الضغوط على الأسد قد تجعله بحاجة إلى أصدقائه أكثر من أي وقت مضى
جبال القلمون (سوريا) - رويترز
عندما شاركت جماعة حزب الله اللبنانية للمرة الأولى في الحرب السورية إلى جانب الرئيس السوري بشار الاسد كان دورها طي الكتمان. وفيما تغرس الجماعة اليوم علمها على أرض استعيدت من مقاتلي المعارضة السورية شمالي دمشق فربما لم يعد هناك متسع أكثر من ذلك للإعلان عن دور حزب الله.
وبالنسبة للرئيس السوري الذي يواجه ضغوطا متزايدة من أعدائه أصبحت مساعدة حزب الله حيوية أكثر من أي وقت مضى.
في الإسبوع الماضي أطلقت الجماعة المدعومة من إيران ترسانتها القوية لدفع مقاتلي المعارضة إلى خارج مناطق واسعة من سلسلة جبال القلمون الواقعة على مسافة قريبة بالسيارة من مركز قوة الأسد في دمشق.
وقال قائد العملية من حزب الله خلال جولة لصحفيين في الموقع يوم الجمعة بينما عشرات المقاتلين في زي مموه يمشطون المنطقة الجرداء "لقد حررنا حوالي 300 كيلومتر مربع بين لبنان وسوريا."
وأضاف فيما العلم الأصفر يرفرف على قمم التلال القريبة التي استعيدت من مقاتلين نسبوا إلى جبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا "عملية تطهير المنطقة تستغرق وقتا لأن هناك الكثير من الالغام."
وتعد هذه العملية المشتركة مع الجيش السوري التي كانت تنتظر إنتهاء فصل الشتاء إحدى النقاط المضيئة للرئيس السوري. وعلى مدى الشهرين المنصرمين فقد الأسد السيطرة على المزيد من مناطق بلاده في الحرب مع جماعات عديدة منها تنظيم الدولة الإسلامية الذي يحقق تقدما أيضا في العراق المجاور.
وتمثل هذه الفترة واحدة من أصعب الفترات بالنسبة للأسد منذ السنة الأولى أو الثانية للصراع الذي أدت إليه انتفاضة ضد حكمه خلال "الربيع العربي" عام 2011 .
فقد خسر مناطق كبيرة في محافظة إدلب لصالح تحالف مقاتلين من الاسلاميين السنة الذين يفترض على نطاق واسع أنهم تلقوا مزيدا من الدعم من المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر وهي دول بالمنطقة تريد خروج الأسد من السلطة.
واقترب المقاتلون المتشددون بدرجة خطرة من المناطق الساحلية في الشمال الغربي حيث معقل الأقلية العلوية التي ينتمي اليها الاسد. ويرسل الجيش السوري والجماعات المسلحة المتحالفة معه تعزيزات للتصدي للمقاتلين.
وفي الجنوب خسر أيضا أراضي لصالح مقاتلين -بينهم جماعات معارضة رئيسية- أثبتوا أنهم أكثر كفاءة وتنظيما.
وفي نفس الوقت زاد مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية الضغط عبر مهاجمة مناطق تسيطر عليها الحكومة في وسط سوريا. ووقع أحدث هجوم لهم على منطقة تدمر التاريخية.
*حزب الله يحارب في مناطق جديدة
وأشار ضابط أمريكي كبير في الثامن من مايو آيار إلى أن "اتجاه الوضع يبدو أقل ميلا في صالح النظام". وقال إنه لو كان محل الاسد لفكر في الذهاب الى طاولة المفاوضات.
لكن لا يبدو أن الانتكاسات فرضت تغييرا في الاستراتيجية من جانب الأسد أو أهم حلفائه إيران وروسيا.
واستثمرت ايران الشيعية كثيرا في هذا الصراع الذي يمثل نقطة محورية في صراعها مع المملكة العربية السعودية السنية. ويبدو التصميم الإيراني قويا مثلما كان دوما.
وفي الخامس من مايو ايار قال حسن نصر الله زعيم جماعة حزب الله التي أنشأها الحرس الثوري الايراني عام 1982 إن الحزب يقاتل اليوم في أماكن في سوريا لم تكن له قوات فيها من قبل.
ويقول الصحفي والمحلل اللبناني سالم زهران المقرب من الجماعة إن هذه المناطق الجديدة تشمل محافظة إدلب الشمالية الغربية حيث خسر الاسد مدينة بكاملها أواخر مارس آذار. ويقول الاسد إن الدعم التركي للمسلحين شكل العامل الأبرز في سقوط مدينة ادلب عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الاسم.
وقال زهران إن دمشق ردت "بالاستعانة بأصدقائها أكثر" مضيفا أن "النظام السوري أصبح منخرطا بشكل تام في خيار أن يكون شريكا مع حزب الله."
وخلال تغطية التلفزيون السوري الرسمي للقتال في القلمون ذكر للمرة الأولى دور حزب الله في الحرب.
ومن إيران صدرت تصريحات جديدة تعبر عن الدعم لدمشق. واغتنم مسؤول ايراني كبير فرصة زيارته إلى دمشق الأسبوع الماضي لشن هجوم عنيف على المملكة العربية السعودية. وساعدت تقارير عن دعم مالي إيراني جديد في تعزيز الليرة السورية التي انخفضت إلى مستويات قياسية بعد سقوط إدلب.
واستقبل الأسد مسؤولا إيرانيا آخر اليوم الاثنين لبحث العلاقات الاقتصادية الثنائية.
وقال رستم قاسمي رئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية إن ايران "لن تدخر أي جهد في المجال الاقتصادي يمكن السوريين من تعزيز قوتهم" حسبما ذكرته الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا).
وتشكل الحرب السورية ضغطا على كل من إيران وحزب الله إذ أنفقت طهران المليارات لدعم الأسد عسكريا واقتصاديا. وأما حزب الله الذي تصل قوته القتالية إلى عدة آلاف فانه يخسر مقاتلين يلقون حتفهم في سوريا. وقالت الجماعة ان 13 مقاتلا قتلوا في القلمون.
*مقاتلو المعارضة يخططون لهجوم في حلب
وبالنسبة إلى مناهضي الاسد يمثل الدعم من ايران وحزب الله دليلا على ضعفه وليس على قوته. ويقولون إنه فقد السيطرة لصالح حلفائه أو على الأقل يبدو دوما أكثر إعتمادا عليهم.
وتقول تقارير للمعارضة إن الانقسامات بشأن مدى التأثير الايراني على القتال في جنوب سوريا في وقت سابق هذا العام أدت إلى انهاء حياة المسؤول السوري رستم غزالي الذي جرى الاعلان في إبريل نيسان عن وفاته في ظروف غامضة.
ورفضت مصادر مقربة من الحكومة فكرة وجود أي خلافات بشأن الاستراتيجية في الادارة السورية واعتبرتها هراء. وقالت المصادر إن السلطة لا زالت تتركز في أيدي الاسد.
وقال عصام الريس الناطق الرسمي باسم ائتلاف "الجبهة الجنوبية" لجماعات معارضة رئيسية في جنوب سوريا إن معركتهم الآن ضد النفوذ الايراني.
وأضاف أنهم يتوقعون المزيد من تقدم مقاتلي المعارضة لكن لا يمكنهم أن ينسوا ان الجماعات المسلحة التي تدعم الاسد لم تتخل عنه.
وفي الشمال أنشأ ائتلاف جماعات المعارضة الذي نجح في الاستيلاء على مدينة ادلب وبلدة جسر الشغور القريبة غرفة عمليات مشتركة تهدف إلى الاستيلاء على الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة في حلب.
ويعتبر هذا تحولا مثيرا في اتجاه الرياح بالمقارنة بالوضع في فبراير شباط حين شن الجيش السوري وحلفاؤه هجوما كبيرا لتطويق الجزء الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة في المدينة المقسمة.
ولا يبدو أن الجيش السوري وحلفاءه يحققون تقدما سريعا في استعادة المناطق التي خسروها في إدلب. ويقول دبلوماسيون إن مقاتلي المعارضة في الشمال يمتلكون فيما يبدو كميات أكبر من الأسلحة المضادة للدبابات.
ويوجد مقاتلون أجانب على كلا الجانبين. وهناك مقاتلون من اسيا الوسطى ضمن المتشددين الأجانب الذين يقاتلون ضد حكومة الاسد التي تحظى بميزة حيوية لأنها ما زالت تسيطر على المجال الجوي.
ويقول زهران إن أولوية الاسد هي تأمين دمشق "ومن ثم ريف دمشق وثم حلب... لأن النظام يشعر بأن الأتراك يتحدثون جديا عن السيطرة على حلب"
وأضاف "النظام يشعر بأن إدلب ليست هي الهدف ولكن جسر للوصول إلى حلب."
وربما استغل الأسد فعلا الأزمة لحشد بعض الدعم الخارجي. وقال دبلوماسي غربي "يبدو أن محاولة النظام للحفاظ على تماسك التحالف وراء الأسد جاءت ببعض الثمار المرجوة."
لكن لا يبدو ان الاسد قادر على إقناع حكومات غربية بما فيها الولايات المتحدة بوجوب التعامل معه كشريك في القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية. ونفذت قوات امريكية خاصة غارة ضد التنظيم المتشدد في شرق سوريا دون استشارة دمشق.