في سابقة هي الأولى من نوعها في صعيد مصر، تأسست أول مدرسة باليه في مجتمع ذكوري تواجه فيه المرأة معوقات البطالة وتقاليد خاطئة. وقد تعتبر هذه الخطوة جريئة نحو التغيير في الصعيد، ولكن الطريق مٌعبد بالأشواك.
الباليه هو جزء من مشروع "ألوانات" التي يتولاها مجموعة من الشباب بمحافظة المنيا، وهو مركز ثقافي يهتم بكل أشكال الفن من خلال مُبادرات الإبداع والأفكار الجديدة، وتنظيم مهرجانات فنية لتعليم الرسم والموسيقى وإقامة حفلات موسيقية واكتشاف المواهب مثل التصوير والرسم وكتابة الشعر، كما يستهدف أهالي القرى والمدن في محافظة المنيا وغيرهم في محافظات الصعيد الأخرى.
أشار ماركو عادل- أحد مؤسسي فريق "ألوانات"، ومنسّق مجموعة العمل في حوار نشرته "DW عربية"، أن التفكير في مدرسة الباليه بدأ من خلال مبادرة. وأكد أن كثيرا من أطفال المنيا كانوا يحلمون بتذوق هذا الفن. ويأمل في أن تتنافس فرق الباليه على مستوى العالمية بعد فترة تدريبات على يد متخصصين.
وقد أقامت "ألوانات" مهرجان سينما في أكتوبر العام الماضي بحضور نخبة من الفنانين والمخرجين.
المشاركون في المشروع لا يحصلون على تمويل خارجي، ويعتمدون على الاشتراكات من المتدربين، فضلا على أن هذه الاشتراكات لا تلبي كافة احتياجاتهم المادية. وصل عدد المنتمين إلى مدرسة الباليه إلى 150 بينهم ولد واحد فقط. وقد تم تشجيع أهالي المنيا لدفع أولادهم لتعلم هذا الفن الراقي. وأكد ماركو عادل أن هناك شريحة كبيرة من الأهالي على درجة كبيرة من الوعي والنضج، لا سيما وأنه كان لديهم حلم، لم ينجحوا في تحقيقه، بسبب العادات والتقاليد وغياب مثل هذه الفرص، التي يقدمونها الآن لأطفالهم.
وعن معيار الانضمام للباليه، يقول ماركو" اللياقة البدنية والالتزام في التدريب أهم الشروط، ولا يشترط سن معين، ولكن الأهم ألا يقل العمر عن أربعة سنوات".
"رسالة للعالم أن الصعيد يتغيّر"
وأوضح ماركو عادل أنه لا توجد خطط مستقبلية الآن نحو التوسع في باقي محافظات الصعيد الأخرى، وأن التركيز هو أكثر على قرى محافظة المنيا.
ويرى أن الباليه أصبح عاملا رئيسيا في حياة الأطفال اليومية، وقوي من سعادتهم وحبهم للدراسة. وأعتبر أن "وجود الباليه في المنيا هو رسالة قوية للعالم أن الصعيد يتغيّر، ووجود شرائح كبيرة في المجتمع لديها مهارات فريدة لا يتم تسليط الضوء عليها". والتغير الأهم في وجهة نظره هو وجود شرائح مختلفة من المجتمع في المنيا في الباليه.
وعلى رغم بعض التعليقات السلبية غير المباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي من جانب المتطرفين الذين وصفو هذا الفن "بفن العري"، فإن الأهالي قاموا بالرد على هذه التعليقات ملاحظين أن المنخرطين مازالوا أطفال أبرياء.
وعن الصعوبات التي يتعرض له المشروع، أشار ماركو إلى عدم توافر أماكن للعرض والتدريب بشكل أكبر وارتفاع تكلفة إيجار مثل هذه الأماكن.
خطوة لتغيير الصور النمطية
تصرح سارة سامح- والدة الطفلة ماريا هاني التي التحقت بالباليه في سن 10 سنوات- أنها رأت ماريا تمشي على أصابع قدميها منذ أن كانت في سن الخمس سنوات. وتابعت "كانت هناك صعوبات للانتقال إلى القاهرة لإلحاق طفلتي بمدرسة باليه".
وتضيف أنها كانت تعشق السباحة ولكن أهلها رفضوا ممارسة السباحة، لذلك فهي تصر على تعليم أبنتها الرياضة التي تفضلها. وأضافت: "إحنا عشنا في كبث ولا أرغب أن تكون طفلتي مثلي".
وأردفت قائلة: "شعرنا بسعادة بالغة عندما سمعنا عن الباليه في المنيا، وبإحساس الطمأنينة بعدم التفكير في ترك المنيا، خاصة وأن البعض ترك المنيا لتدريب أولادهم". وأشارت أن الباليه ليس مجرد ممارسة رياضة ولكنه يساهم في تقوية أعضاء الجسد، أيضا من خلال التغذية الجيدة.
وتعتبر الأم أن وجود الباليه في الصعيد سيغير من وضع المرأة، خاصة وأن "الأجيال الجديدة ستقدًر قيمة الفن الذي لا تعتبره شيء عيب أو حرام".
ومن جانبه، ترفض شيرين سليمان- والدة الطفلتين روان و رزان- الصور النمطية عن الصعيد في المسلسلات، مشيرة إلى التغيير الحاصل في التعليم للأطفال في الصعيد ووجود مدارس دولية وألمانية، بخلاف الأجيال القديمة، ملاحظة أنه " كلما ارتقينا بتفكير الأب والأم ستكون حياة الأولاد أسهل بكثير". وتعتبر الأم أن أهم القيم التي ستتعلمها الفتيات من الباليه هي وجود الشريك والعمل الجماعي، وليس الاستحواذ والأنانية.
الإعلام أداة للتغيير
يعاني صعيد مصر من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، ففي تقرير صدر عن خريطة الفقر التي نشرها الصندوق الاجتماعي للتنمية في العام 2014 تمت الإشارة إلى تركز الفقر في الصعيد، وأشار تقرير آخر للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2013 أن 49 بالمائة من سكان ريف الوجه القبلي يعانون من الفقر.
من جهته أشار رمضان أبو إسماعيل، رئيس جمعيّة تنمية المجتمع المحلّي في محافظة بني سويف، في حواره مع DW، أن السنوات الأخيرة شهدت انفتاحا في الثقافات المختلفة في محافظات الصعيد. وأرجع السبب في ذلك إلى انتشار القنوات الخاصة التي وصلت إلى كل بيت في صعيد مصر. وأضاف: "لو تحدث شخص عن مدرسة باليه في الصعيد قبل 10 سنوات، لسخر ناس الصعيد منه " وأضاف:" لقد سبق الباليه تطورات كثيرة مثل وجود صالات لرياضة الفتيات في مدن كثيرة في الصعيد، ومدارس لتعليم الرقص".
ويعتبر المتحدث أن وجود الباليه لن يغيًر الأفكار الخاطئة بشأن الميراث وختان الإناث والزواج المبكًر وزواج الأقارب، مستخلصا أنه "من الصعب الربط بين مدرسة باليه وتغيير هذه الثقافة، ولكنها قد تكون مؤشرا على إمكانية تغيير مثل هذه الأفكار". و يتوقع رمضان أبو إسماعيل تحولا أكبر في في المستقبل، مؤكدا على أهمية الإعلام في ذلك.
حتى الصعايدة بيخربونهم
هل يوجد خطوط حمر أصلآ كي يتم تخطيها