه صورة العام 2008 نشرت الجمعة في وسائل الإعلام، على الاكتفاء بفضية سباق 100 فراشة حارما إياه من ذهبيته الخامسة في العاب ريو والثالثة والعشرين في مسيرته الأسطورية.

كما حرم سكولينغ الذي حقق رقما قياسيا اولمبيا، مثاله الأعلى من إحراز ذهبية هذا السباق للمرة الرابعة على التوالي، مؤكدا بأنه عندما يتمتع المرء بالإرادة والرغبة باستطاعته تحقيق المعجزات لان إسقاط "الدلفين البشري" يعتبر "معجزة" بالنسبة لسباح من بلد لم يسبق له أن أحرز أي ذهبية اولمبية ليس في السباحة وحسب بل في تاريخ مشاركاته في الألعاب.

صحيح "أن الفوز ليس كل شيء لكن من المؤكد انه يملك تأثيرا تحفيزيا كما يلهم الآخرين وهذا شيء هام للغاية" بحسب ما قاله رئيس اللجنة الاولمبية السنغافورية تان شوان-جين لوكالة فرانس برس.

وان الدعم الرسمي مهم جدا لتحقيق النجاح ووجود رئيس البلاد توني تان بين جماهير المسبح الاولمبي لتشجيع سكولينغ في سباق الجمعة يؤكد الأهمية التي توليها سنغافورة للرياضة.

وكان رئيس البلاد شاهدا على إحدى اكبر المفاجآت في تاريخ الألعاب وعلى أعظم لحظة رياضية في تاريخ سنغافورة. هذه اللحظة التي شبهها غوردون بلحظة اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي، قائلا: "الناس يتحدثون عن لحظة كينيدي، عندما اغتيل كينيدي. ما حصل ليس بنفس الدراماتيكية لكن هذه لحظة كيندي بالنسخة السنغافورية إذ سيتذكر الناس دائما لحظة فوز جوزف سكولينيغ بالميدالية الذهبية في الألعاب الاولمبية".

وختم: "الآن سيكون التركيز على جوزف سكولينغ وكيف تمكنت سنغافورة من تحقيق ذلك".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً