الغريفي: تخسر الحراكات الشعبية حينما تنزع سلميتها وتجنح إلى اعتماد العنف والتطرف
الدراز - محرر الشئون المحلية
قطع السيد عبدالله الغريفي في خطبته أمس الجمعة (19 ديسمبر/ كانون الأول 2014) بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، بأن «الحراكات الشعبية تخسر حينما تنزع سلميتها، وحينما تجنح إلى اعتماد العنف والتطرف، ولن تقوى أن تحقق أي انتصار في معركة الحقوق».
وشدد الغريفي أن «الانتصار هو الإصرار على استمرار الحراك وإن طال الطريق، وكذلك الإصرار على سلمية الحراك وإن بهظت الأثمان».
وفي معرض خطبته تحدث الغريفي عن «العبادة»، وقال: «يفهم الناس العبادة صلاةً، وصياماً، وحجاً وعمرةً، واعتكافاً، وذكراً، ودعاءً، وتلاوةً، وزكاةً، وخمساً، وصدقةً، لا شك أن هذا كله عبادة، متى توفرت شروطها، وهي العبادة في معناها الخاص ولها قيمتها الكبيرة الكبيرة، إلا أن العبادة لها معنى عام يتسع لكل ما يقرب العبد إلى الله، في أي مساحة من مساحات الحياة الفردية والاجتماعية، متى ما انطلق الإنسان بالعمل قاصدًا وجه الله، فالعبادة ليس موقعها المسجد فقط، بل كل مواقع الحياة».
وشدد الغريفي على ضرورة أن «يتوفر الإنسان على بصيرة دينية تعرفه ما يقربه إلى الله وإلا انحرف المسار وابتعد عن الله، وهو يظن أنه يقترب من الله، ومن هنا نفهم الحديث (العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده كثرة السير إلا بعداً)».
وقال الغريفي: «إن الخوارج في التاريخ نموذج للعاملين على غير بصيرة، هم من العباد، ومن أصحاب الجباه السود، ومن قراء القرآن، لكنهم يكفرون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأعلنوا الحرب ضده، وقاتلوه، وكفروه وهو (ميزان الحق) حسب ما جاء عن الرسول (ص)، التكفيريون الجدد في هذا العصر هم أيضاً نموذج لمن لا يملكون بصيرة الدين، فيذبحون، ويسفكون الدماء، ويهتكون الأعراض، ويعبثون بكل القيم، يمارسون ذلك باسم الدين، والدين منهم براء، ويمكن القول - وهذا هو الرأي الراجح - أن هؤلاء ليسوا جهلة بالدين، إنما تم إنتاجهم من قبل أعداء الإسلام لكي يقدموا نموذجاً مشوهاً للدين، إذاً يجب أن يتوفر الإنسان على بصيرة في الدين حتى لا ينزلق في المسارات التائهة، وحتى لا يكون أداةً لتشويه الدين».
وعرض الغريفي في خطبته بعض تطبيقات العبادة في معاناها الأوسع، وأوضح أن «التطبيق الأول يتمثل في جلسة لمدة دقائق، فيها تفكر وتدبر، وتأمل في خلق الله، في السموات والأرض، في الشمس والقمر، في الأشجار والأزهار والنباتات، في البحار والأنهار، في الإنسان، والطير والحيوان، في الماء والهواء، والليل والنهار، في عجائب صنع الله، هذه الجلسة لمدة عشر دقائق، ربع ساعة، نصف ساعة، تعادل عند الله عبادة سنة».
وأضاف «أما التطبيق الثاني فيتمثل في التفقه في الدين، إن هذا العطاء الكبير لجلسة تعلم وتفقه في الدين، يتحقق لمن تكون هذه الجلسة قد صاغت عقله وقلبه وسلوكه، أما التطبيق الثالث فيتمثل في الأهمية الكبرى لتسهيل حركة الناس في الطرق والشوارع، وتشدد هذه النصوص على شجب أي شكل من أشكال الإعاقة لهذه الحركة، ففي الناس مرضى، وعجزة، وضعفاء، وأصحاب أعمال ووظائف، وفيهم قاصدو المساجد والحسينيات والمدارس، والحوزات، والفعاليات وفيهم من تضغط عليهم مهام وحاجات، ونظرًا لخطورة هذا الإزعاج والإيذاء جاءت الأحاديث الصادرة عن النبي (ص) وعن الأئمة مؤكدة أن إزالة كل المعوقات وما يشكل أذى للناس في الطرقات هو من أفضل القربات إلى الله تعالى ومن أفضل العبادات، أما التطبيق الرابع فيتمثل في عيادة المرضى والتطبيق الخامس يتمثل في تصافح الأرواح قبل الأجساد، وأن تبتسم القلوب قبل الشفاه، ويركز التطبيق السادس على العلاقة الزوجية».
وخلص الغريفي إلى أن «العبادة لها امتداداتها في كل مواقع الحياة، فيمكن أن يكون الإنسان المسلم عابدًا وهو في المسجد، في البيت، في الشارع، في العمل، في الدراسة، وغيرها من المواقع».
وتساءل الغريفي «هل يمكن أن يتحول العمل السياسي إلى ممارسة عبادية؟، قالوا: السياسة تلوث وقذارة فكيف يمكن أن تتحول إلى عبادة وطهارة؟ وقالوا: لا سياسة في الإسلام، وشنوا حرباً على ما أسموه الإسلام السياسي».
وأشار الغريفي أن «من العمل السياسي ما يكون في غاية التلوث والقذارة كالعمل السياسي الذي يكرس الظلم والفساد والعبث بمقدرات الشعوب، والعمل السياسي الذي يساند ويدعم الظلم والفساد، والعمل السياسي الذي يتاجر بالشعارات من أجل تضليل الجماهير، ومن العمل السياسي ما يكون فاشلًا، وإن لم يكن سيئاً، كالعمل الذي لا يملك رشداً سياسياً أو لا يملك قدرات التحرك «فاقداً للقاعدة الشعبية مثلًا»، ومن العمل السياسي ما يكون في غاية النظافة والطهر، فيرتقي إلى مستوى «العمل العبادي والجهادي»، منطلقاته وأهدافه مشروعة «إصلاح وتغيير ومحاربة ظلم وفساد»، يملك بصيرة دينية ورشداً سياسياً، يملك قدرات التحرك، أدواته مشروعة، فلا ينزع إلى العنف والإرهاب والتطرف، مهما كانت المبررات والحسابات، بل يصر على اعتماد الأساليب السلمية، وعلى تطوير هذه الأساليب، بما يحقق له أهدافه المشروعة، فالإصرار على اعتماد الأساليب السلمية هو الخيار الأصلح، والقادر على تجذير المطالب العادلة، وإعطائها حضورًا أقوى، وصدقية أكبر، فيجب الحفاظ على النهج السلمي، لكي لا تتحرك محاولات الاغتيال والتي تنال من مشروعية الحراكات المطلبية، في زحمة الخطابات التحريضية المضادة، الباحثة عن أي مبرر من أجل إسقاط الحراكات السياسية الرشيدة، ومن أجل إلصاق التهم بها، ولا يصغى إلى المقولات التي تبرر لرفض السلمية، بأن استمرار الخيارات السلمية في حراكات الشعب يغري أنظمة الحكم بمزيد من القمع والبطش والفتك ضد هذه الحراكات، الأمر ليس كذلك».
وتابع قائلاً: «صحيح إن أنظمة الحكم - في الغالب - تعتمد أساليب القمع والبطش ضد حراكات الشعوب، حتى لو أصرت هذه الحراكات على اعتماد النهج السلمي... غير أن الإصرار على السلمية في حراكات الشعوب يحرج أنظمة الحكم ويضعها أمام المساءلات الدولية، ويسقط كل الذرائع الموهومة».
وشدد على أنه «تخسر الحراكات الشعبية حينما تنزع سلميتها، وحينما تجنح إلى اعتماد العنف والتطرف، ولن تقوى أن تحقق أي انتصار في معركة الحقوق، الانتصار هو الإصرار على استمرار الحراك وإن طال الطريق، وكذلك الإصرار على سلمية الحراك وإن بهظت الأثمان، وفي الوقت الذي نرفض أي نزوع نحو العنف لدى الحراكات الشعبية، فإننا نحمل أنظمة الحكم والتي تصر على اعتماد الخيارات الأمنية المفرطة والباطشة، نحملها المسئولية في وجود ردود فعل عنيفة متطرفة، وهذا لا يعني أننا نعطي المبرر لتلك النزوعات العنيفة والمتطرفة، فهي نزوعات مشجوبة ومدانة ومرفوضة كونها تهدد الأوطان وتزرع الدمار في البلدان، وإن الجنوح نحو العنف سواء من أنظمة الحكم أو من أي موقع آخر لا يزيد الأمور إلا تعقيداً وتأزيماً وتوتراً، وإن كانت المسئولية كل المسئولية تتحملها بالدرجة الأولى سياسات الأنظمة الحاكمة، فتخفيف معاناة الشعوب، وآلامها وقلقها، وأزماتها هو مسئولية الأنظمة، فهي تملك أدوات الإصلاح والتغيير وإقامة العدل، وإنصاف الشعوب، ونشر الأمن والأمان في الأوطان، المسألة في حاجة إلى حكمة، وإرادة، ومبادرات صادقة، وكلمات ناصحة، لا إلى انفعالات، وبطش، وإصرار على الخطأ، وإصغاء إلى لغة الشحن والتحريض والتخوين، فمتى يستيقظ العقل وتتحرك الإرادات الجادة، والمبادرات الخيرة من أجل إنقاذ الأوطان وحماية الإنسان، وزرع الأمان؟».
وتساءل الغريفي «متى يستيقظ الساسة ومتى تستيقظ ضمائرهم ليبحثوا عن أسباب الأزمات السياسية في أوطانهم، والتي هي من إنتاج السياسات الخاطئة والفاسدة، وبيدهم وحدهم القدرة على التغيير وإصلاح الأوضاع، وإنقاذ الشعوب من مآزق أثقلت هذه الشعوب وأرهقت حياتها، وملأتها بالعناءات والعذابات؟».