رأى أن الإصلاح له إرهاصاته وأجواؤه الممهدة ومناخه المعد
قاسم: الواقع وصالح الوطن يتطلبان إصلاحاً حقيقياً شاملاً سريعاً
الدراز - محرر الشئون المحلية
قال إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، الشيخ عيسى قاسم، إن ضرورة الواقع وصالح الوطن، يتطلبان «إصلاحاً حقيقياً شاملاً بأقصى درجة ممكنة من السرعة»، مؤكداً أن ذلك سيكون «إنقاذاً لهذه الأرض وإنسانها من مضاعفة الأزمة، وما يجرّه ذلك من عاقبة أشد سوءاً وأثقل وطأة، عاقبةٍ تستعصي على كل الحلول المجنونة ولا حلّ في أسلوب مجنون».
وفي خطبته يوم أمس الجمعة (17 يناير/ كانون الثاني 2014)، أكد قاسم أن «الإصلاح ضروري والإسراع به ضروري كذلك»، إلا أنه استدرك بالقول: «إن ما يجري على الأرض من جديد يضاعف أعداد المعتقلين، وصدور الأحكام باستمرار في حق المتهمين، ونشاط سوق المحاكمات بما لا يكاد يعرفه بلدٌ آخر في الدنيا، ومطاردة التعبير عن الرأي السياسي، وما يأتي من أخبارٍ مفزعة فيما يتعلّق بالتضييق على السجناء ومعاناتهم، والاستمرار في تغييب رجال الدين، كما حصل أخيراً للسيدمحمود الموسوي وانقطاع أخباره بعد أخذه في مداهمةٍ لمنزله، صاحبها حسب النقل المتداول مصادرة مقتنياته، وما يجري من ذلك كلّه من تعدٍ على مقام الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان العبدي، مناقضٌ كل المناقضة لما يحتاجه الوضع من إصلاح لا يقبل يومه التسويف».
وأضاف «ليس كل إصلاحٍ فيه حل، الإصلاح الشكلي والسطحي لا يمثل الحل، الإصلاح الذي لا تضمن استمراره ضمانات عملية ودستورية كافية لا يمثل الحل، الإصلاح الذي يقوم على تقسيم المواطنة وواجباتها وحقوقها إلى مراتب حسب ما يمليه هوى السلطة وتذهب إليه ميولها، بعيداً عن واقع المواطن وصدقها، لا يمثل الحل، والإصلاح المقاس إلى أوضاع ما قبل 100 عامٍ أو أكثر وقبل الوعي والصحوة، وتنّبه الشعوب على كامل حقوقها ويقظة الأمة الإسلامية على حقيقة إسلامها، وانبعاث الشعور المقبور ظلماً للحرية والانتفاضات الثورية المتتالية في الأمة والعالم والتضحيات الضخمة المبذولة من الشعوب، ومنها هذا الشعب الكريم على طريق الحرية والانعتاق والعدل والمساواة لا يمثل الحل. حلٌ هو متقدم بالنسبة لما قبل 100 عام لا يساوي شيئاً اليوم بالقياس إلى موازين اليوم، وعي اليوم، صحوة اليوم، إلى التضحيات المبذولة اليوم».
واعتبر قاسم أن «الإصلاح الذي يسمح بتغيير التركيبة السكانية عن طريق التجنيس، أو يوصد أبواب مؤسسات مختارة من مؤسسات الدولة أمام أهل مذهبٍ معيّن لا يمثل الحل، الإصلاح الذي لا يلغي التمييز بين أصحاب الحق الوطني المشترك لا يمثل الحل، الحل في أي بلدٍ هو غير ذلك، وفوق كل ذلك هو نقي كل النقاء من هذه العيوب، ولا حل فيما لا توافق فيه مع إرادة الشعب إذا أريد للحل أن يُنهي الأزمة القائمة بين السلطة وشعبها، ولا شك أن هذا هو الحاصل وأن هذا هو المطلوب، الحاصل من ناحية من السلطة والشعب، وليس بين السلطة وشرذمة قليلة».
ورأى أن «الإصلاح له إرهاصاته وأجواؤه الممهدة ومناخه المُعِدّ، ومن أهم ما يمثل جواً مبشراً بالإصلاح تفريغ السجون من كل نزّالها الوطنيين الأحرار من المطالبين بحقوق الشعب، وتصحيح لغة الإعلام التي تجاوزت كل المعقول وهبطت إلى الدرك الأسفل وأسهمت ولازالت تُسهم بدرجة عالية في حالة الغليان، وبث روح الكراهية وتغذيتها وإحداث الفرق وتمزيق شمل المجتمع وبعثرة وجوده».
وتحت عنوان «ماذا على الشعب وماذا على السلطة؟»، قال قاسم: «إن البلد يعيش أزمة حادة لا ينكرها أحد، ووضعاً استثنائياً مهدداً لها، ويقف بين مستقبلين، مستقبل أشد بؤساً، وأقتم ظلاماً، وأثقل في ظل استمرار الأزمة وتفاقمها، ومستقبل التعافي من الأزمة والخروج من نفقها الأسود والتخلّص من آثارها الوبيئة ولو من بعد حين»، متسائلاً: «ماذا تختار الأطراف التي يضمّها هذا الوطن وكل هذه الأطراف متضررة؟ ماذا تختار لمستقبلها ومستقبل وطنها ومستقبل الأجيال اللاحقة بها من أبنائها؟ مزيداً من الخسائر والكوارث والرعب والتفكك والانهيار الذي يقف للوطن بالمرصاد، والشقاء الذي يتوعد الأجيال القادمة؟، أو وضعاً جديداً يتخلّف وراءه واقع الحاضر المأساوي وظلمته السوداء، وينطلق بحياة هذا المجتمع على خط العدل والمساواة والاستقامة الدينية والإنسانية لتحفل بالخير والرغد والتقدم والرشد والهدى والسعادة؟ أيهما تختارون؟ أيهما تختار الحكومة؟ أيهما يختار كل فردٍ من أبناء هذا المجتمع؟».
واستدرك بقوله: «لا ينبغي لأحدٍ أن ينسى ما يتهدد البلاد الإسلامية كلّها اليوم من خطر موجة التكفير العارمة المنطلقة بنارها ورعبها ودمارها وجاهليتها ووحشيتها انطلاقة مجنونة زاحفة لا تنذر إلا بمزيدٍ من الدمار وسفك الدماء وهتك الحرمات وتشتيت الأمة وإغراقها في محيط مهلك من الفتن الشداد»، مشيراً إلى أن «ذلك يضع الكل أمام مسئولية دينية ضخمة ووطنية وإنسانية كبيرة، تحتّم العمل على الحفاظ على ما تبقى من سلامة الأوطان، وأمن الإنسان، ومكانة الدين ولغة الأخلاق، وكرامة الإنسانية وعزّة الأمة، ووحدة أبنائها، وإلا فكل شيء من ذلك إلى هباء».
وأردف «إذا اخترنا أن نقف بالحديث عند مسئولية أهل البحرين عن الأزمة المتصاعدة التي تعبث بحاضرها وتحرق وتهدد بكارثة أكبر لتدمير مستقبلها، فهنا مسئوليتان: مسئولية السلطة من جهة، ومسئولية الشعب والمعارضة، ومسئولية كل طرفٍ بمستوى ما يملك وما تتسع له إمكاناته، وتنهض به قدرته، وبقدر ما بيده من حقٍ اغتصبه من الآخر، وما عليه أن يمتنع عنه مما يزيد في درجة الافتعال للأوضاع».
وبيّن أن «ما تملكه المعارضة كل المعارضة هو أن تستقيم على طريق السلمية، وتستمر على التزامها بنبذ العنف وإدانته والتحذير من الإرهاب، وأن لا تغيّر من هذا الموقف المبدئي، هذا تملكه المعارضة، وليس بيد المعارضة شيءٌ سلبته من السلطة سلطةً أو الثروة واستحوذت عليه ظلماً واستأثرت به ليكون عليها إرجاعه، الشعب في هذا الأمر مطالِبٌ لا مُطالَب».
وذكر أن «المظاهرات والاعتصامات ومختلف الاحتجاجات السلمية التي يمارسها الشعب في مطالبته بحقوقه المسلوبة من أمنٍ منتهك، ودورٍ سياسي مغيّب، وعدلٍ مضيّع، ومساواة مطموسة، وحريةٍ مقهورة، وشعائر دينيةٍ ملاحقة، وقيمة إنسانيةٍ مهدورة، وكرامةٍ وطنيةٍ مسحوقة وغير ذلك، فهي تمثّل رأس المال الوحيد الذي بيده، والوسيلة المشروعة دينياً ودستورياً وأخلاقياً وقانونياً وعلى مستوى العرف الدولي واللغة العملية المقبولة في مجال الاحتجاج المظالم في أوساط العالم، ولا يعدّ ذلك ظلماً ولا عدواناً ولا إثارة للفتنة، ولا بعثاً ولا نشراً لروح الكراهية والفرقة».
واعتبر أن «ما يعدّ ظلماً وعدواناً هو سلب هذا الحق أو مضايقته، على أن هذه الوسيلة السلمية في مواجهة الظلم لها موضوعها من فساد الأوضاع واغتصاب الحقوق والتضييق على الحريات والتي لابد أن تنتهي حالما ينتهي موضوعها وتنتفي بانتفائه، وحالما ينتفي السلب والتضييق ومصادرة الحريات والاستئثار بالثروة إلى آخر المظالم حينئذٍ لا موضوع حتى لمظاهرة سلمية واعتصامٍ سلمي».
وتساءل: «ماذا تملك السلطة؟ وماذا تتحمّل من مسئولية؟ وماذا عليها أن تفعل؟ تملك أن تعترف للشعب بحقه السياسي في اختيار سلطته التشريعية والتنفيذية وصيغة دستوره الذي يحكم حياته، وأن تمّكنه عملياً من إعمال هذا الحق عبر عملية انتخابية حرة، تتساوى فيها أصوات الناخبين من أبناء هذا الوطن الواحد، الذي لهم ممارسة هذا الحق بلا منٍ ولا جميل لإنتاج مجلسٍ نيابي يمثل إرادة الشعب بحقّ، ويتمتع بصلاحياتٍ كاملة في مجال التشريع والرقابة، ويتحمّل مسئوليته في ذلك أمام ربه أولاً، ثم أمام شعب وطنه، من غير أن يتم الالتفاف على هذا الحق من مجلس شورى معيّن، وبأية صورة من الصور، كما له أن ينتج الدستور الذي تظهر فيه الإرادة الشعبية واضحة سافرةً ناطقة جليّة».
وتابع أن «للشعب رأيه التطبيقي المحترم الذي يؤخذ به في تشكيل الجهاز القضائي المستقل، وحق المشاركة المتساوية حسب الكفاءة والأمانة لا غير، في كل أجهزة الدولة ومرافقها ومؤسساتها بلا تفريقٍ بين طائفةٍ وأخرى وهذه الفئة وتلك الفئة. ولا أرى من منصفٍ أن يسوّغ لنفسه الاعتراض على هذا المنطق بعد القول بأن الشعب مصدر السلطات وبعد تقديم العدل على الظلم».