«نيوبورت بيتش».. جارة المحيط ومغناطيس أصحاب الملايين
الوسط – محرر المنوعات
بلدة صغيرة جميلة بهية تقع على شاطئ المحيط الهادي في ولاية كاليفورنيا، تعتبر من أغنى المدن في الولايات المتحدة، لا بد من زيارتها إذا ساقتك الأيام للسياحة والاستجمام في إقليم البرتقال (أورانج كاونتي) جنوب مدينة لوس أنجليس، وذلك وفق ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط أمس الثلثاء (2 يونيو / حزيران 2015).
واحتفلت نيوبورت بيتش بالذكرى المئوية لتأسيسها باحتفالات كبيرة عام 2006، ويقصدها السياح دائما للتمتع بشمسها الدافئة وطقسها المعتدل والرحلات بالقوارب الشراعية. إنها مكان ساحر يقع المرء في حبه منذ اللحظة الأولى، ويكتشف فيه الكهوف البحرية الزرقاء والمحلات التجارية الفخمة والمنازل المتسمة بالأبهة، فيعجبك جمالها وأناقتها ومناظرها الطبيعية المثيرة الخلابة خاصة الرحلة البحرية لمتابعة غروب الشمس في أفق المحيط المدهش، فلا مثيل لذلك إلا في ضاحية لاهويا في سان دييغو بجنوب كاليفورنيا قرب الحدود مع المكسيك.
تحتار ماذا تفعل فيها: التسوق الراقي أو المعالجة في منتجع مترف أو المشاركة في سباق اليخوت والسفن الشراعية أو متابعة بطولة الغولف أو حضور مهرجان السينما السنوي لرؤية آخر أفلام هوليوود أو التمتع بنزهة فنية في جزيرة بالبوا الملتصقة بالبلدة. وصلنا إلى نيوبورت بيتش من مطار الممثل الراحل جون وين القريب، وهو أحد ثلاثة مطارات دولية في مدينة لوس أنجليس، وهي لا تبعد عن بلدة لاغونا بيتش الساحلية الجميلة كثيرا. كان عدد سكان هذه القرية عام 1906 لا يتجاوز 500 شخص، والآن يقطنها نحو 86 ألف نسمة. نمط الحياة فيها متطور وراق، ومتوسط الدخل السنوي للفرد الواحد يصل إلى 200 ألف دولار سنويا، أما متوسط أسعار البيوت فيها فيقدر بمليون دولار، ودرجة الحرارة لا تتجاوز 22 درجة في الصيف. تحتضن أيضا المقر العام لإحدى أهم 500 شركة في العالم وهي «باسيفيك لايف» للتأمين على الحياة والاستثمار وكذلك شركة «بيمكو» للاستثمارات المالية التي عانت من المشاكل مؤخرا. أما خبراء السياحة فيقولون إن في هذه البلدة الساحلية الراقية أكبر متجر لسيارات «مرسيدس» الألمانية الفخمة في العالم، كما أن لدى شركة «تويوتا» اليابانية مركزا لتصميم السيارات الحديثة.
يقول طوني خوري، وهو مواطن أميركي من أصل سوري «أسكن في نيوبورت بيتش منذ ما يزيد على 40 عاما، وكنت قد زرتها وغيرها من المدن الأميركية كطالب وعمري 16 سنة، فأحببتها منذ البداية لأن طقسها المعتدل الرائع يستمر طوال العام، وشواطئها الجميلة الزاهية لا تقارن بغيرها، وسلوك أهلها يستدعي الإعجاب والمودة، فقررت الإقامة فيها، وأنا سعيد بذلك».
زرنا متحف إقليم البرتقال للفنون، وفيه 3 آلاف قطعة فنية، وشاهدنا معروضاته المتنوعة بما فيها تلك التي أبدعتها الفنانة شيرينا شاهبازي ذات المنشأ الإيراني التي قدمت من سويسرا، ويتميز المتحف بلوحات إدوارد مونش الانطباعية وعدة فنانين أميركان مثل المفكر الذي يذكر بمعارضه المبتكرة في أميركا وأوروبا غلين ليغون، والنحات كريس بوردن، وروبرت اروين المعروف بمساهمته في فن استعمال الفراغ في الأماكن. أقيم في المتحف أيضا منذ عام معرض خاص حاز الإعجاب والاهتمام واحتوى على لوحات الفنان الإسباني الكبير بيكاسو مثل «نساء الجزائر» وماتيس (لوحة «السيدة بالقبعة ذات الريشة»)، مرورا بلوحات الرسام الأميركي جاكسون بولاك المتوفى عام 1956 الذي نجح في تطوير الفن الحديث في القرن العشرين بلوحاته المجردة.
* زيارات مميزة
حين تتجول في وسط المدينة ترى في الميناء ما يقرب من عشرة آلاف قارب، ويمكنك زيارة متحف صغير عن تاريخ الميناء تجد فيه نموذجا للسفن التي بنيت عام 1798 مصنوعة من الذهب والفضة. تتراءى أمامك في جزيرة بالبوا المجاورة العديد من المطاعم والمقاهي وحانات البحارة والحوانيت الصغيرة (بوتيك) وعلى الخصوص في شارعها الرئيسي واسمه شارع البحرية (مارين افنيو). المطعم الذي يجذب الانتباه هو المطعم الفرنسي - السويسري المسمى «بيسترو باسيليك»، وبالقرب منه مخزن لبيع زيت الزيتون من كاليفورنيا وإيطاليا وإسبانيا وعدة دكاكين لبيع البوظة (آيس كريم أو الجيلاتي) والسكاكر والشوكولاته والبهارات. وتعثر في ما يسمونها «جزيرة الذوق الرفيع»، وهي منطقة عالية تطل على البلدة وتجد فيها أكبر المحلات الشهيرة الراقية مثل «نيمان ماركوس» وكذلك الفنادق الممتازة ذات الـ5 نجوم مثل «آيلاند أوتيل».
تابعنا الرحلة إلى «كورونا ديل مار»، واكتشفنا أنها جوهرة صغيرة على شاطئ المحيط الهادي للتمتع بالسباحة والشمس الصافية، ثم شعرنا حين اقتربنا من بلدة لاغونا بيتش بأننا أمام شيء غير اعتيادي يزخر بالجمال والأناقة ونمط المعيشة الفاخرة، وعدنا الأدراج إلى نيوبورت بيتش لكننا توقفنا قبل الوصول إليها في مطعم مكسيكي بديع يدعى «خافيير».
* اطلب وتمنَّ
أسلوب الطبخ المكسيكي غني وحافل ومتنوع، وفيه كل ما تطلب وتتمنى من المقبلات والأسماك واللحوم والبقول والخضار والفواكه الاستوائية اللذيذة، ويعتبر مع مطبخ بيرو من أشهى مطابخ أميركا اللاتينية والعالم. ولا ننسى أننا تعرفنا على الطماطم والذرة والشوكولاته بعد اكتشاف القارة الأميركية ووصول الفاتحين الإسبان إلى المكسيك قبل أكثر من 500 عام، والتي كانت تقطنها شعوب المايا والازيتيك القديمة.
مطبخ العاصمة مدينة المكسيك وبويبلا وغواناخواتو في الوسط وواخاكا ويوكاتان في الجنوب أغنى طريقة تحضير الوجبات ومكوناتها، فاكتشف العالم وجود ما يقرب من مائة نوع من فصائل الفلفل الأحمر الحار. تتأثر المناطق المجاورة للمكسيك في جنوب كاليفورنيا بالمآكل المكسيكية ولا غرو، لأن كاليفورنيا كانت جزءا من المكسيك حتى خسارتها قبل 167 عاما. يمتاز مطبخ الجنوب المكسيكي بالمنتجات القديمة مثل الذرة والفول الأسود واليقطين والبرتقال الحامض، ودخلت فيه التأثيرات الأوروبية والعربية لكثرة المهاجرين من تلك البلاد. الأطباق حريفة وحارة مليئة بالتوابل وذات طعم ليموني قارس. ومن الأكلات التقليدية الغريبة الأرز بالحليب والحمص والأناناس، والجراد المقلي مع الفلفل الأحمر الحار والليمون الأخضر (لايم) والثوم والبصل، والدجاج الممزق طوليا مع الطماطم والملفوف والبصل الصغير المكبوس وثمرة الأفوكادو. يشتهر مطبخ بوبيلا بخليط من عدة أنواع من الفلفل الحار والشوكولاته المرة، لأن سكان المكسيك القدامى لم يعرفوا السكر قبل مجيء الفاتح الإسباني، لذا كانت الشوكولاته نوعا من البهارات الثمينة بالنسبة لهم.
يمكنك الاستمتاع بكل هذه المآكل المتنوعة من 30 ولاية في المكسيك في مطعم «خافيير»، فهو مطعم فخم كبير له فروع في لاس فيغاس وعاصمة المكسيك. في نيوبورت بيتش يطل المطعم على المحيط الهادي ويتسع لـ290 شخصا، ويعمل فيه نحو 200 طاه ونادل وخادم منذ افتتاحه عام 1995. الديكور فيه من الطراز الأول ومستوحى من الفن المكسيكي، ويجمع ألوانا من الفنون مثل الخزف والزجاج والأثاث الخشبي والأواني الفخارية من مدينة وادالاهارا (وادي الحجارة) المكسيكية وأشغال المعادن والمنسوجات و4 آلاف مسمار للتزيين ومئات الحبال لإعطاء الرونق المناسب لصالات الطعام. تشمل وجباته أغلب المناطق المكسيكية من الأسماك الطازجة واللحوم الطرية المنتقاة، لأن غذاء البقر مقصور على الذرة، والقريدس (الجمبري أو الروبيان) المكسيكي الأبيض النادر. تناولت قطعة من اللحم المطهو بمزيج من التوابل والفلفل الحار والشوكولاته المرة لذا كان لون الصلصة داكنا وطعمها لذيذا وشهيا وغريبا، ويسمون الصحن «اللحم الأسود». أي باختصار خضت تجربة طعامية جديدة مبتكرة وكأنني انتقلت إلى المكسيك. التفتّ بعدها لقراءة شعار المطعم المكتوب بالإيطالية والذي يقول «من يأكل جيدا يعيش جيدا».