العدد 5072 - الثلثاء 26 يوليو 2016م الموافق 21 شوال 1437هـ

ابنة المخرج السوداني جاد الله جباره تسعى لحفظ أرثه السينمائي


تعمل سارة ابنة المخرج السوداني الكبير جاد الله جبارة على حفظ ارث والدها السينمائي الذي وثق لتاريخ السودان، ساعية إلى رقمنة أفلامه وأرشفتها.

تلزم سارة جاد الله الصمت بينما تمر السيارة بجوار مجمع سكني في شوارع الخرطوم... فهنا أسس والدها أول أستوديو خاص للإنتاج السينمائي العام 1970.

إلا أن الحكومة هدمت "أستوديو جاد" في العام 2008 بعد معركة قضائية استمرت ثماني سنوات حول ملكية الأرض.

واتت عملية الهدم قبيل وفاة جاد الله جبارة عن ثمانية وثمانين عاما، ولم تسلم إلا أجزاء قليلة من الأستوديو.

وتشير سارة بعدما توقفت خلف مجمع الشقق إلى الشاشة البيضاء الباقية على الحائط قائلة "الشاشة لا تزال هنا".

ومع فقدان أستوديو والدها، صممت سارة على حفظ ارثه.

فباشرت بمساعدة خبيرة ألمانية رقمنة أفلام والدها لاستحداث ما تعتبره أول أرشيف خاص من الأفلام بمقاس 15 و 35 ملم.

وتقول سارة البالغة 66 عاما لوكالة فرانس برس في منزلها في جنوب الخرطوم "عبر هذه الكاميرا وثق لتاريخ السودان وأنا أريد حفظ ارثه".

وكان جبارة لفترة ضابطا في الجيش البريطاني. وبعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ عمله كمشغل أفلام في وحدة السينما البريطانية الجوالة.

وصور جبارة بعد ذلك محطات محورية في تاريخ السودان بما فيها مرحلة حصول البلاد على استقلالها ورفع العلم السوداني العام 1956 .

وعلى مدى أكثر من خمسة عقود، أنجز جبارة أكثر من مئة فيلم وثائقي وأربعة أفلام روائية من ضمنها فيلمه الشهير "تاجوج" في العام 1984.

إلا أن تخزين هذه الأفلام في ظروف سيئة، الحق أضرارا بأرشيفه.

وتقول جبارة "بكرات الأفلام لا تستمر إلى الأبد وهي أصيبت بتلف بسبب تعرضها للحرارة والغبار".

رحلة عبر الماضي

في بداية عمله واجه جبارة صعوبات في الحصول علي ممثلين بسبب عادات المجتمع السوداني وتقاليده المحافظة.

إلا انه لم يستسلم بل شجع أفرادا من أسرته على العمل معه كممثلين بمن فيهم ابنته سارة.

وتقول سارة "كان يعتبر أن المصورين هم أهم أشخاص في العالم وبيديهم أهم سلاح".

وسارة التي اشتهرت كبطلة سباحة في بلادها على رغم إصابتها بشلل الأطفال في صغرها، درست السينما في القاهرة أيضا.

وعملت مع والدها عندما تراجع بصره بسبب تقدمه في السن، فساعدته في إخراج فيلم مقتبس عن قصة "البؤساء" لفيكتور هوغو.

ومن الأعمال الوثائقية التي أعدها جادالله جبارة، أفلام عن إقليم دارفور الذي يشهد نزاعا دمويا منذ العام 2003 سقط فيه عشرات آلاف الضحايا. وأنجز أيضا أفلاما توثق لحياة السودانيين قبل الانقلاب الإسلامي في العام 1989.

وقبل الانقلاب كانت في السودان ستون دارا للسينما، ست عشرة منها في الخرطوم تعرض الأفلام الهوليوودية والبوليوودية.

لكن لم يعد في الخرطوم اليوم إلا ثلاث دور للسينما جراء الظروف الاقتصادية الصعبة والقيود التي فرضتها الحكومة على استيراد الأفلام.

وتقول مخرجة الأفلام الوثائقية الألمانية كاتارينا فون شرودر التي تساعد سارة على رقمنة ارث والدها، أن مشاهدة هذه الأفلام هي رحلة عبر الماضي.

وتوضح كاتارينا وهي تشاهد إعلانا تجاريا أخرجه جبارة "كان ثمة العديد من المصانع والشركات والأندية الليلية ومن دون إطلاق أي أحكام، كان المكان مختلفا".

وفي الإعلان تظهر سارة وهي ترتدي تنورة قصيرة وقميصا أحمر.

وفي شريط آخر أزواج سودانيون في أزياء غربية يرقصون في الهواء الطلق حتى ساعة متأخرة من الليل في مشهد نادر الحصول راهنا.

وتقول سارة "ما من تناقض بين السينما والدين لكن بعض المتشددين يرفضون السينما من دون فهمها حتى"، مضيفة "من دون السينما ينتفي صوتنا".

هدية إلى السودان

خلال مسيرته الفنية التي امتدت على خمسة عقود، إخرج جبارة أكثر من مائة ساعة سينما.

ورقمنة أعماله ليست بالمهمة السهلة. وقد تمت حتى الآن رقمنة أربعين ساعة منها بكلفة عشرة آلاف دولار. وحصل المشروع على دعم من المؤسسة الألمانية "ذي ارسنال إنستيتوت فور فيلم أند فيديو آرت" والسفارة الألمانية في الخرطوم.

وتقول شرودر "هذا الإرث يستحق أن ننقذه وسارة كانت مصممة على حفظ ارث والدها".

معالجة هذه الأفلام تمت في برلين وكانت سارة مترددة بداية في تسليم اللقطات النادرة.

وتضيف شردودر "أنا أتفهم موقفها، فخلافا للأعمال الرقمية لا تتوافر مع بكرات الأفلام إلا نسخة واحدة عن العمل ولا تستطيع شيئا أن فقدت هذه النسخة" موضحة "وفقا لمعلوماتي هذا هو الأرشيف الوحيد الخاص بأفلام 15 و35 ملم في السودان".

ويؤكد الطيب المهدي مدير مدرسة للسينما في الخرطوم ان المشروع يشكل تكريما يليق بجبارة.

ويقول "هذه الحكومة لا تعير السينما اهتماما بينما القطاع الخاص بعيد عنها" مضيفا "رغم ذلك ظل جاد الله ينتج الأفلام".

أما سارة فتعتبر أن حفظ ارث والدها هدية للسودان. وتقول وقد اغرورقت عيناها بالدموع "أشعر بالحزن عندما أتذكر والدي وهو يرى الأستوديو الخاص به يهدم واشعر بالحزن عندما لا أرى دورا للسينما".

وتختم قائلة "أريد أن أحفظ هذه الأفلام لان الأجيال السودانية المقبلة يجب أن تطلع على تاريخ البلاد".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً