ما بين أشجار النخيل وحديقة خضراء في وسط مدينة الفاشر في إقليم دارفور المضطرب يرتفع قصر السلطان علي دينار بعد مئة عام على مقتله، شاهدا على تاريخ يعتز به الكثير من سكان المنطقة المهمشة اليوم.
ويضم القصر سيوفا فضية وبنادق عتيقة للسلطان وملابسه الملونة وعرشه الذي حكم منه الإقليم بين العامين 1891 و1916.
ومنذ سقوط السلطان علي دينار عانى الإقليم الواقع غرب البلاد من التهميش وغياب التنمية حتى غرق العام 2003 في حرب أجبرت الملايين على الفرار من ديارهم، فيما ظل القصر واحدا من الآثار القليلة الشاهدة على غنى الماضي.
وقال إسلام أبكر ذو الخمسة وعشرين عاما من سكان مدينة الفاشر وهو يجلس على العشب الأخضر في باحة المتحف "انه مصدر فخر لكل قبائل دارفور".
تعرض في المتحف عملات فضية خاصة بالإقليم واوان مطلية بالذهب.
وعلي دينار آخر سلطان من الأسرة الكيراوية التي حكمت الإقليم بكل حدوده. وقد انتهى حكمه العام 1916 في أوج الحرب العالمية الأولى التي ناصر فيها السلطان الدولة العثمانية.
فقد أرسلت بريطانيا قوات لإنهاء حركة السلطان، وقتلته وضمت دارفور للسودان.
مازال أحفاد علي دينار يعيشون في الفاشر ويحملون اسمه، لكن لا يعرفون من تاريخه سوى ما يسمعونه وما يرون من آثاره.
ومن هؤلاء الأحفاد عبد الرحمن التيجاني علي دينار البالغ 73 عاما والمقيم على مقربة من القصر وهو شب على سماع قصص شفاهية عن جده السلطان.
ويقول "عندما ادخل للمتحف ينتابني إحساس غريب، أحاول أن ارسم صورة للسلطان من خلال المعروضات والقصص الشفاهية حوله وأنا فخور به".
غير أن تاريخ المنطقة ضاع بين الصراعات التي عاشتها في الحقبة الأخيرة.
ففي العام 2003، تمرد مسلحون من دارفور على حكم الرئيس عمر البشير متهمين حكومة الخرطوم بتهميش الإقليم سياسيا واقتصاديا.
والإقليم الذي كان موحدا زمن السلطان علي دينار، قسم في العام 1994 إلي ثلاث ولايات وأضيفت لها اثنتان أخريان العام 2012.
والأسبوع الماضي نظم استفتاء حول إبقاء التقسيم الحالي من خمس ولايات، أو إعادته إلى وضع الإقليم الواحد. وأعلنت الخرطوم أن الغالبية الساحقة من المقترعين صوتوا لخيار الولايات الخمس الذي يسانده عمر البشير، إلا أن الاستفتاء كان محل انتقاد من المجتمع الدولي ومقاطعة من قبل المتمردين.
في العام 1976 أنشئ متحف السلطان علي دينار باقتراح من حاكم دارفور آنذاك "تخليدا للسلطان وحفظا لتراثه"، بحسب مديره عبد الرحمن صديق.
لكنه، وعلى غرار الحال العام في دارفور، يعاني من سنوات طويلة من الإهمال.
فحدائقه التي يتردد عليها سكان المدينة تعاني من نقص الاهتمام رغم خصوبتها، وتفتقر مع مرافق القصر الأخرى للصيانة، وكذلك المعروضات التي تروي أربعة قرون شكلت عمر تلك السلطنة.
وتقول الطالبة آمنة عبد الله وهي تتنزه في حديقة القصر مع أصدقائها "القصر يحتاج لمزيد من التمويل الحكومي، السلطان علي دينار هو الرجل الذي قاتل الاستعمار حتى قتل وهو يستحق أكثر من متحف".
غادر البريطانيون دارفور قبل ستين عاما، مع إعلان استقلال السودان، لكن مشكلات هذا الإقليم لم تنته، وصولا إلى الحرب التي بدأت قبل 13 عاما وأسفرت عن أكثر من 300 ألف قتيل، بحسب الأمم المتحدة.
على رغم الحالة المتردية للقصر، وما يحكى عن استبداد السلطان علي دينار، إلا أن حفيده يرى أن المتحف أصبح "تراثا لأهل دارفور بصرف النظر عن قبائلهم".