العدد 1565 بتاريخ 18-12-2006م تسجيل الدخول


الرئيسيةالعلامة الشيخ عبدالأمير الجمري
شارك:


منذ «السبت الأسود» ومروراً بـ «الانفرادي» حتى «الجلطة القلبية»

6 أعوام عاشها الشيخ الجمري بين المعتقلات والحصار والإقامة الجبرية

الوسط - هاني الفردان

هو المحارب الذي ضحى بكل ما لديه من أجل أن تبقى الأمة ومن أجل أن تستريح، هو الرجل الذي ستشتاق إليه الناس كـ «اشتياق يعقوب إلى يوسف»، كما قالها لهم بدموع الأب الحنون لشعب عاش معه أصعب وأحلك الأيام، عندما قال له في أول لقاء له بعد الإقامة الجبرية «أيها الأحبة، يشهد الله أني أشتاق إليكم اشتياق يعقوب إلى يوسف».

عاش الجمري ستة أعوام متواصلة إما معتقلاً أو محاصراً أو تحت الإقامة الجبرية، وذلك في الفترة من العام 1995 أو ما عرف بـ «يوم السبت الأسود» وحتى العام 2001 بعد إصابته بجلطة في القلب وأجريت له عملية في القلب في المستشفى العسكري لترفع الإقامة الجبرية عنه، ثلاث سنوات ونصف منها كانت في السجن الانفرادي.

بين القضاء والسجن والحصار

لا يمكن اختصار المسافات الزمنية لذكر تضحيات وعذابات أبي جميل إلا أننا سنتناول الجانب الأصعب وهو العمل السياسي ومرارات الاعتقال والسجون والإقامة الجبرية والحصار، فهو الذي عاش العمل السياسي منذ أن عين قاضياً في المحكمة الجعفرية في العام 1977 بعد حلِّ المجلس الوطني بعامين وذلك بعد طلب مؤكّد ومتكرّر من المسئولين في البلاد، وبعد أن أعلن موافقته على القضاء بناءً على إجازة كل من المرجعين الدينيين سماحة السيدأبوالقاسم الخوئي (قدس سره) وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين (قدس سره) وفي 1988 عُزِلَ عن القضاء بسبب خلافات حصلت بينه وبين المسئولين في عدة أمور، وبسبب مؤاخذات حادّة من قِبَلِهم عليه على أساس مواقف إسلامية كانت له، وتصريحات من قِبَله تشجب عدة قضايا تُمارس في البلد، وذلك من منطلق النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد عزله اعتُقِل، واستُدعيَ للتحقيق عدة مرات وأُلقيَ عليه أكثر من اتهام، إلا أنّه وبسبب اطمئنانه بصوابية مواقفه لم يتراجع وواصل نشاطاته المختلفة وارتباطه الوثيق بعموم الناس، ما أدى إلى اعتقال ابنه محمد جميل وزوج ابنته عبدالجليل خليل وحكم عليهما بعشر سنوات وسبع سنوات سجناً على التوالي.

وفي ظل التصعيد السياسي والأمني الذي عاشته البحرين في فترة التسعينات وضع الشيخ الجمري تحت الحصار لمدة أسبوعين ثم نقل إلى المعتقل. في الأول من أبريل/ نيسان 1995 بعد أن تمت محاصرة قرية بني جمرة وقتل اثنان من أبنائها وجرح خمسون آخرون، وذلك بعد أن شارك أبوجميل في إعداد وتوقيع العريضة النخبوية المطالبة بالحقوق الدستورية والبرلمانية (نوفمبر/ تشرين الثاني 1992)، وفي إعداد والدعوة إلى توقيع العريضة الشعبية التي رفعت المطالب نفسها المرفوعة في العريضة النخبوية العام 1992 (أكتوبر/ تشرين الأول 1994).

هدوء لم يستمر

بعد اعتقال الشيخ الجمري شهدت البحرين تحولات كبيرة ومصادمات دامية في مختلف مناطق المملكة، ما دعا السلطات الأمنية إلى الدخول في حوار مع الشيخ الجمري والإفراج عنه في 25 سبتمبر/ أيلول 1995 بعد اتفاق مع السلطات الأمنية لإعادة الهدوء مقابل مناقشة المطالب والسعي إلى تحقيقها.

وذلك الهدوء لم يطُل، فبعد أقل من أربعة أشهر وتحديداً في 21 يناير/ كانون الثاني 1996 أعيد اعتقال الشيخ الجمري ليشتد اضطراب الوضع الأمني والسياسي في البلاد. وضع في الحجز الانفرادي لأكثر من تسعة شهور ثم نقل إلى سجن مراقب في كل كلمة يقولها وكل شيء يفعله ومنعت عنه الزيارات إلا من زوجته وأبنائه فيما يتم تسجيل كل كلمة تقال وتم من خلال ذلك حجب الشيخ عن كل شيء حتى الإفراج عنه بعد ثلاث سنوات ونصف.

وعرض الشيخ الجمري على محكمة أمن الدولة في 21 فبراير/ شباط 1999 بعد انقضاء فترة الحكم الإداري تحت قانون أمن الدولة، وأصدرت في السابع من يوليو/ تموز 1999 حكماً بالسجن عشر سنوات ودفع غرامة مقدارها 15مليون دينار لينفلت الوضع الأمني مباشرة بعد ذلك، وبعد الحكم بيوم واحد فقط ظهر الشيخ الجمري في التلفزيون قبيل الإفراج عنه بعفو ليوضع تحت الإقامة الجبرية مرة أخرى والتي لم ترفع عنه إلا في الثالث والعشرين من يناير 2001 وبعد أن تعرض الشيخ الجليل إلى الإصابة بجلطة في القلب وأجريت له عملية في القلب في المستشفى العسكري.

استراحة محارب غيبته عن حصاد النصر

يقول زوج ابنته والنائب الحالي في مجلس النواب عبدالجليل خليل إن الحديث عن الشيخ الجمري حديث ذو شجون وآلام، فالشيخ أعطى كلّ ما يملك وحين تحقّقت بعض ثمار النصر غاب عن الأنظار حاله حال الشهداء، فقد شاءت القدرة الإلهية أن يستريح المحارب.

وأشار خليل إلى أن الشيخ الجمري لم يضع حدّاً أو فاصلاً يفصله عن أبناء الشعب على رغم انشغالاته وكبر سنّه وتدهور صحّته، فزياراته لأهل البحرين شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً بقدر الإمكان لم تتوقّف سواءً في المناسبات أو الأعراف، وسواءً في وقت الشدّة أو الرخاء، فباب الشيخ ظلّ مفتوحاً للرجال والنساء والشباب والشابّات. وكان دائماً قلباً حنوناً على الشباب خصوصاً حين يحتاجون إلى الدعم المادي أو المعنوي، وأُذناً صاغية لكلّ مشكلاتهم وهمومهم الخاصّة والعامّة. وكان متواضعاً يجلس مع الصغير والكبير يُشاورهم ويُشاورونه ولا يجد في نفسه أيّ غضاضةٍ أن يعمل برأيهم إذا وجد فيه مصلحة أو ثبت في رأيهم صحّة.

وأكد خليل أنه لا يبالغ حين يقول إنّ الشيخ الجمري ما كان يُفرِّق بين أبنائه وكلّ الشباب خصوصاً أيام المحنة ولعلّكم تذكرون حين عُرِضَ عليه إطلاق سراح أبنائه مقابل السكوت عن المطالب فردّ على الوسيط قائلاً: «كلُّ الشباب أبنائي» قالها على رغم التهديد والوعيد وعلى رغم مرارة الفراق وشدّة الألم الذي كان يعتصره من فراق الأبناء بعضهم في السجن والبعض الآخر في المنافي.

وبين خليل أن أكثر ما كان يُميّز الشيخ في كلّ سنيِّ الجهاد التزامه النهج السلميّ حتى في أحلك الظروف عندما كانت مسيّلات الدموع والرصاص يتساقطون على رؤوس الناس كالمطر، مؤكداً أن ذلك ليس بادِّعاء، فالكل يستطيع أن يُراجع خطب الشيخ وبياناته الموثّقة ولن تجد كلمة فيها عنف ولا دعوة فيها تحريض. ولو كان بالإمكان لما احتاجت أجهزة المخابرات إلى محاكمةٍ صوريةٍ تفتقر إلى أبسط الحقوق.

رجل المبادرات والمواقف

وقال خليل إن الشيخ الجمري لم يكن ليقبل أن يرى الساحة تحترق في حضوره فيغلق بابه خلفه وينام، وما كان يفّوت أية فرصةٍ يمكن أن يحقّق من خلالها بعض الحقوق فيتقاعس حتى وإن كلّفه ذلك السجن والتشريد له ولعياله، ولذلك تقدّم مع إخوته من المخلصين بالعريضة الأولى ثم الثانية بعد غزو العراق للكويت حين ارتفعت بعض الأصوات المطالبة بالإصلاح في المنطقة، ولم يمنعه أيضاًً أن يتقدم مع إخوته من داخل السجن بالمبادرة على رغم سقوط الشهداء واعتقال الآلاف وتهجير المئات التزاماً بالأسلوب السلمي وحفاظاً على مصلحة الوطن.

وأشار خليل إلى أن الشيخ الجمري لم ينسَ يوم السبت الأسود ولا الزنزانة الانفرادية لثلاث سنوات ونصف ولا المحاكمة الظالمة، ولم يكن ساذجاً بتفاصيل الميثاق وبنوده لكنّه ما أن رُفعت عنه الإقامة الجبرية حتى تقدّم بمبادرة الموافقة على الميثاق بشرط إطلاق سراح المعتقلين وعودة المبعدين وعودة الحياة النيابية لأنّ همّه الوطن وشغله الشاغل مطالب الناس.

وأكد خليل أن الشيخ الجمري لم يرفع شعاراً إلا وكان أول العاملين به، وما كان يطالب الناس بالعمل ثم يتراجع ويختبئ حفاظاً على سلامته وسلامة أهله، وإنه كان أول المصلّين على جسد الشهيد هاني في السنابس وهاني الوسطي في جدحفص، والوحيد الذي يستنهض الناس في الدراز للصلاة على جسد الشهيد عبدالحميد على رغم كثافة قوات الأمن وغزارة مسيلات الدموع?



أضف تعليق