تنافس نسائي... تحالف التيارات ضدها... نزول في دوائر محسومة
هل تتكرر ملامح تجربة المرأة الكويتية الانتخابية في البحرين (1-2) ؟
الوسط - ندى الوادي
«خسرت المرأة الكويتية الانتخابات الماضية، وانتصرت في مقابلها الطائفية والحزبية والقبلية»، هي جملة أعلنتها منذ أشهر المترشحة الكويتية السابقة فاطمة العبدلي في زيارة لها للبحرين، لتجيب من خلالها بكل بساطة عن السؤال الذي يطرحه الجميع عليها «لماذا لم تفز المرأة الكويتية في أولى تجاربها الانتخابية بعد المطالبة الطويلة التي خاضتها النساء الكويتيات للحصول على الحق في ممارسة الحقوق السياسية؟».
وكلما سئلت العبدلي هذا السؤال، رفعت رسماً كاريكاتورياً نشر في إحدى الصحف الكويتية بعد إعلان نتائج الانتخابات وتشكيلة مجلس الأمة الكويتي الجديد، كان الرسم يصور رجلاً «من التيار الديني» في مركب صغير، تصحبه نساء ثلاث هن «الطائفية والحزبية والقبلية» يجدفن له إلى أن وصل بر الأمان. التجربة الانتخابية التي خاضتها المرأة الكويتية في 29 يوليو/ تموز الماضي تعتبر مثالاً حياً يمكن من خلاله استقراء الواقع، وإسقاط بعض حقائقه على البحرين بشكل أو بآخر، من خلال مقارنة ما حصل، بما يحصل في البحرين، أو ما سيحصل في دوائر بحرينية متعددة على صعيد ترشح المرأة للانتخابات، نتيجة لقرب التجربتين، وارتباطهما يبعضهما.
في هذا التقرير نسلط الضوء عبر حلقتين على أبرز المؤشرات والانطباعات التي رصدت من خلال تجربة المرأة في الانتخابات الكويتية الماضية، ونحاول ربطها بالمؤشرات التي يمكن رصدها «حتى الآن» لتجربة المترشحات البحرينيات اللاتي يخضن التجربة الانتخابية الثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
هل «العبرة بالنتيجة» فعلاً؟
لم تفضل المترشحات الكويتيات المثل القائل «العبرة بالنتيجة» عنواناً يختصر تجربتهن، لأن النتيجة بكل بساطة لم تكن لصالحهن، على رغم الزخم الإعلامي «الخارجي على الأقل» الذي ناله خوض المرأة كناخبة ومترشحة في الكويت لأول مرة. لم تكن النتيجة لصالح أي من المترشحات إذ لم تفز أي منهن، ولا حتى بربع الأصوات في أية دائرة خضنها، وشكلت هذه الهزيمة لوعة في بعض الدوائر التي لم تحصل المرأة فيها على أصوات كثيرة على رغم غالبية نسائية ساحقة تمثلها نسبة الناخبات (النساء) في الدائرة. وفي وضع ترتيب لمراكز القوى بين المترشحات حصلت المترشحة فاطمة العبدلي على نحو 14 في المئة من الأصوات الكويتية محرزة المركز الأول بين النساء المتقدمات للترشح، جاءت بعدها المترشحة الناشطة الكويتية رولا دشتي التي حصلت من الأصوات على 12 في المئة في دائرتها، وتلتها ليلى الراشد بنسبة بلغت 10 في المئة من الأصوات، ثم نبيلة العنجري بنسبة 8 في المئة من الأصوات. في دائرتها نافست العبدلي 14 رجلاً «ذكر الكثيرون أنها أحد الأكفأ بينهم»، لكنها لم تفز على رغم أن النساء يمثلن 60 في المئة من القاعدة الانتخابية في الكويت. وتعليقاً على ذلك قالت العبدلي في تصريح سابق لـ «الوسط»: «كان المعوق الأكبر سطحية الفكر السياسي لدى المرأة بأهمية صوتها الانتخابي الذي لم تمنحه لأختها المرأة». لكن النتائج الرسمية للانتخابات تدحض الفكرة المعادة والمكررة «بأن المرأة كانت عدواً للمرأة»، إذ تبين أن عدداً من المترشحات حصدن أصواتاً في مجملها «نسائية» في دوائرهن. فقد حصدت المترشحة فاطمة الحساوي في الدائرة الثامنة (حولي) أصواتاً نسائية شكلت 60 في المئة من مجموع الأصوات التي حصلت عليها، فيما حصدت المترشحة غنيمة الحيدر في الدائرة التاسعة (الروضة) أصواتاً نسائية شكلت 71 في المئة من مجموع الأصوات التي حصلت عليها. لم تكن المرأة الكويتية عدواً للمرأة إذاً، على الأقل في هاتين الدائرتين، وعلى رغم صعوبة التجربة الانتخابية، وعلى رغم التقاليد والموروثات الاجتماعية، وعلى رغم معطيات وعوامل كثيرة تجعل التصويت للرجل أمراً متوقعاً وطبيعياً ومبرراً، صوتت غالبية نسائية لمترشحة «امرأة». نسبة إيجابية أخرى ذكرتها التقارير بشأن نتائج الانتخابات لصالح المرأة، إذ أفادت أن بعض النساء «تفوقن» على منافسيهن الذكور في عدد من الدوائر الانتخابية، على رغم عدم فوزهن، وهذا مؤشر مهم جداً، فالمرأة الكويتية حصدت أصواتاً إذاً، تفوقت بها على منافسيها الرجال أحياناً. فقد فازت المترشحة ليلى الراشد مثلاً بالمركز الرابع، بين ستة من المترشحين المنافسين لها في الدائرة الخامسة والعشرين (أم الهيمان).
مترشحات قليلات العدد
... منتخبات فُقن الرجال
بدأنا هذا التقرير من النهاية، نهاية ظهور النتائج الانتخابية في الكويت، وهي النتائج التي لا يمكن أن نقارنها بالبحرين بطبيعة الحال إلا بعد ظهور نتائج الانتخابات فيها أيضاً، غير أن هذه النتائج بالضرورة جاءت نتاجاً لعوامل كثيرة ومتداخلة رسمت ملامح المعركة الانتخابية التي خاضتها المترشحات الكويتيات، وهي الملامح التي تقترب أحياناً، وتبتعد أحياناً أخرى من ملامح المعركة الانتخابية التي بدأت المترشحات البحرينيات خوضها في دوائر انتخابية مختلفة، ولا تعرف نتائجها حتى الآن. بنظرة مبدئية للمؤشرات الأولية نجد أن نحو23 سيدة بحرينية (5 منهن يخضن الانتخابات البلدية) يخضن الانتخابات المقبلة من أصل نحو 217 مترشحاً بحرينياً، ونجد النسبة متقاربة جداً مع الكويت، إذ خاضت انتخابات مجلس الأمة الماضية نحو 27 مترشحة من بين 249 مترشحاً.
أما عن المشاركة في الانتخابات، فيتوقع أن ترتفع نسبة المشاركة في البحرين هذا العام بناء على مشاركة التيارات السياسية التي قاطعت الانتخابات في انتخابات العام 2002، يذكر أن نسبة مشاركة المرأة في التجربة البحرينية الأولى كناخبة بلغت نحو 51 في المئة متفوقة على الرجل. وبالتالي يمكننا أن نتوقع أن تزيد نسبة المشاركة النسائية هذا العام أيضاً لتتفوق على نسبة مشاركة النساء في الانتخابات الكويتية التي بلغت نحو 35 في المئة فقط، وهي النسبة التي اعتبرت «بالجيدة» قياساً على أنها التجربة الأولى التي تخوضها المرأة الكويتية ناخبة.
أعداد المترشحات في كل من الانتخابات البحرينية والكويتية معاً لاتزال أقل من نصف عدد المترشحين الرجال، غير أن المرأة تشارك بشكل غزير كناخبة شاغلة نسبة مهمة وحاسمة من الأصوات الانتخابية.
منافسة نسائية/ نسائية
كان من الواضح في الانتخابات الكويتية أن المرأة نافست المرأة في عدد من الدوائر الانتخابية، في حين اعتبرت الدائرة العاشرة (العديلية) هي الدائرة الأكثر «شراسة» بالنسبة إلى النساء في الكويت، إذ تنافست فيها 6 مترشحات نساء من بين 16 مترشحاً. وعلى رغم أن أياً من تلك الوجوه النسائية لم تحقق الفوز، فإن اثنتين بينهن، هما رولا دشتي ونبيلة العنجري، حصدتا أصواتاً لا بأس بها، شكلت إجمالاً أعلى الأصوات التي حصلت عليها أية من المترشحات النساء في الانتخابات. لا نعرف إن كان المشهد سيتكرر في البحرين أيضاً بالشراسة نفسها، إذ إن 3 دوائر انتخابية في البحرين تشهد منافسة نسائية/ نسائية، في وضع وصفه كثيرون بأنه غير مشجع ولا يقف لصالح فوز المرأة، وإنما يشتت أصوات المؤيدات للمرأة. وكان للمحرق نصيب الأسد من هذه المنافسات؛ إذ تتنافس كل من صباح الدوسري وخديجة القحطاني على المقعد البلدي في الدائرة السابعة في المحرق والتي ينافسهن عليها أيضاً ثلاثة مترشحين، فيما تنافس بدرية المسلماني زميلتها هدى المطاوعة على المقعد النيابي في الدائرة الثانية من المحافظة نفسها ينافسهن فيها خمسة مترشحين آخرين من تيارات متنوعة، علاوة على تنافس كل من فتحية القيم وحنان الكواري في الدائرة السابعة من المحافظة الشمالية في مواجهة 6 مترشحين آخرين من تيارات متنوعة اعتبر بعضهم ذو حظوظ قوية جداً.
النزول في دوائر محسومة سلفاً
من الظواهر اللافتة للانتباه في تجربة المرأة في الانتخابات الكويتية الماضية هو نزولها في دوائر «محسومة سلفاً» في كثير من الأحيان، إذ لم تكن مواجهتها لمترشح عادي أو لموروث اجتماعي في تلك الدوائر، وإنما كانت حرباً شعواء على تيارات قوية سيطرت عبر تاريخ طويل على الساحة السياسية، ولا يمكن كسر هذه التيارات لا من امرأة ولا من «عشرة رجال». كانت تلك تجربة المترشحة عائشة الرشيد التي نزلت في كيفان (الدائرة المحسومة للتيار السلفي)، والتي شن فيها الإسلاميون حرباً شعواء عليها وعلى باقي المترشحات النساء. وعن ذلك قالت الرشيد في تصريح سابق لها لـ «الوسط»: «هذا هو التحدي الأكبر بالنسبة إلي على رغم صعوبة الدائرة الانتخابية، إذ يتمركز التيار الديني، إنني على ثقة كبيرة بأهالي الدائرة وخصوصاً أننا نجد في هذا التيار إهمالاً للمرأة الكويتية، بل إنه كان ضد منح الحقوق السياسية للمرأة الكويتية، وبعد كل ذلك نجد رموز التيار اليوم يتوددون إلى المرأة الكويتية لحاجتهم إلى صوتها... الناس تعرف الحقيقة وأهل كيفان شطار يفهمونها وهي طايرة».
لكن أهل كيفان لم يفهموها وهي «طايرة»، أو ربما فضلوا عدم الفهم لتخسر الرشيد معركتها التي كان من البديهي أنها لن تنجح فيها.
أما في البحرين، فالوضع متشابه إلى حد كبير في هذه النقطة بالذات، فكثير من الدوائر التي تخوض فيها نساء محسومة «إلى حد ما» لتيار معين، وغالباً ما يكون تياراً دينياً، إذ تنافس المترشحات المستقلات مترشحي جمعية الوفاق الوطني الإسلامي في أربع دوائر انتخابية على الأقل، بينما تنافس المستقلات أيضاً مترشحي كتلة الأصالة والمنبر الإسلامي في تسع دوائر انتخابية على الأقل. ولا يمكننا القول إن هذه الدوائر «محسومة سلفاً» لهذا التيار أو ذاك، لكن لا يمكننا أيضاً ما لهذين التيارين الدينيين من تأثير على الشارع العام. يذكر أيضاً أن غالبية المترشحات الـ 23 في الانتخابات المقبلة «مستقلات»، فالصعوبة بالنسبة إليهن ستكون مضاعفة نظراً إلى مواجهتهن تيارات سياسية قوية منظمة الصفوف، إلى جانب الموروث الاجتماعي الذي لايزال غير محبذ لانتخاب المرأة.
في حديث سابق إليها مع «الوسط» أشارت المترشحة السابقة فاطمة العبدلي إلى نقطة مهمة اعتبرتها المفصل في خسارة المرأة الكويتية في الانتخابات بقولها: «لأول مرة تحصل هناك تحالفات بين التيارين الليبرالي والإسلامي فقط لإسقاط المرأة». هل أسقط تحالف التيارات المرأة فعلاً في الكويت؟ ربما كان سبباً أو أحد الأسباب لإسقاطها فعلاً، إذ كان كل تيار من هذه التيارات «يريد أن يضع بصمته على الكويت» على حد قول العبدلي. فما هو الوضع في البحرين؟ ربما نكون بالسوداوية نفسها في الحكم على وضع المرأة كمترشحة في بعض الدوائر تحالفت ضدها التيارات المتضاربة، لولا نموذج المترشحة منيرة فخرو الذي يبدو لنا جلياً واضحاً لإبعاد أي شك. فلفخرو، مترشحة الدائرة الرابعة في المحافظة الوسطى، وذات الشعبية الكبيرة والحظوظ الأكبر في الفوز، اتحدت تيارات مختلفة من أجل دعمها، حتى حصلت - وهي الليبرالية المؤسسة لجمعية العمل الديمقراطي - على دعم منقطع النظير من جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، حتى جهر الأمين العام لجمعية «الوفاق» في حفل افتتاح مقرها الانتخابي بقوله: «أنا ومنيرة في خندق واحد». وعلى رغم أن تحالف تلك القوى السياسية لدعم فخرو، جاء على غرار التحالف لدعم شخصيات وطنية أخرى كالأمين العام للمؤتمر الدستوري عزيز أبل، في مواجهة مترشحي كتلة المنبر الإسلامي والأصالة، إلا أن هذا التحالف يحسب لصالح «المرأة» التي اعتبرت عنصراً قوياً يستحق أن تراهن عليه هذه القوى، وتدفع بقوة لفوزه، حتى لو اختلفت تياراتها.
تهمة «التأمرك»
التصقت تهمة «التأمرك» وتلقي الدعم « الأميركي» بالمترشحات الكويتيات أينما حللن في فترة الانتخابات الكويتية، اتهمن بتلقيهن الدعم المادي المباشر أو غير المباشر من السفارة الأميركية، اتهمن بـ «التأمرك» وتقليد المفاهيم الغربية، وكانت كل هذه التهم نتاجاً للمرحلة التي مرت فيها الكويت التي تخضع للوجود الأميركي على أراضيها بقوة، بالإضافة إلى الظروف التي تمر بها المنطقة العربية ككل. عن هذه الاتهامات رفضت المترشحة رولا دشتي - أولى المتهمات بتلقي الدعم الأميركي - في مقابلة لها نشرت في صحيفة «القبس» الكويتية في 25 يونيو/ حزيران 2006 هذه التهم جملة وتفصيلاً.
وبسيناريو «مبحرن» قليلاً تواجه المترشحات البحرينيات اتهامات شبيهة، وخصوصاً بعد أن أعلن برنامج التمكين السياسي للمرأة البحرينية التابع للمجلس الأعلى للمرأة دعمه للمترشحات بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإيجاده صيغة قانونية مناسبة لهذا الدعم، الذي حدد بمبلغ 3 آلاف دينار بحريني فقط تمنح للمترشحات على شكل دفع لفواتير الحملات الدعائية والبوسترات ومستلزمات الحملة الانتخابية للمترشحة. وتسببت هذه الـ 3 آلاف دينار، إضافة إلى كون ثلاثة أرباع المترشحات النساء هن خريجات برنامج التمكين السياسي للمرأة التابع للمجلس الأعلى للمرأة، وهي جهة حكومية، تسبب كل ذلك في تصوير المترشحات على أنهن «نتاج حكومي، يتلقين الدعم من الحكومة، وأن لا استقلال لهن»، وهو الأمر الذي نفته غالبية المترشحات في افتتاح مقراتهن الانتخابية، مؤكدات استقلالهن التام، ومبتعدات عن دعوة أي شخصيات من المجلس الأعلى للمرأة لحضور افتتاح تلك المقرات لكي لا تلتصق تلك التهمة بهن، مثلما التصقت تهمة « التأمرك» بقريناتهن الكويتيات