قاسم: التصعيد الأمني محاولة يائسة لإسكات الصوت الشعبي المطالب بالإصلاح
الدراز - محرر الشئون المحلية
اعتبر خطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس الجمعة (6 ديسمبر / كانون الأول 2013)، أن «التصعيد الأمني الذي يواجه به الحراك السلمي في البحرين لإجهاض المطالبة بالحق السياسي وسائر الحقوق العادلة، والمداهمات والملاحقة الشرسة المستمرة في مناطق كثيرة في البحرين لتعذيب الشباب وسوقهم للمحاكمات التي تنتهي بالعقوبات المشددة وسد منافذ الحل السلمي العادل أمراً نشازاً جدّاً ومحاولة يائسة لإسكات الصوت الشعبي المطالب بالاصلاح الذي لابد منه».
وفي حديثه عن أوضاع المنطقة، قال قاسم: «تعرف اسرائيل من نفسها أنها دولة مغتصبة وأنها زُرعت قهراً في الوسط العربي والاسلامي الذي تعاديه ويعاديها ولا تلائمه ولا يلائمها وهي بذلك تشعر بالحاجة في بقائها وراحتها إلى اضعاف هذا الوسط وتمزيقه لخلق الفتن الكبرى في صفوفه وبين أفراده، ومن وسائلها في ذلك احداث حالة من التشكيك داخل أطراف هذا الوسط في بعضها بعضاً وخلق الصراعات المحتدمة بينها واقناع البعض ما استطاعت بصداقتها له ليقف معها في خندق واحد ضد البعض الآخر من الأمة، في حين أنه لا يمكن أن تكون اسرائيل صديقاً حقّاً لأي طرف من أطراف أمة كل همّها أن تقوى على حسابها وأن تثبت وجودها على أنقاضها ولها أطماعها التوسعية بما يشمل أجزاء المنطقة التي تغازل بعض أطرافها. وهذا المكر الخبيث لابد أن تحاوله اسرائيل وهي كثيراً ما حاولته بل وهي دائماً ما تحاوله».
وأوضح قاسم أن «نشوب حربٍ داخل الأمة الاسلامية تحت عنوانٍ مذهبي أو قومي أو إقليمي أو أي عنوان آخر تسمح به الظروف فهو تفكيك الأمة وانهاكها وايقاع خسائر عظمى في صفوفها، وأكبر حالة تدمير ممكنة لأقطارها وثرواتها والبنى التحتية فيها وتظل آثارها المدمرة على المدى الطويل ليمثل أمنية دائمة كبرى لإسرائيل لا تبارحها ولا تكف ما وجدت سبيلاً عن ارتكاب أي طريق اجرامي لتحقيقها».
وأضاف «يؤمل للاتفاقية الأخيرة بين إيران ودول 5+1 فيما يتعلق بالمسألة النووية أن تحبط سعياً صهيونيّاً جادّاً طال مداه وتقضي على أملٍ اسرائيلي عاشته الدولة الصهيونية وتنامى كثيراً في هذه السنوات بإشعال حربٍ تحرق منطقة الخليج وتلهب فتنة طائفية في الأمة الاسلامية تمتد آثارها الخطيرة إلى مدى طويل، وفي ذلك فرصتها التي تبحث عنها لتثبيت وضعها المهتز والتمدد الآثم واحكام السيطرة على الأمة، ليقضى على هذا الأمل الإجرامي وليخيب مسعاها القذر تحتاج المنطقة إلى أن تدعم بإخلاصٍ ما صار إليه من اتفاق بين ايران ودول 5+1 وتثبيته وتأكيده وتغليب المصلحة المشتركة بين كل دول المنطقة على العاطفة وتغليب الاسلام وهو دين الجميع على ارادة الشيطان، تحتاج المنطقة إلى أن تتذكر العداء الحقيقي من اسرائيل، وأن المسافة الفكرية والروحية والأخلاقية بينها وبين أميركا، أو بينها وبين روسيا والصين ليست أقرب من المسافة بين بعضها والبعض الآخر منها، وأنه اذا أمكن اللقاء بين بلدٍ منها وبين احدى الدول خارج العالم الاسلامي لبعض المصالح المشتركة أو بحكم العلاقة الانسانية العامة فإنه بالاضافة إلى العلاقة الانسانية التي توجد بين بعضها بعضاً علاقة الجوار والدين والتاريخ والمصالح القوية المشتركة والأمن الواحد الذي لا يمكن أن يجزأ».
وبين قاسم «لن يكفي لاستقرار المنطقة وسلامتها والحفاظ على أمنها واحراز تقدمها وازدهارها وضمان رقيها وسبقها وقوة الأمة بها أن تتوقف الحرب التي تتهدد هذه المنطقة وأن تنتهي حالة التوتر بين دولها وتنتهي هذه الدول إلى الصلح بعد العداء، والتعاون بعد المواجهة، لن يكفي هذا كله وهو كثير وهو مفيد كل الفائدة، ما لم تتصالح الأنظمة، ما لم تتصالح أي حكومة تعيش أزمة في داخلها مع شعبها وتُنهى حالة الكبت والاضطهاد والتهميش مع الشعوب ويُعترف لها بحقها».
وشدد على ضرورة «التفاهم والحوار المنتج والأخذ بالعدل والانصاف والاعتراف بالحق السياسي وسائر الحقوق من كل حكومة لشعبها بعيداً عن التدخلات الخارجية المفروضة بالقوة على هذا الطرف أو ذاك الطرف على أن واقع العصر لا يعطي فرصة بأن تبقى الشعوب منسية أو مهمشة وكل المحاولات على هذا الطريق خائبة يائسة».
وذكر أنه «أمام حتمية الاصلاح والتغيير يكون التصعيد الأمني الذي يواجه به الحراك السلمي في البحرين لإجهاض المطالبة بالحق السياسي وسائر الحقوق العادلة والمداهمات والملاحقة الشرسة المستمرة في مناطق كثيرة في البحرين لتعذيب الشباب وسوقهم للمحاكمات التي تنتهي بالعقوبات المشددة وسد منافذ الحل السلمي العادل أمراً نشازاً جدّاً ومحاولة يائسة لإسكات الصوت الشعبي المطالب بالاصلاح الذي لابد منه، ولا صلاح للوطن بدونه، ودون جذريته وتجذره».
وتطرق قاسم إلى موضوع الشيخ محمد علي المحفوظ، وقال: «بشأن رئيس جمعية العمل الاسلامي الشيخ محمد علي المحفوظ، وما يُتداول عنه من أخبار مقلقة فإنها محل اهتمام الشعب وتثير الخوف على سلامته وتجعله يطالب السلطة بكل جدٍّ بعدم التضييق عليه أو على أحدٍ من اخواننا، وكلّهم من سجناء الرأي، وكلهم صوتٌ منادٍ بالحق والحرية والانعتاق».
وتحت عنوان «استغلال السياسة للدين»، قال قاسم: «هناك سياستان، سياسة دينية تقوم على أساس الدين وتأخذ به، وسياسة غير دينية لها أساسها الآخر من مصلحة حزبية أو قومية أو قبلية أو قِطرية أو نظرة علمانية أو شخصية أو غيرها».
وأوضح أن «السياسة الدينية لابد من حاجتها إلى الدين وهي تنطلق منه وتأتمر بأمره وتنتهي بنهيه وهي في خدمة الدين ونظرها لمصلحته وظهوره وقوته، والسياسة الأخرى منها ما تتكفل بإدارة شئون بلدٍ إسلامي وشعبٍ مسلم ومنها ما دون ذلك، وهذه السياسة التي لا تعتمد الدين أساساً ولا تقدّره تضطر إلى أن تراعي إسلام الشعب بقدر قوته وقوة تمسكه بالإسلام وغيرته عليه تجنباً للتصادم بينها وبين الشعب تصادماً تخاف على نفسها من عواقبه حتى اذا اطمأنت من هذا المحذور لقدرتها على البطش لم تكترث بالاسلام على المكشوف، وواجهته مواجهة صارمة في كل مساحته، ذلك لأنه عائقٌ لها لمفارقتها اياه منطلقاً وهدفاً وممارسة، ولأنه يمثل تهديداً جديّاً لها ما لم تفقده قدرة التحرك في وجهها بالقضاء على جدّيته ومناهضته للطاغوتية والظلم والاستكبار ووضعه - أي وضع الدين - في الاطار الذي تأمن به من مشاكسته بل وتطمئن معه إلى سهولة استغلاله».
وأشار قاسم إلى «السياسة القائمة على أساس من غير الدين حاجتان، حاجة أن تأمن من ثورته، وحاجة أن تستغله وتغرر به الشعب المسلم الذي تحكمه وتثير فيه عاطفته الدينية وتحرّكها في الاتجاه الذي تختاره حيث ما تفرضه حاجتها كحاجة الحرب التوسعية أو التأليب الظالم على طرفٍ داخلي أو جمع المال لصالحها، وغير ذلك من المقتضيات التي تتطلب استغلال الدين وتوظيفه لخدمة الدولة الدنيوية، وهذا الدين الذي يراد له أن يحقق هذين الغرضين السيئين لابد أن يكون محرّفاً عن الدين الحق الذي يرفض الظلم واستغلال الناس للمصالح الذاتية الدنيوية، وأن تتولى صياغته الحكومات المنحرفة كما يشتهي لها الهوى وتقتضيه مصالحها الساقطة».
وأضاف «لابد لهؤلاء المعادين للدين ولشعوبهم من تربية الشعوب على ما يخرجونه من صورة مزيفة عن الدين، وأن يطاردوا الدين الحق ووسائل نشره وتعريفه وتركيزه في العقول والقلوب والسلوك، وأن يخرّجوا علماء خاصين بهم، وينشئوا مراكز تعليمٍ ديني تابعة لهم وأن تكون لهم مساجدهم وحسينياتهم ومؤلفوهم باسم الدين، وأن يكون لهم أئمة للجماعة والجمعة ممن يسيرون في ركابهم ويبلغون ما يملونه عليهم، ولابد أن تكون لهم صحافتهم التي تروّج أفكارهم وتواجدهم في الحوزات لتسريب رؤية، والموازنة الضخمة لكل هذا من عرق الشعوب وثروات الأمة وكنوز بلادها».
وتابع قاسم «أنت ترى أن الغرب الرسمي الذي لا تقيم سياسته للدين أي وزن، وتأخذ على نفسها أن تقصيه عن ادارة شئون المجتمعات بصورة سافرة، وتعتبر أن تدخل الدين في السياسة من تخلّف الأمم والجماعات والشعوب ومن رجعية الأنظمة يثير ثائرة الدين والغيرة الدينية على المسيحية في حروبها التي تحتاج إليها باسم الدين لأطماعٍ توسعية مادية صرفة، وعندما تخاف من تنامي أمة وقدراتها في ظل رؤية دينية أخرى. هنا تظهر الحاجة - حاجة هذه الأنظمة - للدين واستغلاله، ولذلك تبقي السياسة الغربية على الوجود الديني وتقيم له مؤسساته وأماكن العبادة الخاصة به، وتمد عملية التبشير بالدين الذي توافق عليه وتأمن من تدخله في السياسة في مختلف أقطار العالم لتفتح عن طريق هذا التبشير التواجد السيئ لها لأغراض ذاتية مادية خبيثة ساقطة، وهي تسمح للكيان الديني المسيحي في أراضيها لما سبق من أغراضٍ تخدم مصالحها ووحدتها ووجودها وتوسعها ولتشبع الشعور بالحاجة الفطرية للدين في نفوس من تفرض عليه بقية من الفطرة الالهية على رغم صحراء الأجواء المادية والشيطانية التي تعمل على اقبار تلك الفطرة والقضاء حتى النهاية عليها أن يتشبثوا بشيء من الدين ولو في صورةٍ باهتة ومشوّهة».
وأكد قاسم أن «الدين يبقى حاجة الانسان الذي يريد الكمال وينشد العدل ولا يرضى الا بالحق وذلك للأخذ به والتربية على منهجه والاستجابة له في أمره ونهيه، ويبقى كذلك حاجة الأنظمة الحاكمة الظالمة والمعادية للدين الحق لصناعة دينٍ مزوّر باسمه -أي بإسم الدين الحق- واستغلال الأمم والشعوب عن طريقه وطريق العلماء من رخيصي الذمم الذين تشتريهم السياسة الدنيوية من أجل تروجيه وتسويقه».