قاسم: الإصلاح بحاجة إلى إرادة سياسية جادة... ونرفض حواراً للتعقيد والتأزيم
الوسط - محرر الشئون المحلية
شدد خطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس الجمعة (21 يونيو/ حزيران 2013) على أن الإصلاح في البحرين بحاجة إلى «إرادة سياسية جادة».
وتحت عنوان «حوار جاد أو ملهاة؟»، قال قاسم: «تكرارٌ نقول بأن الإصلاح وأوله الإصلاح السياسي ضرورة لابد منها ولا غنى في دين ولا قضية أمنٍ ومصلحة وطن، واستقرار أوضاع والتئام مجتمع ورضا شعب ومقتضى ميثاق ولغة دستور وعرف سياسي عالمي معروف زاحف بسرعة ربما غطى العالم وعمّ كل ربوعه، وربما لأكثر من مرة أؤكد بأن الإصلاح بما فيه الإصلاح السياسي لا يحتاج الحكم فيه إلى مقدمات وإلى انتظار، وإنما كل ما يحتاجه نية صادقة وميل للعدل وأخذ ٌبالإنصاف، وإرادة سياسية جادة».
وأضاف «إذا كان لابد من حوار كما يدعى فالحوار الذي يمكن أن يفضي مع صدق النية وإخلاص القصد إلى حل مقبول هو حوار جاد وعادل، لا حوار ملهاة ولا تسلية للإسكات وصرف النظر والتماس الأعذار، حوار قد يمسي بالعامية (مصماصة)، وكل يوم تعقد فيه جلسة من جلسات الحوار الجاري يدل على عدم الجدية، ويؤكد أنه لا لغرض الحل، ثم أنه لا يؤدي وظيفته الأخرى إذا كان قد أريد أن يكون من أجلها وهي وظيفة التسلية والتلهية، فلا يحدث تسلية ولا يلهي عن المطلب الضرورة الذي هو الإصلاح الذي آمن به الشعب كل الإيمان، ولا تنازل له عنه، وبذل في سبيله كل ما بذل، مما لا يصح له الرجوع بعده بلا مقابل إلى وضع وجد أنه لا يصح الصبر عليه قبل أن يبذل شيئاً في سبيل إصلاحه».
ووصف قاسم الحوار الجاري حالياً بأنه «حوار للتعقيد لا للحل، وللتأزيم لا للتخفيف، وللإثارة لا للتسلية والتلهية، والتسلية والتلهية لأي شعب من شعوب الأرض اليوم أصبحت صعبة جداً، وأما بالنسبة لمستوى شعب البحرين فهي مستحيلة».
وشدد على أن «المعوّل في الحل أولاً وأخيراً على الله سبحانه، ثم على إصرار الشعب على المطلب الإصلاحي الجاد القادر على إنقاذ الوضع، ووضعه على السكة الصحيحة الواصلة، وصبره على هذه التضحيات المتصاعدة المستمرة، ومواصلة الجهد العقلائي في المطالبة ضمن الأخلاقية الشرعية وبالأسلوب السلمي».
وأشار قاسم إلى أن «الحكم هو الذي يتحمل المسئولية وبيده فرص الإصلاح ولا تحتاج عنده إلى بحث ولا إلى انتظار، ولو أراد الساعة الإصلاح فإنه يملك أن يفعله، وكل تعلل على خلاف ذلك إنما يكشف عن عدم جدية وإرادة تعطيل وقصد استمرار وتمادٍ في الخطأ، والخير كل الخير لهذا الوطن، وإنقاذ وضعه ومصلحة كل مكوناته، وانتشاله من المأزق الذي صارت إليه به السياسة التي أنهكته وخلخلت بنيانه، إنما هو في الاصلاح وجديته، وكفايته وتسريعه، وأخذه النظر لمستوى الشعب من الوعي والنضج، والتطلّع والبذل الذي بذله، أما ما هو على مستوى الأرض والواقع الخارجي داخل الحوار، وفي الساحة السياسية والأمنية والإعلامية والأبعاد الأخرى التي تدير حركتها السلطة، فالاتجاه إنما هو لمزيد من التصعيد والتعقيد والتأزيم، وتراكم المشاكل وسد المنافذ التي يمكن أن تفضي إلى حل يخرج الوطن من المأزق وعنق الزجاجة الذي يضيق بمرور الوقت».
وتابع «بلا استعراض لما عليه قضية التأزيم والتعقيد ومضاعفة المشاكل من جهة السلطة، فإنه يكفي لتعميق هذه القضية هذه الدعاوى التي لا تتوقف ولا تجد لها نهاية باستمرار اكتشاف خلايا ومنظمات إرهابية، ومسلسل من المؤامرات المتوالية التي لا تكاد تترك رمزاً من رموز المعارضة، ولا فصيلاً من فصائلها، ولا صوتاً حقوقياً جريئاً إلا واجهته بتهمة من هذه التهم، وانتهت في التحقيق معه إلى إدانته وإصدار العقوبة القاسية في حقه لتشمل العقوبة المشددة العشرات بعد العشرات، والفوج بعد الفوج، والجماعة بعد الجماعة، ويزجّ بهم في ظلمة السجون، لمدد طويلة تستوعب عمر الكثيرين».
واستدرك قائلاً «لو أخذنا بروايات السلطة بشأن ما تدّعيه من اكتشاف العديد من المؤامرات والمنظمات والخلايا الإرهابية والتخطيط للتفجيرات الخطيرة لصارت النتيجة أن البحرين من أكبر مطابخ الإرهاب في العالم، وأن شعبها من أكثر الشعوب تخطيطاً للمؤامرات إن لم تكن الأكبر وشعبها الأكثر في هذا وذاك، ولحسن الحظ كما يصور الإعلام السياسي الأمر أن المحاولات الإرهابية الضخمة والمؤامرات الظلامية الخطيرة تكتشف بصورة مبكرة لينزع فتيلها بكل أمن وسلامة، ويودع القائمون عليها غياهب السجون ليكفى الوطن ما وراءهم من كيد وشر وعداوة بالغة، وإذا بحثتَ عن الدليل وجدته يتكرر في كل مرة فيما تنتهي إليه التحقيقات العادلة النزيهة في الأجواء الآمنة المريحة، وفي فسحة وسعة كافية من حيث حرية التعبير عن الرأي والإعلان الصادق عن الإرادة، وهذا شيء يتميز به المتآمرون والإرهابيون من أبناء شعب البحرين، كما يصوره الإعلام الرسمي في أنه رغم خيانتهم المدعاة، إلا أن لهم صدقاً من رقمٍ قياسي يمنعهم من التخلّف عن قول الحقيقة فيما جنت أيديهم على الوطن وفيما أرادوه به من شر، ويجعلهم يسرعون في الاعتراف بكل دقة وأمانة وارتياح بجناياتهم التي تطابق مُدَّعَى السلطة وطريقة تخريجها للحدث المزعوم، وإن كلّفهم هذا الاعتراف الاختياري الحر - كما يعلمون - سلب حريتهم وفقدهم الحياة. ولذلك هم لا يحتاجون لنزع الاعترافات منهم إلى تعذيب ولا مس أذى».
وذكر أن «مسلسل من دعاوى عمليات التخطيط للإرهاب والمؤامرات لا نهاية له حتى ينال آخر معارضٍ عقوبته الصارمة، وحتى يهلك في السجن من يهلك، ويذوق الجميع العذاب».
وقال قاسم: «قد يوجد تفكير آخر على مستوى السلطة يباين هذا التفكير ويرى في الإصلاح الحل وراحة الجميع، ولكن لا برهان من ناحية عملية عليه لحد الآن، ولا بوادر جدية على طريقه، ولا يرى الناس له بصيص أمل، وعناد السلطة مقابل بإصرار الشعب على مواصلة الطريق، حتى تحقيق المطالب الثابتة العادلة، وكتب الله لهذا البلد الأمن والسلام، وأخرجه من الظلمات إلى النور، إنه سميع مجيب».
وفي موضوع آخر، وتحت عنوان «انقلاب على الدين»، تحدث قاسم عن أن «أرض البلاد الإسلامية تصبغها الدماء عاماً بعد عامٍ ويوماً بعد يوم، والدماء التي تسيل على هذه الأرض وتزداد سيلاناً دماء مسلمة على أيدٍ مسلمة، ولا أعني بذلك دماء جبهتين متقاتلتين في قتال بغض النظر عن الظالم والمظلوم، والمعتدي والمعتدى عليها منهما، وإنما المعني هنا دماء أطفالٍ وشيوخٍ ونساءٍ وصبيةٍ وشبابٍ ورجال لا يخوضون حرباً، ولا علاقة لهم بقتال، ولا يشتغلون بالسياسة، ولا علاقة لهم بها، ولا صلة لهم بها، هؤلاء تهدر دماؤهم، تزهق أرواحهم، يمثل بهم وهم في طلب الرزق، وفي صلاتهم، في السوق، في المسجد، في الحسينية، في منازلهم، في أي طريق، في أي ساعات من ساعات الليل والنهار، ذاهبين إلى الصلاة، خارجين منها، في حفلة زفاف، في حفلة من حفلات الفرح، في مأتم من مآتم الموتى، في تشييع جنازة، في مطعم، في مقهى، في أي مكان، في أي مناسبة بلا قيد ولا شرط، ومن غير موقف مضاد من الضحايا ولا حتى كلمة مؤذية، هذا والعلماء المسلمون في مشهدٍ من كل ما يجري ومرأى، والموقف هو السكوت إلا أن يكون الدم دم من يتفق معك أو معي في المذهب، حينئذٍ أثور، حينئذ أنكر، حينئذ تنكر».
وأضاف «ما يصدر من كثير منهم، ومن رؤوس كبيرة ما هو صريح في إباحة هذا المنكر الفضيع، والفساد في الأرض، وكذب على الله ورسوله بوعد الثواب الجميل الجليل لمن أقدم عليه، وازداد منه، أو كلمات توقد الفتنة ولا تبقي عند جهلة الناس شكاً في مشروعية هذا الفعل».
وتساءل «هل توجد انتكاسة في الفهم للإسلام أكبر من هذه الانتكاسة إن كان ذلك عن نوع من الفهم للإسلام؟ وهل يوجد انقلاب عملي عن الإسلام عن عمدٍ وإصرار إن لم يكن وراء هذه المواقف خطأ في الفهم، وإنما كانت مضادة لله ولرسول الله صلى الله عليه وآله؟ وهل لأمة تتخذ من دينها الحق هذا الموقف المشوه له، المسقط لكرامته في النفوس أن ترتقب من الله سبحانه الرحمة؟ إنه خوف على الأمة كل الأمة... من عذاب قريب، في ظل هذه الأخلاقية المنفلتة عن دين الله، وهل تتوقع أن تقوم لها - أي هذه الأمة - أن تقوم لها قائمة بين الأمم، وهي تقيم على هذا المنكر الشنيع، وعلى مستوى علمائها؟ أليس هذا من العداء لله قبل أن يكون عداءً للإنسان، ومن الاستخفاف بحرمة الدين واستهدافه بالأضرار قبل أن يكون استخفافاً بدم الناس واستهدافاً محرماً لهم».
وشدد قاسم على أن «على كل عالمٍ ومتعلمٍ من المسلمين وعلى كل من للإسلام حرمة في نفسه، وله خشية من الله سبحانه، أن يصرخ في وجه هذا المنكر والانقلاب على الإسلام: المسلم حرام كلّه على المسلم، عرضه، وماله، ودمه».
كما أكد على أن «نداءات الوحدة الإسلامية يجب أن تتعالى لسان كل مخلص من أبناء هذه الأمة الواحدة، كما أراد لها ربها سبحانه وتعالى ونبيه الكريم (ص)، وأئمتها الهداة، وفي كل بقعة من بقاع الأرض حتى تندحر أصوات الفرقة، ويعز الحق، وتتوحد صفوف الأمة، ويقهر أعداؤها».
وذكر أن «الأصوات الوحدوية المخلصة، التي تحرص على تماسك بناء الأمة وسلامة كيانها، تواجه بالغضب والحنق والتشكيك والدعوة المضادة - راجعوا الصحافة، راجعوا الإعلام - والدعوة المضادة من السلطات الدنيوية الراجفة من صحوة الأمة ووحدتها وتلاحمها، ومن إعلامها الفاجر، وأقلامها المأجورة، وإذاعاتها وفضائياتها المتآمرة».
ودعا إلى «انطلاق الكلمة المخلصة المكثفة، والفعل الجاد المستمر، والمشاريع المدروسة المصممة على ترميم وحدة الأمة، وحمايتها، واستكمال بنائها، والدفع بها إلى الأمام والترسخ والثبات، من غير التفات إلى الأصوات الهدّامة النشاز الجاهلية والمتآمرة على وحدة الأمة وعزتها وسلامتها، وعلى دينها القويم، وكيانها الذي فيه عز الأرض، وإنقاذها وخيرها، ورفعتها».
ونوه إلى أن «وثيقة الوحدة الإسلامية الصادرة عن المجلس الإسلامي العلمائي في البحرين، وما تمثله من التزام من جانب المجلس بجانب واجب وحدة الأمة لهي من صميم واجب المجلس، ومن صلب خطه، وأعظم اهتماماته، وثوابت خطته».