الفراغ الرئاسي يكبّل عمل مجلس النواب اللبناني عامًا كاملاً
الوسط - المحرر السياسي
فشل البرلمان اللبناني الممدد لنفسه مرتين، بحجة «الظروف القاهرة»، وخوفًا على الأمن والاستقرار من بعده، طوال عام كامل، في إتمام مهمته بانتخاب رئيس جديد للبلاد، لا بل تجلى مشهد التعطيل والفراغ الذي أرخاه شغور سدة الرئاسة بأوضح معالمه في قاعات مجلس النواب التي ظلّت فارغة معظم أيام السنة، بعد تعذر استكمال العمل التشريعي لتمسك الكتل المسيحية بما تقول، إنه «مبدأ عدم وجوب التشريع في ظل عدم وجود رئيس للبلاد، وفق ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اليوم الإثنين ( 25 مايو/ أيار2015).
وانعقدت الهيئة العامة للمجلس مرة واحدة فقط منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، تحت شعار «تشريع الضرورة»، إلا أن هذا الشعار ما لبث أن سقط مع توافق معظم الكتل المسيحية على وجوب عدم التشريع إلا في حالات الضرورة القصوى، احترامًا لموقع الرئاسة، ولكي تنصب كل الاهتمامات والجهود لإيجاد مخارج ملائمة للأزمة الرئاسية.
ولم ينجح «مايسترو» اللعبة السياسية في لبنان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حتى الساعة، في انتشال مجلسه من دوامة التعطيل لتمسكه بوجوب تأمين «ميثاقية» أي جلسة قد يدعو إليها، بإشارة إلى وجوب مشاركة كل المكونات الطائفية فيها، حتى إن استياء بري من المنحى الذي اتخذته الأمور دفعه أخيرًا باتجاه التهديد بحل البرلمان، معتبرًا أن «الدستور يبيح حلّه، في حال امتناعه عن الاجتماع طوال عقد عادي كامل، من دون عذر أو سبب قاهر». وأشار إلى أن «عدم انعقاد المجلس في الفترة المتبقية من العقد الحالي سيدفعه إلى دعوة رئيس الجمهورية الجديد، فور انتخابه، وخلال تهنئته له للطلب من مجلس الوزراء اتخاذ قرار بحل مجلس النواب، وفق الآلية التي يلحظها الدستور».
وبالإضافة إلى فشله بعمله التشريعي، فشل البرلمان اللبناني بالمهمة الأبرز الموكلة إليه لجهة انتخاب رئيس للبلاد، ما أدّى لارتفاع الأصوات المطالبة بانتخاب رئيس مباشرة من الشعب. ولم تلب معظم كتل قوى 8 آذار وعلى رأسها كتلتا حزب الله و«التغيير والإصلاح» 23 دعوة وجهها بري لجلسات نيابية متتالية لانتخاب رئيس، مطالبة بالتوافق على اسم الرئيس قبل التوجه إلى البرلمان لانتخابه. ونتيجة توازن الرعب القائم بين طرفي الصراع في لبنان وامتلاك فريق 8 آذار 57 نائبًا، وفريق 14 آذار 54 نائبًا، ووجود كتلة وسطية مؤلفة من 11 نائبًا ينضوون بإطار كتلة النائب جنبلاط و6 مستقلين، وبما أن الدستور اللبناني ينص على وجوب حصول المرشح على 65 صوتًا على الأقل في دورات الاقتراع الثانية وما بعد، فإن اشتراط حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتأمين النصاب القانوني لانعقاد جلسة لانتخاب الرئيس، جعل الطرفين قادرين على التعطيل، من دون قدرة أي منهما على تأمين أصوات 65 نائبًا لصالحه.
ويقتصر عمل مجلس النواب حاليًا، على بعض الجلسات التي تعقدها اللجان النيابية المختلفة للنظر في اقتراحات قوانين يطرحها النواب وفي مشاريع القوانين المحالة من الحكومة، علما بأن 33 مشروعًا واقتراح قانون انتهت اللجان من دراستها لا تزال مجمّدة بانتظار انعقاد الهيئة العامة لإقرارها.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس لجنة حقوق الإنسان، عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ميشال موسى، إلى أن «اللجان النيابية تمارس عملها كالمعتاد وهي تنتظر حاليًا أن تحيل إليها الحكومة الموازنة العامة لدراستها»، لافتا إلى أن «المشكلة الحقيقية تكمن في تعذر عقد جلسة تشريعية».
وأشار موسى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شغور سدة الرئاسة «خلق إرباكًا انعكس تلقائيًا على عمل مجلس النواب وعلى انعقاد الهيئة العامة»، مؤكدًا «حرص الرئيس بري على ميثاقية أي جلسة يدعو إليها، علما بأنّه كان ولا يزال يسعى لتهيئة الأجواء اللازمة لعقد جلسة قبل انتهاء العقد العادي للمجلس نهاية الشهر الحالي».
ولا يمكن لمجلس النواب أن ينعقد بعد نهاية الشهر الحالي إلا بدعوة من الحكومة لعقد جلسة استثنائية، ما سيزيد الأمور تعقيدًا، وبالتالي يجعل إمكانية البت بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي ينتظرها المواطن بفارغ الصبر غير متاحة.
ومن أبرز الملفات العالقة في اللجان النيابية، موضوع قانون الانتخاب الذي من المفترض أن تجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة، باعتبار أن مجلس النواب اللبناني كان قد أقر في يونيو (حزيران) الماضي قانونًا يمدد ولايته لمدة 17 شهرًا إضافيًا تنتهي في 20 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2014. وردّ النواب الذين وافقوا على قانون التمديد الأسباب إلى «ظروف قاهرة»، بسبب عدم التوافق على قانون للانتخاب، ولأن قانون الانتخابات الحالي (المعروف باسم قانون الستين) لا يحظى بتأييد معظم الكتل النيابية التي تعتبره لا يؤمن تمثيلاً صحيحًا لمختلف الطوائف.
وأشار موسى إلى أن اللجنة النيابية الموكلة بدراسة المشاريع المقدمة بما يتعلق بقانون الانتخاب «لم تنجح حتى الساعة في مهمتها، نظرًا للتباينات الكبيرة بين الفرقاء والذين يتمسك قسم كبير منهم بوجوب أن يكون هناك رئيس للبلاد يعطي رأيه بقانون الانتخاب ويطعن به إذا لم يجده مناسبًا». وأضاف: «لكن الرئيس بري جاهز متى اتفق الفرقاء على قانون موحد لعقد جلسة لإقراره حتى في ظل غياب الرئيس، إذا ما كان ذلك يحل الأزمة السياسية القائمة».
وقد توافقت هيئة مكتب المجلس في الأشهر الماضية على 7 بنود تم إدراجها على جدول أعمال أي جلسة يدعو إليها بري تحت شعار «تشريع الضرورة»، وترتبط هذه البنود بملفات مالية لجهة قروض خارجية للبنان يتوجب إقرارها ضمن مهلة محددة، ما يُهدد بخسارة لبنان اتفاقات مع الخارج تتجاوز قيمتها المليار دولار. كما تتعلق البنود الـ7 بمواضيع تنموية وبسلامة الغذاء، إضافة لملف تسليح الجيش.