قاسم: ستبقى مصلحة الوطن معلَّقة على إصلاح جاد سواء استمر الحوار أو توقف
الوسط - محرر الشئون المحلية
رأى إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز الشيخ عيسى قاسم، أن مصلحة الوطن ستبقى «معلقة أو متوقفة»، على إصلاح جاد ينال توافقاً شعبيّاً يخرج البحرين من «مأزق النفق الأسود»، مشيراً إلى أن هناك تعارضاً بين السلطة والأطراف المعارضة في الهدف من الحوار.
وأوضح قاسم، خلال خطبته يوم أمس الجمعة (27 ديسمبر/ كانون الأول 2013)، أنه «سواء كان حوار أو لم يكن حوار، استمر هذا الحوار بأية تركيبة أو لم يستمر، ستبقى مصلحة الوطن متوقفة أو معلّقة على تحقيق الإصلاح الجاد القادر بما يحصل عليه من توافقٍ شعبي غالب على إنقاذه من مأزقه والنفق الأسود الذي صار يفرض عليه ظلمته، وكان الله في عون هذا الوطن وكل أوطان المسلمين التي تعصف بالكثير منها العواصف وأصبحت مسرحاً للظلم والمذابح».
وتحت عنوان: «الحوار هدفاً»، ذكر قاسم أن «للحوار بين السلطة والمعارضة هدفاً، وهدفه عند الحكومة غيره عند المعارضة، وهما هدفان متعارضان لا يلتقيان، وتعارضهما يخلق حالة تعارضٍ في وزن التمثيل المطلوب للطرفين، وفي جدول الأعمال والكثير من التفاصيل. ولهذا التعارض لا يُنشأ الحوار إلا وينهدم، ولا يُعاد إليه إلا ويكون تراجع وانفكاك».
وبيّن أن «الهدف عند المعارضة التوصل إلى حلٍ من أيسر الطرق وأسلمها للوطن، والحفاظ على مصلحته والنأي به عن المزالق الخطيرة، وعن الفرقة الاجتماعية وسوء الفتن. ولمثل هذا الحوار توازناته ومعادلاته ومقدماته وأجوائه ورجاله، مما يهيئ لنجاحه ويعطيه المرونة، ويفتح أمامه فرص الإنجاز المطلوب وبأكبر سرعةٍ ممكنة».
وأضاف «والهدف عند السلطة تلميع الصورة والتغطية على مآسي الواقع، وإعطاء فرصة سانحة لضرب كل القوى من غير صراخ ولا ضجيج، واستكمال كل الأهداف المخطط لها لإتمام السيطرة المطلقة على الشعب وتنفيذ كل الخطط المعدّة سابقاً لإحكام القبضة على كل التفاصيل للعملية السياسية والوضع العام بالكامل، وتجفيف منابع القوة للفكر المعارض بصورة تامة، وجرجرة المعارضة وكل الشعب إلى واقعٍ عملي جديد مفروض، لتتضاعف صعوبة الخروج منه والتخلّص من هيمنته وقبضته، وإلى محطات معينة لعلّها تجد فيها الفرصة لإحراج المعارضة لتملي عليها ما تريد، ذلك إلى جنب ما قد يستهدفه الحوار من جهتها -أي من جهة الحكومة- إلى إحداث الخلاف بين الأطراف المعارضة وضرب وحدتها، وكذلك إحداث البلبلة في صفوف الشعب والفتنة بين فئاته».
وخلص إلى أنه «ما دام هذا التباين في الهدف بين المعارضة والسلطة، وما دام كلٌ منهما ملتفتاً إلى الهدف عنده وعند الآخر فإنه لا يمكن أن نكون أمام حوارٍ منتجٍ معوّل عليه».
وتحدّث قاسم عن رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا، مشيراً إلى أن «دولاً كثيرة وأنظمة كثيرة، ورؤساء وملوك، وأمراء كثيرون أثنوا على مانديلا، أثنوا عليه ظاهراً لقدر ما كان يراه من الاحترام لإنسانية الإنسان، ومن توقه للحرية التي كان يؤمن بها، ولمناداته بالمساواة وعدم التمييز بين الناس من غير مائز الكفاءة، وأثنوا على مانديلا ظاهراً على انتهاجه نهج السلمية في المطالبة بالحقوق وعدم ميله للانتقام بعد انتصاره، فيا أيها الذين أثنوا على مانديلا في كل ذلك، أينكم أنتم من ذلك؟».
وأضاف «أنتِ يا حكومات الدول الغربية الكبرى، وقد عظّمتِ من شأن مانديلا لمطالبته بالحرية والمساواة والتزامه بالأسلوب السلمي، ولمناهضته للتمييز الظالم، ما هو موقفكِ من الحكومات التي تجهض صوت الحرية للشعوب، وتنتهج سياسة التمييز، وتذل الشعوب وتستأثر بالثروة، وتقمع المعارضة السلمية، وتغتصب الحقوق، وتسلب الأمن، وتكرّس الاستبداد والديكتاتورية؟ ألستم تغازلون هذه الأنظمة المستبدة والحكومات الظالمة مغازلة سياسية ناعمة، وتغرونها بصورة عملية فاعلة من خلال الدعم العملي والثناء المسرف والتأكيد على الصداقة والعلاقة الأساسية معها والإمداد بالسلاح الفتّاك؟».
واعتبر أن «ما يأتي من كلماتٍ منكم تتحدث عن قيمة إشراك الشعوب في إدارة شأنها والاعتراف بالحقوق وبحرية التعبير عن الرأي والتخلي عن القمع المبالغ فيه والمحاكمات العادلة، وهو فاقدٌ لقيمته على المستوى العملي في ضوء الدعم العملي المساند لسياسات الحكومة المناقضة لهذه المفردات بكاملها، إلى جنب أن هذه الكلمات لا تقولونها في العادة إلا مصحوبةً بتطييب خاطر هذه الدول الظالمة المخاطَبة بها وتطمينها وإدانة الشعوب وتكبير أخطائها».
وتابع «أنتم يا رؤساء ويا أمراء ويا ملوك... ممن أثنيتم على مانديلا في جهاده ضد العنصرية والتمييز، كيف تعذّبون من كان جهاده نفس الجهاد؟ كيف تعذبون من كان جهاده هذا الجهاد وإنكاره لما أنكره مانديلا؟ وكيف يكون في سياستكم السجن والحرمان من الرزق ومن التعليم والمطاردة والتنكيل والقتل والتعذيب لمن طالب بالحرية والحقوق للشعوب والمساواة كما طالب بذلك مانديلا، وأنتم تكبرون فيه ذلك كما تزعمون؟».
وتساءل «هل الاستئثار بالسلطة والاستحواذ على الثروة وحرمان الآخرين وتهميشهم والتمييز وسلب الحرية، جريمة وظلمٌ وعدوان وتخلفٌ من حكومة التمييز العنصري التي كانت لها السيطرة في جنوب إفريقيا، بينما هي فضيلة وإنصافٌ وتقدمٌ حين يكون ذلك منكم وعلى أيديكم؟ هناك جريمة وهنا فضيلة؟».
وزاد في تساؤله «وهل مطالبة مانديلا بما طالب به من حرية ومساواة وعدم تمييز فضيلةٌ وعدلٌ وحق، وهذه المطالبة نفسها من شعوبكم رذيلة وظلمٌ وباطل؟ وتلك تستحق التقدير والاحترام، وهذه يُستحق بها النكال والعقاب؟ وهل سلمية مانديلا لها كل التقدير والثناء، وللسلمية من شعوبكم الفتك والمحق؟».
وقال: «وأنت يا غرب، كيف اختلف عندك الأمران؟ بعد هذا، أنتم جميعاً، اعذروا من يظن بأن ثنائكم لمانديلا وكفاحه ماهو إلا ضربٌ من ضروب النفاق، وللسياسة الدنيوية نفاقٌ كثير عريض طويل حسب ما تقتضيه مصلحتها».
أما في حديثه تحت عنوان، «أُذنٌ تسمع وأُذنٌ لا تسمع»، ذكر قاسم أن «الثورات العربية أسقطت نظاماً سياسيّاً، وآخر، وثالث، وكان في ذلك إنذارٌ شديدٌ بزلزالٍ لا يبقي شيئاً من قديم النظام العربي ولا يذر، ولكن الذي حصل كأن أُذن حكومةٍ سمعت به وأُذن حكومةٍ أخرى لم تسمع». وبيّن أن «أكثر من حكومة سارعت لوضع السدود دون الطوفان، وأكثر من حكومة، وهي الأكثر لم ترَ أن تحتاط بشيء من المداراة لشعوبها، أو التعجيل لما عليه أوضاعها من عوجٍ وانحراف واعتمدت منطق الغاب والناب والبطش والقوة، وتركت الأبواب مفتوحة على مصراعيها لدخول الصراع واقتحامه لحدودها، حتى إذا ما بدأ أول التحرك لشعوبها واجهتها بالحديد والنار، واستمرت لا تنفكّ عن أسلوب العنف والشدة والإرهاب في قِبال تلك التحركات».
وأشار إلى أن «بعض الأنظمة اعتمدت شيئاً من الإصلاح والتنازلات السياسية؛ لدرء امتداد الحريق لحدودها، وبعضٌ آخر رأى درء الخطر في الترضية بالمال، والأنظمة الأخرى اعتمدت كليّاً ابتداءً واستمراراً على أسلوب العنف والإرهاب، والبطش والفتك والمزيد من التهديد والوعيد، وكأن هذه الأنظمة الأخيرة لم تسمع جديداً على الأرض، ولم ترَ تغيراً في أوضاع الشعوب، ولا أي حادثٍ لعددٍ من الأنظمة، وكأنها لم تسمع كذلك عن سعي بعض الأنظمة إلى مبادرة لإصلاح سياسي معيّن احتياطاً لنفسها وتحصيناً لوجودها، أو لم تلتفت إلى أن الأنظمة التي أسقطتها الثورات العربية إنما هي الأنظمة التي اختارت مواجهة الثورات فيها بالحديد والنار ومختلف أساليب العنف والإرهاب».
وقال: «ثم أنه كأنه لا التفات عندها إلى أن استقرار أية سلطة على قاعدة أخذها بالعنف وسياسة البطش والتنكيل يعني لا استقرار، ويحمل معه بذرة زواله والعودة إلى الاهتزاز».
وختم إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز خطبته بالقول: «نحن البشر يقتلنا الغرور، ولباسُ الاستكبار يُهلكنا، والاعتزاز بالاسم طريق المذلة للإنسان».