سلكت مهرجانات بعلبك الدولية ليلة أمس الجمعة (22 يوليو / تموز 2016) في افتتاح دورتها الستين، طريق الحرير مع عرض مسرحي غنائي راقص لفرقة كركلا اللبنانية في مدينة الشمس الواقعة في شرق لبنان والقريبة من الحدود مع سورية، وسط تدابير أمنية مشددة.
وقد أتى نحو ثلاثة آلاف شخص لمتابعة هذا العمل الفني الضخم وهو بعنوان "إبحار في الزمن، على طريق الحرير" الذي اعد لمناسبة مرور ستين عاما على تأسيس المهرجانات.
وعلى ادراج معبد باخوس المجاور لمعبد جوبيتر في القلعة التي تجتمع فيها الحضارات الفينيقية والإغريقية والرومانية، صدح في بداية العرض صوت الشاعر اللبناني الراحل سعيد عقل يلقي قصيدة عن بعلبك كتبها عباس كركلا، والد الفنان عبد الحليم كركلا الذي صاغ قصة العرض وصمم ازياءه البراقة.
ونصبت شاشة عملاقة مؤلفة من سبعة الواح مستطيلة على يمين الخشبة، عرضت عليها صور واشرطة مصورة، وشكلت ديكوراً مكملاً لأحداث العرض، لا يشوه من ضخامة معبد باخوس بل يندمج فيه، وتكمل هذه الشاشات أحياناً حركات الممثلين والراقصين وتنقلاتهم.
وتبدأ الرحلة من مدينة بعلبك حيث السياح من مختلف الجنسيات يملأون المكان، وسرعان ما يظهر ملك الالهة الرومانية جوبيتر (الممثل رفعت طربيه) للفتى تيمور (مجد كركلا) الذي يرافق رجل مسن حكيم (غبريال يمين).
ثم ينتقل العرض بالزمن إلى ساحة القرية، حيث الأهالي يجتمعون لإحياء عرس بعلبكي. ويزف الوالي (جوزف عازار) للحاضرين مشروع مغامرة تنطلق من بعلبك الى الصين، والى جانبه الشيخة ام تيمور (هدى حداد) ومستشار الولاية (ايلي شويري) في اجواء حوارية وغنائية تبدو كأنها تحية لمسرح الاخوين عاصي ومنصور الرحباني.
وتنطلق مغامرة في المكان والزمان تسترجع طريق الحرير الذي كانت تسلكه القوافل التجارية، من الشاطئ الفينيقي، بدءا بمسقط في سلطنة عمان، بحثا عن ابن ماجد، أمير البحار، ليكون قائدا لهذه المغامرة.
في اجواء خليجية، استراحت مراكب الصيادين بين اعمدة معبد باخوس وتناغمت اجسام الراقصين مع الموسيقى الخليجية. وادخلت فرقة كركلا على الرقص الخليجي حركات راقصة خاصة مطورة خطواتها التقليدية مدخلة الالوان على ازيائها الفولكلورية.
وسرعان ما تتوجه الى الهند، حيث تستقبل بالطقوس الهندية. وتبرز 12 راقصة هندية يرافقهن اربعة راقصين ومنشدان وثلاثة عازفين. والمحطة التالية مدينتا كزايان وبكين في الصين حيث تحاط البعثة بالعسكر فيقودون أفرادها الى السجن للتحقيق معهم. يدرك الإمبراطور سبب قدومهم، ويعلم أنهم من بلاد الحرف فيأمر بالإفراج عنهم. ويشارك في هذه اللوحة نحو 30 راقصة وراقصا صينيا بأزياء زاهية.
ويبرز في هذه اللوحة حضور الممثل الجزائري هشام مغريش الذي يؤدي دور المترجم، ويتعاون للمرة الثانية مع فرقة كركلا، ليضفي مزيدا من الخيال والسحر على مناخ العرض، اذ ان ظهور الاقزام عادة في الافلام مرتبط بالخيال.
وفي طريق العودة تحط البعثة في شيراز واصفهان في بلاد فارس، حيث تلمع الفرقة الايرانية منشدة قصائد لعمر الخيام وجلال الدين الرومي والشيرازي، وصولا الى البندقية التي تضج ساحتها بالفنانين في زمن الكرنفال.
وبين لوحة واخرى، كان يطل جوبيتر شارحا للفتى عن غرائب الطريق والاقدار، ليعود العرض بعدها الى بعلبك، حيث تستعرض الفرقة تقنياتها الفولكلورية المحترفة ويشارك في الرقص ككل مرة المؤسس الثاني للفرقة عمر كركلا فيشعل الاجواء على أنغام الدلعونا وسواها من الاغنيات التي تحتفي ببعلبك ومهرجانها.
بدا "ابحار في الزمن" الذي وقعه اخراجياً ايفان كركلا، باستضافته فنانين من الهند والصين وإيران وايطاليا، منفتحا على ثقافات عدة، وهي ليست المرة الاولى التي يستقدم فيها كركلا فرقا راقصة، فمسرحية "زايد والحلم " تميزت بذلك.
ووضع سينوغرافيا العرض الايطالي كارلو شينتولافينيا و الكوريغرافيا اليسار كركلا. والموسيقى فيه مزيج من ألحان كل من مرسيل خليفة وتوفيق الباشا وزكي ناصيف وشربل روحانا وايلي شويري. وشارك في الغناء كل من سيمون عبيد وهادي خليل.
وكان عبد الحليم كركلا ابن مدينة بعلبك أطلق فرقته في العام 1968 مع نحو 12 راقصا، وقدم باكورة اعماله فيها في العام 1972. وفرقة كركلا اليوم تضم أكثر من 100 فرد، من بينهم نحو 45 راقصا لبنانيا واجنبيا.
وبمناسبة مرور ستين عاما على تأسيسه، اعد مهرجان بعلبك الذي يختتم في 28 اغسطس/ آب برنامجاً متنوعاً يتضمن الموسيقى الالكترونية والجاز والاوبرا والموسيقى الشرقية.