قاسم: ركض النساء في العزاء والمشي على الجمر شعيرتان لا قرار لهما في المجتمع المؤمن
الوسط - محرر الشئون المحلية
أكد إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، الشيخ عيسى قاسم، أن ركض النساء في مواكب العزاء، والمشي على الجمر، شعيرتان وممارستان لا قرار لهما في المجتمع المؤمن، مشدداً على أن «إحياء ذكرى ثورة الحسين عليه السلام من إحياء أمر الدين وأهل البيت عليهم السلام، وعملية الإحياء هذه سلوكٌ من سلوكات الإنسان المسلم والجماعة المسلمة والمجتمع المسلم الخاضعة للأحكام الشرعية الخمسة: الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة، والإباحة بمعناها الخاص، وليس لها حكم ثالث ولا يمكن أن تتعدى دائرة هذه الأحكام، فكل ما كان حراماً في الموارد الأخرى حرامٌ في مورد إحياء عاشوراء، وكل ما كان مباحاً كان فيه مباح، وهكذا بقية الأحكام».
ورأى قاسم، في خطبته يوم أمس الجمعة (22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013)، أن ركض النساء في مواكب العزاء أو فيما يُعرف بعزاء طويريج، أو المشي على الجمر، «ممارستان لا ينبغي أن يقر لهما قرار في المجتمع المؤمن، أو أن يجدا فيه موطئ قدم على الإطلاق. وينبغي لكل شبابنا وشاباتنا الأعزاء - كلّ شبابنا وشاباتنا مؤمنون إن شاء الله وحريص على دينه - ولكل النساء المؤمنات أن يكفّوا عن هذه الممارسات، فإن الدين لا كما يستحسن المخلوق وإنما كما يريد علمُ وحكمة الخالق، وحُسن النية لا يكفي، وإرادة خدمة الدين وإحياء الشعائر لا يكفي، وأن تعمر النفس بالشعور بالإخلاص للدين لا يكفي، لابد من تبيّن الحكم الشرعي والأخذ بما أمر الله والانتهاء عمّا نهى».
وقال: «يجب أن نتفق جميعاً على هذه القضية البيّنة التي لا أرى أن أحداً يُحتمل أن يناقش فيها، وعلى مستوى الدليل الشرعي الخاص بالوطء على الجمر - وكونه مستحباً وأسلوباً من أساليب إحياء عاشوراء - لا أحد يدّعيه - ومثله ركضُ النساء في موكب العزاء المسمّى بعزاء طويريج أو غيره، لا يمكن لأحدٍ أن يأتي له ببرهان لإثبات استحبابه، ومن يقول بأن حرق الأقدام بالجمر وإلهابها داخلٌ في المباح؟ وأن نسبته للاستحباب الشرعي مشروعة؟ أن أقول هذا مستحب سأُسأل بين يدي الله (أين دليلك؟)».
وأضاف «ومن يقول بعدم المرجوحية لركض النساء المُخرج عن الحشمة والوقار - على أقل تقدير - وأمام الأجانب، ولغير ضرورة، وبصحة أن يُنسب هذا الأمر إلى إحياء الدين وأمر أهل البيت عليهم السلام، وهم من أشد الناس حرصاً على حرمة النساء والوقار والحشمة؟»، متسائلاً: «كم كان يعز على الإمام الحسين عليه السلام أن تكون الفاطميات محل فُرجة في طريق السبي ومجلسي يزيد وابن زياد؟».
وأضاف «ما لم يثبت دليل ليس لي أن أجرؤ، وما قد يُختلف في حلّيته وحرمته، أو استحبابه وعدم استحبابه، ونفعه للدين وضرره، ما أحرانا بالاستغناء عنه بما هو متفقٌ على استحبابه أو إباحته. هناك ما يتفق المؤمنون كل المؤمنين على إباحته أو استحبابه، وهناك ما قد يختلف فيه حتى النظر الفقهي، أنا لا أقول لمن يجيز هذا الأمر ويأخذ بتقليده انك خارج عن شرع الله، حاشى أن أقول ذلك، ولا أهاجمه، ولا أستبيح غيبته، ولكن أقول هذا: هناك أمرٌ محرّم، هناك أمر ليس عليه دليل ولم يطرح أحدٌ فيه شبهة دليل، وهناك أمرٌ قد يختلف فيه في الرأي الفقهي، والأخذ به يسبب انقسامات خطيرة داخل الأمة، أو يستتبع آثاراً موضوعية قد تضر بالدين، ما موقف المقلِّد ممن يجيز هذه القضية؟».
وتابع «أقصى ما هناك أن يكون الأمر مستحباً - سنرقى به عن درجة المباح إلى درجة المستحب - مستحبٌ فيه انقسام الأمة، الظاهر أن ليس من فقيه يُقدِم على قبول انقسام الأمة والفتنة فيها من أجل ممارسة هذا المستحب».
وقال: «ما أحرانا بالاستغناء عنه بما هو متفق على استحبابه وإباحته، ونفعه وعدم ضرره من غير أن ندخل في فتنة، وليس في ذلك تعطيل لضروري من ضروريات الدين ولا واجب من واجباته، ولا مستحب مفروغ من استحبابه، ولما هو محل نصٍ ثابت من النصوص الدينية المثبتة».
كما تحدث قاسم عن مكبرات الصوت داخل الحسينيات، مشيراً إلى أن ذلك «يلقى شكوى من عدد من المؤمنين، وهو ما يتصل بالمبالغة في رفع صوت مكبرات الصوت إلى حد الإزعاج داخل الحسينيات، وإقلاق الكثيرين من مجاوريها إلى ما لا يكاد يُتحمّل».
وذكر أن «مكبرات الصوت تؤدي خدمة للخطيب والمستمع وهي مطلوبة، ولا غنى عنها اليوم مع واقع كثافة الحضور للمجالس الحسينية، ولكن ما زاد قد يُفسد، وبدل أن يتيح فرصة للإصغاء والاستفادة، قد يُشغل ويشتت الانتباه، وقد يصل إلى التعدي على راحة الجيران، بما لا تقضي به الضرورات ومتطلبات الدين، فيرجى من رؤساء المآتم والخطباء الكرام أن يراعوا هذه المسألة».
وتحت عنوان «شعائر الدين توقيفية»، أوضح قاسم أن «الدين الحق أمره إلهي محض، ليس للناس أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه على الإطلاق، والمرجع في الوصول إليه الدليل الذي يرتضيه الدين وليس الاستحسانات البشرية الاجتهادية وإن صاحبتها النية الصحيحة والقصد السليم».
وبيّن أن «شعائر الدين منه - أي من الدين - وهي توقيفية كذلك لا يُتعدّى فيها، ولا يجري فيها الاختراع والاقتراح، ولا تقبل الإضافة لا في حجٍ أو في غير حج – هل تستطيع أن تضيف للحج شيئاً أو تنقص منه شيئاً؟ - وهذا مما لا ينبغي أن يجري فيه نقاش».
وأكد أن «إحياء أمر الدين واجب شرعي لا مِراء فيه، وإحياء أمر أهل البيت (ع) من أمر الدين فحُكمه حكمه، وإهمال أمرهم إهمال للإسلام نفسه، فأقول حكم الاثنين واحد. وليس لأهل البيت (ع) أمرٌ يختلف عن أمر الدين يمكن أن يُحيى أحدهما بحقٍ ويُهمل الآخر، والإحياء لأمر الدين ولأمر أهل البيت عليهم السلام بمَ يكون؟». ولفت إلى أن «الإحياء لأمر الدين وأمر أهل البيت (ع) يكون بشرحه وبيانه وإظهاره وإعلانه والبرهنة والاستدلال عليه، والأخذ بما أمر الإسلام وأهل البيت، والنأي عمّا هو محل النهي منهما، وبالتخلّق بالخلق العظيم الذي جاء عنهما، والتخلّي عن الخلق اللئيم الذي حذرّا منه من يصغي لهما، هذا هو الإحياء، هذا من إحياء الدين».
وشدد على أن «لا يتم إحياء أمر الدين وأمر أهل البيت بأي تعدٍّ عمّا جاء من أحكامٍ وحدودٍ عنهما - أريد أن أحيي الدين بما يخالف حكماً من أحكامه؟، هذا هدم للدين وليس إحياءً له، وكل هذا مما لا غبار عليه ولا يطرقه شكٌ ولا ريبة».
وفي سياق سياسي من خطبته، تحدث قاسم تحت عنوان «غرقٌ أو نجاة»، مبيناً أنه «في كل مجتمع وفي كل أمة مجانين وعقلاء، متطرفون ومعتدلون، منحرفون وأسوياء، والأمة الإسلامية واحدة من هذه الأمم، والأمة العربية كذلك، وكل مجتمعاتنا محكومة لهذا الواقع، وتسودها هذه الحالة».
وذكر أن «كل الأمة الإسلامية والأمة العربية، وكل مجتمعاتنا ومنها المجتمع في البحرين يعيش انقساماً في الأكثر بين الحكومات والشعوب، ويعاني من أزمات سياسية وحقوقية حادة، منها المتفجّر ومنها ما هو على هذا الطريق ولا سمح الله».
وأضاف «كل حكومة والسائرين في فلكها على درجة وأخرى من التفاوت بين مراكز القوى فيها جنوحاً إلى التطرّف وانسياقاً وراء الغرور وتعطّشاً للفتك واستسلاماً للحقد ووقوعاً تحت تأثير الظروف وشططاً عن الدين وبُعداً عن الشعور الإنساني وهجراً للخُلق السوي والرُشد والتعقّل. الناس يتفاوتون في ذلك قرباً وبُعداً، حكومات وشعوبا كذلك».
واعتبر أن «الشعوب على حقانيتها في مطالبها المشروعة وما تقتضيه ضروراتها المعيشية والإنسانية والدينية من الدفع والاستماتة في هذه المطالبة، لا تستوي في كل شرائحها تعقّلاً وصبراً على خطأ الآخر وحكمة وبصيرةً وتأنياً واندفاعاً».
وقال: «حين ننظر للواقع المتأزم الذي يعيشه الكثير من أقطار الأمة في داخلها والعلاقات البينية بين عددٍ من الأنظمة الحاكمة للأمة وما تعجّ به الساحتان العربية والإسلامية من حركات إرهابية متطرفة وما وصل إليه الوضع العام في هذه الأقطار، وعلى مستوى الأمة الملتهبة فيها من درجة بالغة الخطورة يصدُق أن الأمة والكثير من أقطارها على مفترق طريقين لا ثالث لهما ومعهما، طريق الغرق أو النجاة». وأشار إلى أن «الحركات الإرهابية لن تتوقف عند حد، ولا الأعمال الإرهابية التي ترتكبها، مادامت تجد حواضن من حكومات تحرّكها لمصالحها، ومادامت فتاوى التكفير لا يتوّقف صدورها، ومادام التأمّر على الجماعات والحركات والأحزاب السياسية لا يحتاج إلى علمٍ واسع وتخصص فقهي يتناسب مع هذا الموقع الخطير».
وأضاف «لن تنتهي محنة الأمة مع الإرهاب ما لم تتحرر المراكز العلمية الدينية ومراكز الإفتاء الديني المأخوذ برأيها عن تبعيتها للحكومات الوضعية وهيمنتها، وللسياسة غير الشرعية، وما لم تتوفر على كامل استقلالها».
وأردف قائلاً: «ستبقى محنة الأمة مع الإرهاب إذا بقي الباب مفتوحاً لكل متصدٍ للإفتاء في الشأن العام ولم تصدر المراكز العلمية المعتبرة في الأمة شروط الكفاءة العلمية والدينية للإفتاء، حتى تسقط قيمة كل الفتاوى الفاقدة للأهلية ولا يكون لها اعتبارٌ في أوساط الأمة».