قاسم: أمن الجميع طريقه تقاسم خيرات الوطن والاعتراف بالآخر والشراكة في صوغ الحاضر والمصير
الوسط - محرر الشئون المحلية
رأى إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، الشيخ عيسى قاسم، أن أمن الجميع طريقه «تقاسم خيرات الوطن، والاعتراف بالآخر، والشراكة في صوغ الحاضر والمصير»، موضحاً أن الأمن للجميع «له طريقه الواضح الذي دل عليه العقل والدين وتجارب الشعوب والأمم، طريقه العدل لا الظلم، وتقاسم خيرات الوطن لا الاستئثار، والاعتراف بقيمة الآخر لا التنكر لها، وبحق الشراكة في صوغ الحاضر والمصير لا تفرّد طرفٍ بالتصرف في شأن الآخر وكأنه قد خلق سيّداً وخلق الآخر له عبداً».
وشدد، في خطبته يوم أمس الجمعة (16 أغسطس/ آب 2013)، على أن» التفكير يجب أن يتجه عند الجميع إلى كيفية الحفاظ على أمنهم جميعاً، لا أن يتجه التفكير عند كل طرف في كيفية إرعاب الآخر ليوفر لنفسه الأمن بإرعابه، فذلك إلى جنب أنه على خلاف الدين والقيم ومصلحة الأوطان، وبنائها ومطلب وحدة أبناء الوطن الواحد، الذي تمده بالقوة، فإنه لا يؤدي غرض الأمن الجزئي المطلوب ويهدمه، وأمن الجميع ليس مستحيلاً ولا مستبعداً».
ورأى أن من الواجب على الحكومات الاستجابة لرغبات شعوبها، لأنها صاحبة الحق في اختيار سياستها، موضحاً ان «الشعوب هي صاحبة الحق في اختيار كيفية سياستها وأن من واجب الحكومات أن تستجيب لاختيار الشعوب، وأن تتماشى في سياستها مع رغائبها - أي رغائب الشعوب - وأن الأصيل في هذه السياسة هو الشعب، والحكومة بمنزلة الوكيل الذي تتقيد إرادته في مجال توكيله بإرادة موكله».
وأضاف أن «الدنيا اليوم ورغم كل المخاضات الصعبة التي تعاني منها المساحة السياسية، آخذة بهذا الاتجاه، ولو أخذ المسلمون بهدي إسلامهم في كل مساحة الحياة لما احتاجوا إلى تعب التجارب، والمرور بالأخطاء الكثيرة، حتى يكون لهم ما يكفيهم من الرشد في السياسة، أو غيرها من مسائل الشأن الخاص والعام، ويحققوا لأنفسهم العلاقة المستقرة، والأمن المطلوب والنجاح المنشود والتقدم الزاهر».
وتحت عنوان «عالمنا العربي والواقع المر»، ذكر أن هناك «واقعا خطيرا منذرا مخوفا مرا، يعيشه عالمنا العربي في هذا المقطع من الزمن، أكثر من بلد من البلدان العربية وفي مقدمتها مصر، ذات الثقل الكبير والتأثير المركزي في العالم العربي، يتهدده مصير أسود كالح كئيب».
وأشار إلى أن ذلك «شيء يأسى له كل عربي وكل مسلم غيور يهمه أمر الدين والأمة ويرى فيه خسارة كبرى من خسائرهما، وتهديداً لمصير الأمة بكاملها، وتونس وليبيا إن لم تبادر كل منهما لتدارك أمرها فإنها سالكة إلى المصير نفسه وكارثته، ما لم يقتنع الكل في أي بلد عربي بالاستحالة العملية بحسب ما يمليه ما وصلت إليه الأمة من أوضاع ذات واقع فعلي حاد من استمرار تفرّد الحزب الواحد تحت أي عنوان كان، والفصيل الواحد، والتوجه الواحد، والطرف الواحد، والقبيلة الواحدة، وتجاوزه كل الآخرين أو أي مكوّن ملحوظ من مكونات المجتمع واستخفافه بوجودهم وحقوقهم وإنسانيتهم وانتمائهم فإن ظاهرة الاحتقان والانفجار التي تعقبها لن تختفي من البلاد العربية وسيبقى الخطر المهلك محدقاً بهذه الأمة وهو أحرم الحرام».
وتابع «غدا عالمنا العربي والإسلامي كذلك في غالبهما بلدان مضطربة وأوضاع قلقة تنذر بفتن كبرى ونتائج كارثية وعلاقات دولية متقلبة لا تستقر على وضع، لا تنطلق من الحس بوحدة الأمة، ولا بالتقدير لدينها ولا الرعاية لمصلحتها وإنما تخضع لمصلحة الحكم هنا وهناك وما قد تمليه عليه علاقته مع الأجنبي ويضمن له استمراره في موقع النفوذ والسلطة».
ونوّه إلى أن «عدو اليوم من بين هذه الدول كان صديق الأمس القريب بحسب المعلن، وإن كان لا صداقة في الواقع بين هذه الدول، وأعان الله بلداً تجره السياسة الخاطئة إلى أي لون من ألوان الحرب الداخلية، وتقويض أمنه، فإنه إن صعب أمر الحرب كل الحرب وعظمت خسائرها، إلا أن الحرب الأهلية وكل حرب داخلية أشد ضغطاً وأشمل سوءاً وأبلغ أثراً».
وقال: «يتحارب البلدان فتشعل الحرب الجيش في كل منهما، وقد يسع الشعبين أو الأغلب من أبنائهما الانصراف إلى أعمال الإعمار والبناء المعتادة للبلدين، ويستمر الإنتاج الفكري المبدع في الحقول الأخرى، وتعيش مجالات الحياة المختلفة فيهما حركتها الإنتاجية إلى حد طبيعي أو كبير، بينما تشعل الحرب الداخلية كل الأطراف، وتشدها إليها شداً متواتراً بدرجة أكبر وتجعلها تشارك فعلاً في تحطيم البلد وعملية الإضعاف والاستنزاف لكل القوى، وتستقطب كل الأطراف باعتبارها أطرافاً مشاركة متجاذبة متقاتلة عن إبداع فكري وإنتاج عملي، إلا ما يغذي الحرب ويوسعها ويعمّقها ويمّدها بأسباب الفتك والاجتثاث والاستئصال، التي تسهم في حرق الوطن، وتجتمع على التعجيل بإنهاكه وتدميره».
واصل قاسم حديثه في هذا الجانب، قائلاً: «من بعد حرب بين بلدين تبقى العلاقة متشنجة بين شعبهما، وتستمر المقاطعة إلى حين، وهي علاقة متعبة لهما ومستتبعة خسائر، ولكن كل ذلك لا يساوي شيئاً مما يعقب التوقف في حرب الداخل، من توابع وذيول وتصدعات وتوترات وتعديات وعداوات في احتكاك الأسواق، والمؤسسات والمدارس، والشوارع والدوائر والمعاملات المشتركة، بين أبناء الشعب الواحد الذين يلتقون يومياً وتتشابك بينهم المصالح بصورة كبيرة، وتكثر التفاعلات ويتبادلون الحاجة الشديدة بالتفاهم والتعاون وحل المشكلات المشتركة العامة».
وأكد أن «البلد الواحد يبقى فاقداً للأمن لمدة طويلة بعد التوقف الأولي لحربه الداخلية ليشقى أبناؤه بعد ذلك بذلك وتضطرب حياتهم وتقلق أمدا بعيدا، وقد أصبح الأمن اليوم أشد اشتراكا بين البلدان المختلفة وأكبر تأثراً سلباً وإيجاباً في انتعاشه وتضرره بقيامه هنا أو انحساره هناك، وهو أشد في هذا وذاك في البلد الواحد ولم يعد ممكناً أن يعيش آمناً في قسم منه مرعوباً في قسم آخر - لا يمكن أن يعيش البلد الواحد آمناً في قسم منه مرعوباً في قسم آخر وأن يكون أمن هذا على حساب أمن ذاك أو أمن ذاك على حساب هذا وإن تمتعت طبقة بما لا تتمتع به أخرى».
واختتم قاسم خطبته بدعوة الحكومة إلى ان «تأخذ على نفسها الالتزام بما نصحت به الحكومة في مصر وأن تعترف لشعبها بما اعترفت للشعب المصري الكريم من حق». وذكر أن البحرين أصدرت بياناً بشأن متابعتها لما يحدث في مصر، والتي أكدت فيه أن «حق التعبير عن الرأي بشتى الوسائل السلمية بما في ذلك التجمعات والاعتصامات هو حق مكفول للجميع، ما تم الالتزام بالقانون والنظام ولم يعطل مصالح المواطنين أو يعرض حياتهم للخطر، وما أجمل النصيحة ممن انتصح بها أولاً، وقدم من نفسه مثالاً حياً ليقتدي بفعله قبل الآخرين».