قاسم: الحوارات الشكلية لن تحل الأزمة... والخروج من النفق المظلم يتطلب إصلاحاً سياسياً صادقاً
الدراز - محرر الشئون المحلية
رأى إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، الشيخ عيسى قاسم، أن كل الحوارات «الشكلية» لن تفيد لحل الأزمة السياسية في البحرين، حتى وإن تكررت ألف مرة، مشدداً على أن «الخروج من النفق المظلم يتطلب إصلاحاً سياسياً صادقاً».
واعتبر قاسم، في خطبته أمس الجمعة (10 يناير/ كانون الثاني 2014) أن تعليق جلسات حوار التوافق الوطني «ليس مستغرباً، وعجز أن يتوصل إلى نتائج والمرتقب له أن يعجز».
وتحت تساؤل «ماذا تقول التجارب؟»، قال: «سبق هذا الحوار حوارٌ وقيل إنه قد حقق ما حقق، أما الأزمة التي كان من أجل حلِّها فلم يأتِ لها بحلّ، وإنما زاد في تعقيدها وصارت من بعده إلى تفاقم واشتداد وبلغت من الخطورة إلى مدىً بعيد واستمر الأمر يتصاعد خطورة وتستفحل المظالم وتتعمق المأساة ويتباعد الحل في ظل استمرار الحوار الأخير الذي نشأ مريضاً معوقاً معلولاً حتى آل إلى التعليق وكل الفشل الذريع».
وذكر أن «أكثر من تجربة تقول للسلطة بلغة عملية صريحة، ولسان واقعٍ بليغ، بأن كل الحوارات الشكلية ولو تكررت ألف مرة لا تفيد، لن تفيد، وأن ألف حلٍّ مازحٍ لم يجدِ، لن يجدي، وأن ألف إصلاح سطحي اسمي باهتٍ لن يُنقذ، وأن الإخلاص للوطن والوفاء له بإخراجه من النفق المظلم واللجَّة المعتمة لن يكون إلا بإصلاحٍ حقيقي شامل يبدأ بإصلاح سياسي صادق، ودوائر انتخابية عادلة، وانتخابات نيابية حرة، وتشكيل حكومة منتخبة، ودستورٍ يكفل كل ذلك بصورة صريحة، لا تقبل التشكيك ويتخلص من كل نقاط الغموض والقصور، وينال موافقة الشعب عبر نوابه ممن يمثلونه تمثيلاً صادقاً، حيث يكتسبون هذا التمثيل من خلال عملية انتخابية نزيهة قوامها الأساس صوتٌ انتخابي بصورة عادلة لكل مواطن».
وأضاف «كلما يحتاجه الإصلاح الحقيقي هو إرادة سياسية جادة من السلطة فهي القادرة والمسئولة عن هذا الإصلاح، ولو أصرّت السلطة بأن يكون الحوار مقدمة له، فإن كان المعني الحوار المنتج فلابد أن يكون من نوع جديد يعتمد فيما يعتمده من تمثيل وخطوط عريضة متوافقٍ عليها وسقفٍ زمني لا يُتجاوز، والتزامات مبدئية رئيسة وأجواء عملية مناسبة بعيدة عن التصعيد الأمني وتشديد القبضة الحديدية ولغة الإعلام التحريضي وبث الكراهية وإثارة أبناء الشعب ضد بعضهم البعض».
وأشار إلى أن «أوضح ما تقوله التجارب بأن أفشل ما يُطلب به خروج الوطن من المأزق، وأسوأ ما يضرّ ويمزّق ويهلك الوطن الحل الأمني، والإسراف في الظلم، هذا ما تقوله تجارب هذا البلد، وتجارب غيره من البلدان، التي تعيش صراعاً بين الحق والباطل، بين الجمود والتغيير الإيجابي الصالح».
وتحت عنوان «تسأل ونسأل»، اعتبر إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، أن «من حق أيِّ أحد أن يسأل عن موقفنا من الإرهاب، ومن حقنا كذلك أن نسأل أيَّ أحدٍ عن موقفه هو منه، نحن نحرِّم على أنفسنا ما حرَّم عليها الله عز وجل من العدوان والإرهاب، ولا نتوسّل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما ينكره الدين، ولا نجيز لأن نأخذ في طلب الإصلاح بما لم تجِزه الشريعة الإلهية الحق من ارتكاب الفساد، وإننا لا نرى بُدّاً من الناحية الفقهية من رعاية حرمة الدماء والأعراض والأموال، هذا رأينا... وكلمتنا واضحة لكل المؤمنين ومتكررة بأنه لا إرهاب، ولا نختار في المطالبة بالإصلاح إلا الأسلوب السلمي، ومن القول في هذا الطريق إلا ما تجنّب سخط الله عز وجل وتوفر على أدب الدين والتزام الطريقة الخلقية، وكان من الكلام المترّفع الذي لا يعيب قائله».
وشدد على أن «كل ما لا نرضى لأنفسنا أن نرتكبه من سيئ الفعل والقول في حق الآخرين، لا يمكن أن نرضى من الآخرين أن يرتكبوه في حقنا، وندين كل فعلٍ إرهابي ظالم، وكل عدوانٍ ولعبٍ بحرمة الدماء والأعراض والأموال من أيٍّ صدر منه فعلٌ من هذا النوع على مستوى الأفراد والجماعات والأحزاب والحكومات كل الحكومات وكل العالم».
وقال «من منطلق رؤية دينية صادقة، نحرِّم الشهادة بغير علم، ومن خلال منهجية التفكير العلمي الذي يفرِّق بين الشك والظن والعلم والوهم، فإنه ليس علينا وليس لنا أن نستسلم لأيِّ خبر مصدره شعبٌ أو حزبٌ أو حكومة، وأن ليس لأحدٍ أن يطالبنا بأنه لا يقول شيئاً ولا يدَّعي حادثة ولا يتهم أحداً إلا كان علينا أن نذهب معه حيثما ذهب ونردّد ما يردّد ونسوِّق ما يريد تسويقه».
ونوّه إلى أن «الحكومة ليس لها أن تقول شيئاً ثم تطالبنا بأن نتابعها فيما تقول، نحن أصحاب دين، وأصحاب فكر، وأصحاب منهجية علمية، وأصحاب منهج تقيميٍّ دقيق، وملزمون ألا نقول كلمةً إلا بعلم. وكيف لجهة أتلقَّى منها التهمة بعد التهمة التي أنا من كذبها وسوء النية من ورائها على يقين جازم أن تطالبني بأن أسارع في التصديق لما تقول في الآخرين، وأروِّج لما تروِّج، وأذيع في الناس من ذلك ما تحبّ أن أذيع».
وتساءل: «وكيف لنفسٍ تعرف من المقابل قول الزور والبهتان في حقها كما يعرف الناظر الشمس الطالعة في صحو النهار أن تركن لما يقوله مما يدين الآخرين؟ ولماذا لا يسأل الآخرون أنفسهم قبل أن يسألهم الغير عن رأيهم وموقفهم من الاستبداد والفساد السياسي - الحكومة تَسأل وتُسأل - والاقتصادي والموت عن تعذيبٍ في السجون والاستئثار بغير حق في الثروة، وتعطيل الحقوق، ورفض الإصلاح، وهدم المساجد، وإهانة المصحف الشريف، ومنع الصلاة من محاريبها، والإعلام المثير للكراهية والفتنة وإلغاء الآخر، وهذا غيض من فيض، لماذا لا تسأل الحكومة نفسها؟ لماذا لا نسألها عن رأيها وموقفها العملي من هذا كله وهذه الممارسات معلومة مكشوفة وإن أخذ القانون على ترديد ما تردده المنظمات الحقوقية من شواهد في كل هذه المساحة».
وفي سياق خطبته، تحدث قاسم تحت تساؤل «داعية عنفٍ أو إصلاح؟»، عن الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، والتحقيق معه قبل أسبوعين بشأن «إثارة الطائفية والدعوة للعنف والإرهاب والكذب في اتهام بعض مؤسسات الدولة، وأخذ مخفوراً إلى النيابة العامة ومنع من السفر... في الحق هل هو مع الطائفة أو ضدها؟ هل تتسم كلماته وخطبه وبياناته بالصدق أو الكذب؟ هل هو داعية عنف وإرهاب أم سلمية وإصلاح؟».
وقال: «يمكن لك أو للسياسة وصف الرجل - أقصد الشيخ علي - بالصراحة في الجهر بالحق، بالجرأة في طرحه لرأيه السياسي، بالإصرار على المطالبة بحقوق الشعب، بعدم ميله للتعبير بابن عم الكلام، بتجاوزه لما يراه الطرف الآخر من أنه المألوف، ولكن كل ذلك بما لا يخالف الدستور وحرية الرأي السياسي التي تدّعي السلطة معها، بينما لا يصدق أحدٌ ممن يسمع للشيخ أو يقرأ له ويتابع له ما يصدر عنه من تصريحات ومن يعرف خط تفكيره وتوجهه النفسي وقناعاته ما قد يتهمه به متهمٌ ويرميه به من أنه يدعو إلى الطائفية أو يستسيغ ظلم طائفة والنيل من حقوقها أو يقبل لأحدٍ أن يثير الفتنة أو يدعو لها فضلاً عن أن يصدر منه نفسه هذا الفساد والإفساد».
وتساءل: «هل تجد منصفاً يقبل أن يوصف الشيخ علي بأنه داعية عنف وإرهاب؟ وإذا ذُكِر من واقع الإعلام الرسمي ما لا يخفى على أحد، أو صرّح بما تصرّح به المنظمات الحقوقية والمجامع الدولية من انتهاكات لحقوق الإنسان على أيدي السلطة في البحرين، أو تحدث عن واقع سياسي مريض شاخص للعيان، هل يكون مرتكباً لإثم الاتهام الباطل؟ وإذا سرد من الشواهد على الأرض وأحداث الواقع ما يعلن الموقف الطائفي للسلطة لا موقف طائفة من الشعب ضد أخرى هل يعد هذا دعوة للطائفية ورغبة فيها؟ وإذا كان النقد لمغالطات الإعلام وتجاوزاته ودعوته للكراهية وهو شيء معلن جريمة يحاكم عليها القانون فهل يبقى مكان من أرض أو سماءٍ لهذا الوطن أو زاوية من زواياه وجنبة من جنباته لحرية التعبير والنطق بالرأي البناء؟».
وزاد في تساؤله: «هل من قال بوجود تعذيب في السجون أو في التحقيق وموتٍ تحت التعذيب ولو اعتماداً على ما قالته منظمات حقوقية ولجنة تقصي الحقائق المعتمدة حكومياً يحاكم لأنه نسب إلى بعض المؤسسات الحكومية ممارسات مخالفة للقانون؟ أو أنه لا يوجد شيء من ذلك نهائياً؟ أو أن هذه الممارسات قانونية لا غبار عليها من جهة مطابقتها للقانون؟ أو أن الجهة التي خرجت من تحت يدها جنائز الشهداء المعذبين غير حكومية؟».
وأفاد بأن «لا دعوة للإصلاح أوضح من دعوته، لا إصرار على مطالب الشعب أزيد من إصراره، لا تشديد في الإنكار على الفساد أشد من إنكاره، ولا نداء بالسلمية والأخوة الإسلامية والوطنية وإنصاف كل المواطنين وحق الجميع في الأمن وأن يسود العدل والمحبة كل أرجاء الوطن أعلى صوتاً من ندائه، ولا تكرار لكل هذا كتكراره، ولا نبذ للعنف ولا إدانة للإرهاب ولا تحذير من الكراهية أصرح من نبذه وإدانته وتحذيره».
وقال: «إنه ساغ أن يُتهم هذا الرجل بالدعوة للعنف والإرهاب والفرقة الطائفية والكراهية مع ما عليه خطبه وكلماته وبياناته وتصريحاته من مقاومة شديدة لكل ذلك لم يكد يبقى مواطن واحد إلا واسْتُسيغ جداً أن يُتهم بكل سوءٍ على ما هو عليه من نظافة وبراءة ونزاهة».
كما رأى بأن «من الشر كل الشر أن تُقلب الحقائق وأن يصل قلبها إلى هذا الحد، وأن يناقض العدل وأن تصل مناقضته إلى هذا المستوى، وأن يضيع الحق كل هذا التضييع وأن ينكر الواقع كل هذا الإنكار».
ووصف «استهداف هذا الرجل استهداف للإصلاح نفسه، للعقلانية، للاعتدال، للسلمية، للأخوة الإسلامية الوطنية، لكرامة المواطن، للحرية، والحقيقة التي لا مراء فيها ولا مفرّ منها أنه لابد من الإصلاح، أنه لا رجعة عنه، أنه لا بدل من حلٍّ عادل شامل واعتبار كلمة الشعب وإرادته، هكذا يقول تصميم الشعب وهذا ما تفرضه تضحياته، وهذا ما يقضي به الحق والمصلحة الوطنية عامة، وما تفضي إليه المقدمات، وهذا ما يؤكد عليه اتجاه حركة العالم اليوم، وهو ما عليه حتمية العدل الإلهي لمن سلك طريق الحق وأصرَّ عليه وأخلص له وبذل في سبيله وصبر على طريقه وتوجه إلى الله سبحانه يطلب نصره ويُؤَمِّلُه».