احتجاز الشيخ علي سلمان
قبل عقدين من الزمن، كان الشيخ علي سلمان، متهماً بتهم عديدة، وعلى اثر ذلك تعرّض منزله في البلاد القديم في (5 ديسمبر/ كانون الأول 1994)، إلى التفتيش عن أدلة وبراهين قد تدينه بتهمة التحريض على العنف وتحريك الشارع، قبل أن يجري اعتقاله في مبنى القلعة. حينها اندلعت مظاهرات واشتعلت ما سُمي لاحقا «انتفاضة التسعينات».
بعد ذلك، في (15 يناير/ كانون الثاني 1995)، تم إبعاده بشكل قسري مع رفيقيه الشيخ حمزة الديري والسيد حيدر الستري، إلى دولة الإمارات، ومن هناك ارتحلوا إلى لندن وحصلوا على حق اللجوء السياسي.
عاد سلمان إلى البحرين في العام 2001 بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني، وبعد أن ساهم قادة المعارضة في السجن وفي الداخل في إنجاح التصويت بنسبة فاقت 98 في المئة. وفي ظل الانفتاح السياسي، تحوّلت البحرين من دولة المراقبة الأمنية إلى مملكة في العام 2002، ورأت الجهات الرسمية في سلمان وجمعية «الوفاق» أنهم يمثلون الاتجاه المعتدل والأكثر شعبية في الوسط الشيعي.
وفي تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية الصادرة في لندن (18 مارس/ آذار 2002)، قبيل عودته إلى البحرين، قال إن «عودته إلى الوطن تأتي بعد التغيرات الجديدة، التي تعيشها البلاد في ظل أجواء الانفتاح السياسي التي تمكن المجتمع البحريني برمته من المساهمة العملية والجدية في بناء الوطن، وأنه يرغب في رؤية البحرين بعد هذا التغيير منطقة إشعاع فكري وحضاري للوطن العربي؛ وأن تقدم البحرين نموذجاً متحضراً للتعايش بين مختلف الطوائف والتيارات السياسية ذات المشارب المختلفة، وهناك آمال كبيرة وطموحات أكبر في السير بالبلد نحو هذا الاتجاه». وتمنى من جميع الأطراف في الساحة البحرينية أن تكون بدرجة كافية من التنسيق والتفاعل مما يساعد في تسريع العملية الاصلاحية.
إلى هذا الحد كان الشيخ علي سلمان متفائلاً بمستقبل مشرق للبحرين في ظل عملية الانفتاح السياسي، الذي بعث الأمل لجميع المواطنين، بعد حقبة معتمة من القمع والتهميش والتمييز، ومتخطياً كل مسائل الطائفية والعقائدية والتفرد بالرأي والجنوح إلى العنف. وقدّم براهين على انفتاحه على الآخر المختلف، حتى لو كان النقيض أو العدو المفترض. وليست هناك أية شكوك بالمطلق في ذلك الأمر، حيث وقف الشيخ علي سلمان مواقف أخوية حميمية وشفافة مع السلطة رغم اختلافه معها.
وفي مقابلة صحافية أخرى مع مجلة «الشاهد السياسي» الصادرة في لندن (12ـ 18 أكتوبر/ تشرين الأول 1997) تحدث الشيخ علي سلمان، بنفس الروح السلمية، التي تنبذ التعصب الطائفي والعقائدي وممارسة العنف بأنواعه المختلفة، ورفض الدعوة إلى قيام دولة إسلامية شيعية، بل الحرص دائماً على مبدأ التسامح وتعزيز الوحدة الوطنية والأخوة والمصير الواحد المشترك بين جميع أبناء البحرين. ومن المفيد جداً في هذا الوقت بالذات، أن نورد بعض ما جاء في نص هذه المقابلة الصحافية من أسئلة وأجوبة تهم الجميع:
-»الشاهد السياسي»: أنتم متهمون بأنكم تغلفون مطالبكم لإقامة دولة شيعية في البحرين في الأغلفة الديمقراطية الغربية وحقوق الإنسان التي ترفعونها، لكن مطالبكم في الواقع هو إقامة الدولة الشيعية وإعادة البحرين إلى الدولة الأم (...)؟
ـ سلمان: نحن لدينا طرح تغيير تدريجي واضح من خلال الأساليب التي اتخذناها والشعارات. هذا التغيير التدريجي نأمل أن يصل مع الأيام إلى تطور النظام السياسي وإلى رؤية تتناسب مع معتقدات الناس ومع انتماءات الناس، وأنا لا أدعو إلى دولة شيعية في البحرين بل أدعو إلى دولة عربية إسلامية.
ـ «الشاهد السياسي»: تكرّرون معللين إعادة البرلمان وإطلاق سراح المعتقلين، لكن نرى صورتكم في الإعلام العربي هي أنكم إرهابيون وقتلة أبرياء؟
ـ سلمان: ... رفعنا عريضة تحمل 20 ألف توقيع للتعبير (العريضة الشعبية).
ـ «الشاهد السياسي»: أنت كشيخ إسلامي شيعي، كيف يمكن تحقيق الصلح الاجتماعي في البحرين؟
ـ سلمان: «يتحقق الصلح الاجتماعي بتحقيق الكرامة وحرية التعبير والمشاركة في الحكم ببساطة، هذه ليست مطالب كبرى ولا نطالب بدولة إسلامية.
وهذا يفسر بالضبط في كل المفاصل، رفض سلمان استخدام وسائل القوة والعنف في مسألة طرح المطالب الوطنية المشروعة، أو الرغبة في الوصول إلى السلطة بواسطتها، أو أن يكون هناك خلاف طائفي أو عقائدي مع المكونات المجتمعية والسياسية الأخرى في البحرين. وهو رفضٌ كان بمثابة فشل لجميع الأصوات التي كانت دائماً تتهمه بالطائفية والسعي لإقامة دولة إسلامية شيعية في البحرين؛ ونجاحٌ لرؤية المعارضة المعتدلة وبأنه لا يمكن أن ينجر وراء الاستفزازات والمواقف المتشددة في نيل المطالب الشعبية المحقة والعادلة.
لقد تعرفت على سلمان لأول مرة في المؤتمر الصحافي الذي عقد في لندن بمناسبة وصوله إليها في يناير 1995، وقد كرّس الجزء الأساسي من حديثه للرد على الحملات التي ظلت تسوقها وسائل إعلامية، وكان من أبرزها الزعم بأن الانتفاضة الدستورية هي حركة تمرد طائفية شيعية. لكن سلمان، في الفترة نفسها، كان ينشط مع الإسلاميين والوطنيين في حركة مطلبية شعبية واسعة النطاق، من أجل عودة الحياة البرلمانية المعطّلة منذ ربع قرن آنذاك، وتفعيل المواد الحيوية المجمدة من دستور البحرين للعام 1973 وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في سجون البلاد، وعودة جميع المبعدين والمنفيين ومن اضطرتهم ظروف البقاء في الخارج، وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع. وتمثل ذلك في العريضة الشعبية التي طرحت للتوقيع العام في أكتوبر 1994، وكانت تعتبر خطوة جريئة جداً تصدّرتها آنذاك القيادات الاسلامية والوطنية.
ومنذ نضال الحقبة التسعينية، حتى اللحظات الأخيرة، التي أودع فيها سلمان السجن مرةً أخرى في ديسمبر 2014 (بعد عشرين عاماً) بتهم لا تتسق مع شخصية وتاريخ شخصية معروفة محلياً وعالمياً.