قاسم: الإصلاح خيرٌ للجميع... ولا بديل عن المصالحة
الدراز - محرر الشئون المحلية
شدد خطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس الجمعة (2 أغسطس / آب 2013)، على أن «الإصلاح خيرٌ للجميع، وأنّ الإفساد فيه مقتلةٌ للكلّ وتدميرٌ لمكوّنات المجتمع والأوطان».
وتحدث قاسم في خطبته عن الربيع العربي، مشيراً إلى أنه «لا مخرج لأيٍّ من هذه الساحات من واقع الصراع المرير المكلف، لا مخرج كذلك ولا حلّ يمكن له أنْ يحقّق صورة من التوافق القادر على الصمود على الأرض والتمتّع بدرجة من الثبات إلّا حلّ المصالحة القائم على الرضا ولو تسليماً للأمر الواقع».
وتحت عنوان «هل يستويان؟»، تساءل قاسم «هل يستوي إصلاحٌ وإفساد؟ هل يستويان خلفيّة عقليّة أو دينيّة أو خلقيّة أو قانونيّة؟ هل تستوي الدعوة لهما كذلك؟ هل يستوي إصلاحٌ ودعوةٌ إليه وإفسادٌ ودعوةٌ إليه حبّاً للوطن وبناء له وحفاظاً على وحدته ورعايةً لقوّته ونتيجة إيجابيّة أو سلبيّة تلحقه؟ لا يستوي إصلاحٌ وإفساد، ولا دعوةٌ لهذا ولا دعوةٌ لذاك، الإصلاح حاجة طرف دون طرف؟ الإفساد ضرره على طرف دون طرف؟ رأيٌ قد يراه بعض، ولكن لا يراه راءٍ إلّا تحت تأثير الوهم والغرور وقصر النظر وإيهام الظروف، أمّا واقع حياة البيت الواحد والبلد الواحد والمجتمع الواحد والوطن الواحد فمنطقه الساري على خلاف ذلك، والساحة المحليّة والعربيّة والإسلاميّة وكلّ الساحات العالميّة تؤدّي شهادة صارخة بأنّ الإصلاح خيرٌ للجميع، وأنّ الإفساد فيه مقتلةٌ للكلّ وتدميرٌ لمكوّنات المجتمع والأوطان».
وأضاف «يذهب ذاهبون إلى نصح السلطات في كثير من الأقطار المتعددة التي ينشب فيها الصراع بين طرف السلطات والشعوب من منطلق إلغاء الحقوق باعتبار ما تمتلكه هذه الجهات من أسباب التضييق والقوّة والبطش والفتك بأنْ تبالغ في استعمال القوّة المفرطة وهي نصيحةٌ لو تدبرتها السلطات في كلّ مكان لرمت بها في البحر».
وأشار إلى أن «هذا الصوت الجاهليّ الظالم قد أشعل فتيل النار في كثير من بلدان الساحة العربيّة وألهبها وخلق أوضاعاً مأساويّة وزلزل كثيراً وحطّم كثيراً وأعطى من النتائج ما أعطى ممّا يشهد على بلاهة هذه النظرة وسخف هذا القول وسفه هذا الرأي، وإنْ كنت قويّاً كلّ القوّة بحسب نظرك أو حتّى بحسب واقعك جدلاً وقصدت مصلحة نفسك ومصلحة الوطن كلّه أو كنت لا تهمّك إلّا مصلحة ذاتك دون الغير، فإنّ ذلك ليس في الإفساد ولا الاستمرار عليه والبقاء على البغي والظلم والاستئساد على المستضعفين والقتل والحصد والإرهاب والعنف، وإنّما في العدل والإصلاح والعودة إلى مقتضى الدين والعقل والحكمة والتواضع، وكم جنى أهل بطش القوّة والذين ساقهم غرورها إلى البغي والظلم وعدم الركون إلى الدين والعقل خلاف ما كان يزيّن لهم ويعدهم به هذا المنطق السقيم، وأمامك تجارب الأمم والشعوب والتاريخ والحاضر وما يحمله الزمن كلّ يوم من دروس في هذا المورد، إنّ المجتمع الواحد محتاج بعضه إلى بعض حاجة أهل البيت الواحد بعضهم إلى بعض، وإذا زادهم الشقاق شقيت كلّ حياتهم».
الساحة العربيّة بين الاستئثار والمشاركة
إلى ذلك، قال قاسم: «منذ ما حقّقه ما أٌطلِق عليه الربيع العربيّ من انتصاراتٍ على أنظمة سياسيّة في مواجهةٍ لها لم تهدأ الساحة العربيّة ولا في منطقة واحدة من مناطق صراعها المحتدم الذي كان يستهدف الانتصار، وقام مقام الصراع السابق صراعٌ آخر بين أطراف الانتصار المشترك، أو أنّ ما حدث أنْ أخذ الصراع السابق لوناً آخر وصورةً مستجدّة على مستوى المواجهة وبقي المضمون هو المضمون أو متأثّراً إلى حدٍّ بعيد بوضعيّة الماضي وخلفيّته، ولاتزال الساحة العربيّة خاضعة في صراعاتها الحاليّة لإرادة الخارج وتدخّلاتها السافرة، ولاتزال روح الاستئثار والتفرّد بالحكم والسيطرة المطلقة عند مختلف الأطراف هو الشيء السائد والمحرّك الظاهر للصراع، ولاتزال الدماء تنزف، والجراح تتعمّق، والثروات تُهدَر، والعداوات تتسّع، والقتال في استمرار، والمغالبة محتدمة، والبلاد تخسر على أكثر من صعيد».
وأضاف «مع سيادة روح الاستئثار بالسلطة عند جميع الأطراف وعدم التورّع من استعمال القوّة لإخضاع إرادة الآخر لا توجد قوّة الحسم الكافية بيد أيٍّ منها أو الجوّ العام المناسب والذي يسمح بصورة مطلقة للاستخدام الحرّ لهذه القوّة والبطش المفتوح وإراقة الدماء من غير حدٍّ والإسراف في سفك الدّم، وعلى هذا يُستبعَد في ظلّ واقع الصراع القائم واستئساد كلّ الأطراف والمعادلات الراهنة على الأرض من أكثر من جهة أنْ يتحقّق الحسم لصالح الاستئثار بالسلطة والتفرّد بالحكم على يد هذا الطرف أو ذاك في كلّ الساحات، هذا إنْ لم يكن مثل هذا الأمر مستحيلاً عملاً ولو في مدى المستوى المنظور».
وأشار إلى أنه «بذلك لا مخرج لأيٍّ من هذه الساحات من واقع الصراع المرير المكلف ولتبقى قوّة من قوّة للبلدان التي تستعر فيها الأحداث الطاحنة وبقيّة من مكانة وفرصة ما لحالة من حالات الالتئام ومعالجة الأوضاع ولملمة الجراح وتوقّف حالة النزيف والاستنزاف ومسلسل التدهور والدمار والخسائر الفادحة، لا مخرج كذلك ولا حلّ يمكن له أنْ يحقّق صورة من التوافق القادر على الصمود على الأرض والتمتّع بدرجة من الثبات إلّا حلّ المصالحة القائم على الرضا ولو تسليماً للأمر الواقع».
ونبه قاسم إلى أنه «من دون ذلك فالنتائج كارثيّة على الكلّ - في كلّ بلادنا العربيّة - إلى حدٍّ بعيدٍ جداً ومن النوع الذي يهدّد وجود هذه البلدان، ووجود الأمّة ويفتح أبواب الخطر غير المحدود على واقعها وهويّتها».