قاسم: حل الأزمة البحرينية داخلي مقياسه المواطنة... والحاجة له عاجلة
الدراز - محرر الشئون المحلية
شدد خطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز الشيخ عيسى قاسم، في خطبته أمس الجمعة (24 يناير / كانون الثاني 2014)، على أن حل الأزمة التي تعصف بالبحرين من 14 فبراير/ شباط 2014 «داخلي، والمقياس المواطنة، وحاجة الوطن للحل عاجلة، والمُعطل للحل الصحيح معادٍ للوطن».
وتحت عنوان «مشكلة البحرين بين الحل والاستمرار»، قال قاسم: «لو سألتَ أياً من الأطراف في هذا الوطن تريد حلاً لمشكلته أو لا تريد، لما تخلّف عن الإجابة بأنه يريد لمشكلة الوطن الحل، ولو سألتَ هل سيكون حلٌ أو ستستمر المشكلة إلى ما لا نهاية، لابد أن يكون الجواب أن لابد من نهاية للمشكلة، ولابد من حلٍ، ولا بقاء لحالٍ من الأحوال المتقلّبة على وضعه في الحياة».
وأضاف «وتَسألُ هل الحلُ بعيد أو قريب؟ ما سيكون بالضبط علمه عند الله، والصبر وطول النفس واستمرار المطالبة بالإصلاح بالطريقة السلمية وبعيداً عن اليأس وبكل جديةٍ وصدقٍ وإخلاصٍ وثقة بالله سبحانه وثباتٍ هو المهم، وإن لم يكن جزمٌ بقرب الحل إلا أن مقتضى أمرين مجتمعين هما الحق وضرورة الواقع هو ذلك، وأن يكون الحلُ عادلاً وكافياً».
وأوضح قاسم أنه «بالنسبة لقول الكلِّ بأنه يريد الحل لمشكلة الوطن يحتاج لموقفٍ عملي مصدّقٍ لقوله ومترجم له، ومعلومٌ جداً ويقيناً أنه ما تحرّك إنسان هذا الشعب وما بذل كل ما بذل وتكلّف كل ما تكلّف وعانى ما عانى وهو كثيرٌ وكثيرٌ من أجل أن يستمر السلب لحقه، ليس شيئاً عقلائياً أبداً، وأن يعطي الموافقة على تهميشه، ويقر وضعاً ظالماً شكا منه، وأقدم على تحمل ما تحمل من أجل تصحيحه وتقويمه تخلّصاً من أثره، ما تحرك هذا الإنسان ليعترف بأصحاب الامتيازات الظالمة على حسابه، ويعطيها مزيداً من التثبيت والتركيز، ويضفي عليها طابع الشرعية».
وذكر أن «كان تحرّك الناس هنا وكل جهادهم وضناهم من أجل أن ينهي العدلُ الظلم، ويطرد الصلاحُ الفساد، ويقوم الحقُ مكان الباطل، وتكون المساواة ويختفي التمييز، ولا يكاد يخلو وطن من عقليات لا يدخل في تفكيرها أن للآخرين حقاً يجب أن ينالوه، فقد لا ترى - أي تلك العقليات - الآخر أصلاً، وإذا رأته فهي لا تعترف له بحق، هناك صدورٌ تضيق أن يكون إنصافٌ ومساواة، ويُعترَف للآخر بإنسانيته ووطنيته وحقوق المواطنة المشتركة، وأن هذا الآخر شريكٌ مساوٍ تماماً في السلطة والثروة وسائر حقوق المواطنة على حدّ مسئوليته المشتركة مع أي طرفٍ ثانٍ في الواجبات المنبثقة منها، ولو أُخذ بما يذهب إليه هذا النهج من التفكير وما ترتاح إليه تلك الصدور لما انفتح طريقٌ أبداً إلى حل، ولفسد أمر كل المجتمعات المحكومة بهذا الاتجاه، وإذا حاول أصحاب هذه العقلية والصدور الضيّقة عن الآخر أن يرفعوا شعار الإصلاح لابد أن يُصاب خطابهم في هذا المجال بالارتباك، ويظهر عليه التهافت ويرتكب العجب ويوقع الآخرين ممن لا يعرفوا علّتهم في الحيرة».
وتساءل قاسم: «إذا جئنا لخطابٍ يُنكر على المحاصصة الطائفية لكنه يصر في الوقت نفسه على وضعٍ أقيم على هذه المحاصصة، فكيف يملك هذا الخطاب الانسجام؟، وكيف لخطابٍ يتعذّر بخصوصية التركيبة المحلية والوضع المألوف وهو طائفيٌ عن قبول مقياس المواطنة الجامع الذي يساوي بين الكلِّ من الطوائف والفئات والقوميات ثم يدّعي أنه يرفض مقياس الطائفية؟».
وبين «نقولُ لا أخذ بمقياس الطائفية ومحاصصتها، ولا تعدد للمقاييس، هناك قضيتان، قضية أن يكون المقياس طائفياً، وقضية أخرى أن يتعدد المقياس الذي يقام عليه الحل، نرفض الاثنين، نرفض مقياس الطائفية، ونرفض أن يكون هنا مقياس آخر، ولا تعدد للمقاييس لتمشية ما تريد أنتَ أو يريده الطرف الآخر، ما تريده أنت أو ما أريده أنا، في كل موارد الاختلاف وحسبما يخدمكَ أو يخدمني أو يخدم هذا المقياس أو ذلك المقياس، ليكن الأخذ بمقياسٍ واحد فيه مساواةٌ بين الجميع وهو مقياس المواطنة لا غير، وما هو بديل الأساس الثابت والمقياس الواحد لقضية الحل، وفي كل مساحات المشكل وجوانبه وانطباقاته أن يُطلب الحل بلا أساسٍ معتمد، أو أن يُعتمد أكثر من مقياس وأن يُترك لطرفٍ واحد أو لكل طرف أن يختار المقياس الذي يحقق مصلحته في هذا المورد ويتخلّى عنه لمقياسٍ آخر فيه خدمة غرضه في المورد الآخر».
ورأى قاسم أن «طلب الحل بلا أساس يُرجع إليه في تحديده والتوافق عليه عين الفوضى، وما هو إلا طلبٌ للنتيجة مع تجاوز مقدمتها وذلك لا يحصل، واعتماد أكثر من مقياسٍ ويُتركُ لطرفٍ واحد أو كل الأطراف حق الانتقائية في كل موردٍ من موارد الاختلاف رعاية للمصلحة الشخصية أو الفئوية أن يختار أي مقياسٍ يريد هو عين النزاع وتكريسٌ له وسدٌّ للباب عن الحل، ومفاد هذه التعددية أن نعطي بمن أعطيت له أن يقول كلُّ الحق لي، وكلُّ الربح لي وأنه لا شيء للآخر، وإذا صار كل طرفٍ إلى هذا القول صرنا إلى تأزّم الوضع وتعميق المشكل وصرنا في استمرارٍ في الابتعاد عن الحل».
وأوضح قاسم «حين نكون أمام واقع الاختلاف بين الحكومة والمعارضة وأي طرفٍ آخر في الحل، أو مقياس الحل، وضيّعنا كل مسلمات الحق والعدل والدين والقيم فلا مرجع للفصل في ذلك إلا كلمةُ الشعب ولا للاستمرار في النزاع، والشعبُ في مسألة الخلاف وحل المشكل هو المرجع وصاحب الكلمة الفصل في أي حلٍ حتى مع التوافق بين كل الأطراف».
وشدد على وجود «واقع ضاغط يتطلب إصلاحاً جدياً يتناسب مع ظروف المرحلة ومتطلباتها، ولا يمكن لأحدٍ أن يتجاهله، وإذا تجاهله فستجبره الظروف على أن يذعن لمقتضاها، والأجدر بالكل أن يسلّم للعدل الذي ألزم الله به عباده ويتخلّى عن العصبية وشهوة الاستئثار وظلم الآخر، وليكن المرفوض هو المحاصصة الطائفية وليس الإنصاف لهذه الطائفة أو تلك أو هذه الفئة أو الفئة الأخرى من طوائف وفئات هذا الشعب وفرقٌ واضحٌ بين هذا وذاك، ولا يمكن لأحدٍ أن يقول بأن اعتبار المواطنة مقياساً هضمٌ لطائفة أو لفئة لحساب أخرى، وهو مقياس نافٍ للمحاصصة الطائفية التي يرفع الجميع شعار الرفض لها».
وأشار إلى أن «شعار التوافق بين جميع الأطراف والحل التوافقي، وهو شعار آخر قد يطرحه البعض، لا يمكن تفعيله على الأرض من غير أرضية المقياس الواحد للحل والذي يعتمده الجميع ويرضون به، وإلا لم يكن توافقٌ وإنما هو إكراه، وليس في الإكراه حلّ، وفي الأخذ به عودةٌ لما كان منه الفرار، الشعب يفر من وضعية الإكراه، وهو يكره على معادلة ظالمة جائرة، فهل يعود إليها؟».
وشدد قاسم على أن «الحل داخلي، والمقياس المواطنة، وحاجةُ الوطن للحل عاجلة، والمُعطل للحل الصحيح معادٍ للوطن».
وعرج قاسم في خطبته للحديث عن المجلس الإسلامي العلمائي، وقال: «إن أي نطقٍ بحكمٍ ضد المجلس الإسلامي العلمائي لو حدث لا يمكن أن يطاله إلا مقراً وتجمعاً علمائياً في مقرٍ ثابت، أما هو كياناً علمياً إسلامياً في بلد الإسلام والإيمان، ودوراً رسالياً، ووظيفةً اجتماعيةً، وإصلاحاً فاعلاً ومسئولية، لابد للعلماء من تحمّلها، فلا يمكن أن يمسه إلغاء أو يطاله حكم، ولا يمكن لأحدٍ أبداً أن يلغي الدين من هذا البلد، ولا الوجود العلمائي الراسخ والواسع الذي ما فارق تاريخها، ولا يمكن تعطيل ممارسته مسئوليته المناطة به من ربه تبارك وتعالى ولو ارتكبت في هذا السبيل مليون محاولة».
وأكد قاسم أن «المجلس سيبقى فاعلاً ومؤثراً، وهادياً ومصلحاً، ضمّت العلماء غرفٌ وقاعاتٌ ثابتة أو لم تضمهم، ولن يأتي يوم أن يسكت صوتهم وصوت الشعب عن تضييع الحقوق ومنها حقهم في الدور الذي يتناسب مع حجمهم وحجم وظيفتهم وما عليه حاجة المجتمع إلى علمهم وكلمتهم».