قاسم: المعارضة لا تستهدف عرقلة «الحوار»... والاستفتاء على نتائجه أمر لابد منه
الوسط - محرر الشئون المحلية
قال إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، الشيخ عيسى قاسم، إن الجمعيات المعارضة «لا تستهدف» عرقلة الحوار، أو «وضع العصا» في عجلته، مؤكداً أن الجانب الشعبي حريص على الحوار وإنجاحه، إذا كان سيؤدي إلى «يوم الإصلاح الجدّي».
وأوضح قاسم، في خطبته يوم أمس الجمعة (1 مارس/ آذار 2013) أن «يوم الإصلاح الجدِّيّ يومٌ ينتظره الشعب وتنتظره المعارضة على أحرَّ من الجمر، وإذا كان من حوارٍ يمكن أنْ يوصل إلى ذلك اليوم الذي هو مُبْتَغَى الشعب ومُبْتَغَى المعارضة فالجانب الشعبيُّ حريصٌ عليه وعلى استكماله وإنجاحه أشدَّ الحرص».
وأضاف «إذا كانت السُّلطة لا ترى وجود مشكلٍ يتطلَّبُ الحلّ، فإنَّ الشعب محترقٌ بنار المشكل، فلا يسعه أنْ يوافق على إنكاره، وإذا كانت السُّلطة تؤمن بوجود المشكل وتعاني من ضغطه، ولكنَّها لا تشعر بالحاجة الملحَّة لحلِّه وليس مستعجلةً في التخلُّص منه، أو لا تريد أنْ تعطي ثمنَ تعافي الوطن منه، وخروجها هي من تبعاته، فإنَّ الشعب يشعر بالحاجة إلى الحلِّ المتمثِّل بالإصلاح الحقيقيّ ومستعجلٌ في ذلك، ولكن لا على حساب كفاية الحلِّ وجديَّة الإصلاح والتعافي الحقيقيّ من المشكل، وهو مستعدٌّ كلَّ الاستعداد للتعامل الإيجابيّ مع إصلاحٍ غير هازلٍ ولا مهزوزٍ ولا منقوصٍ ولا منقوضٍ أو مُتًحَايلٍ عليه».
ونوّه إلى أنه «في ضوء هذا كلِّه، لا يُتَصَوَّر في جانب المعارضة أنْ تستهدف عرقلة الحوار، ووضع العصا في عجلته والعمل على تبطئة سيره فضلاَ عن إفضاله. استهداف المعارضة الداخلة في الحوار لشيءٍ من هذا يمثِّل سيراً في الاتِّجاه المعاكس تماماً لمرادها، فلا يمكن أنْ ترتكب - وهي العاقلة الحكيمة - هذه الحماقة».
ورأى أنه «إذا كان هناك من يعمل على عرقلة الحوار وتعطيله وتبطئته وإفشاله، فلابُدَّ أنْ يكون في غير طرف المعارضة، والشاهد العمليُّ في السَّاحة الخارجيَّة من محاولات قتلٍ عمديٍّ عن طريق الرصاص الحيّ، والتصفية الجسديَّة بالسيَّارات خيرُ شاهدٍ ودليلٍ حيٍّ على ذلك».
وتحت عنوان «الاستفتاء»، اعتبر أن «الاستفتاء على نتائج الحوار من أجل إلزام الشعب والتزامه، وفي لغة الشرع والقانون والعقلاء ولغة الواقع ولمن أراد هدوء الأوضاع وانتهاء الاحتجاجات بكلِّ مظاهرها وفعاليَّاتها أمرٌ لا بُدَّ منه، وبدونه لا يخرج الشعب من صورة القهر».
وبيّن أن «الكلُّ يعرف أنَّ على أرض البحرين شعباً وسلطة، وليس شعباً فقط، ولا سلطةً فقط، ولا سلطةً في مقابلها جمعيَّاتٌ سياسيَّةٌ وبعض الشخصيَّات المستقلَّة فحسب. والكلُّ يعرف أنَّ المشكلة القائمة الحادَّة طرفاها الأصليَّان الشعب والسُّلطة، والكلَّ يعرف كذلك أنْ ليس من أحدٍ لو تكلَّم باسم السُّلطة من غير تفويضٍ صريحٍ منها وإنْ كان من بين أعضائها فإنَّه يمثِّل النظام والسُّلطة، وكذلك أنْ ليس من أحدٍ لو تكلَّم باسم الشعب وإنْ كان واحداً من أبنائه أو عضواً في جمعيَّةٍ من جمعيَّاته من غير تفويضٍ صريحٍ فهو يمثِّله».
وتابع أن «هذه قضايا ثلاث، لا يُمارى فيها، وليس على شيءٍ منها غبار، وفي ضوء هذه القضايا الواضحة أيُّ حوارٍ يكون كلا طرفيه أو أحدهما لا يمتلك تفويضاً صريحاً مِمَّن ينسب نفسه إليه من النظام أو الشعب فهو ليس حواراً بين الطرفين الأصليَّيْن، وأنَّ نتائج الحوار في حكم العقد الفضوليّ، ولا يمكن أنْ يمضي في العدل والقانون إلا بإمضاء الطرف الأصيل الذي لم يُمَثَّل في العقد بإرادته الصريحة».
وأردف أن «هذا على مستوى لغة الشرع والمنطق والقانون والعرف، ومن ناحيةٍ عمليَّة تعالوا نفترض سقفين لنتائج الحوار وما ينهي إليه من إصلاح: سقفاً يرتفع مستوى إصلاحه إلى عشر درجات، وسقفاً آخر يبلغ مستوى الإصلاح الذي يحقِّقه عشرين درجة. والسقف المرتفع نال الموافقة من كلا طرفَيْ الحوار لكنَّه لم ينل موافقة الشعب لهذا السبب أو ذاك، فهل سيعطي التهدئة المطلوبة؟ ويقارب المسافة بين الشعب والحكم؟ وهل سيوقف احتجاجات الشعب ومسيراته ومظاهراته واعتصاماته؟ الجواب بنعم، لا يأتي إلا عناداً ومكابرة. ولو نال السقف الإصلاحيُّ الأقلُّ مستوى رضا الشَّارع وموافقة الشعب لسببٍ وآخر بأنْ اُسْتُفْتِيَ بشأنه وأعطى له موافقته فهل ستُهدِئ هذه الموافقة الوضع وتنهي حالة التوتُّر والفوران وتضع الوطن على طريقٍ جديدٍ بعيدٍ عن الزلزال؟ نعم وبكلِّ تأكيد، فهذا ما تقوله طبيعة الأمور إذا جاء الاستفتاء صادقاً أميناً بلا التفافٍ ولا مراوغاتٍ ولا مغالطات».
وفي سياق خطبته، انتقد قاسم منع المسيرات في بعض المناطق، وذكر تحت عنوان «ممنوعٌ قانوناً أو بقرار»، أن «الاعتصام في المنطقة الفلانيَّة وإنْ لم يعطِّل المصالح العامَّة ممنوعٌ قانوناً أو بقرار، تسيير مسيرةٍ سلميَّةٍ في العاصمة ممنوع، كلام السياسة في بعض المساجد ممنوع، الاجتماع للصلاة في أوقاتٍ مُخْتارةٍ ممنوع، تشييع شهيدٍ في المنطقة الفلانيَّة ممنوع، دفن شهيدٍ لكم لابُدَّ أنْ يكون في المكان الفلاني وغيره ممنوع».
ولفت إلى أن «المنع يمتدُّ ويتوسَّع حتَّى يغطِّيَ جُلَّ مساحة الحياة، ويسدَّ المنافذ ويسلب الهامش الضئيل من الحريَّة، ويضيِّق الأنفاس ويشتدَّ الضغط من غير حساب؛ لكون الصبر ينفذ حسب الطبيعة البشريَّة عند سدِّ كلِّ المنافذ، وأنَّ النِّاس يحاولون المستحيل للقفز على الحواجز لو أُغْلِقَت عليهم كلُّ الممرَّات حتَّى لو توقَّعوا أنَّهم بذلك يخسرون الحياة حيث إنَّ في ذلك فيما يرون المحاولة الأخيرة للاحتفاظ بالحياة؛ لكون الأمر كذلك فإنَّ أخطر ما هو خطر أنْ تسدَّ على النَّاس كلَّ المنافذ».
ورأى أن «كثرة المنع تهدم المنع، وشدَّة التضييق تدفع لكسر الطوق والتمرُّد على الواقع، من العقل جدَّاً ألا تسدَّ كلَّ المنافذ وألا تضيِّق كلَّ السبل إلى الحدِّ الذي لا يُطاق».
ونوّه إلى «هناك واقعٌ فوق الطاقة وواقعٌ لا يمتنع على الطاقة، ولكنَّه يمثِّل حالةً حرجيَّةً تضيق منها الصدور، وقد راعى الدين الحقُّ ألا تكون تكاليفه فوق الطاقة البشريَّة، وألا تتسِّمَ أحكامه بالحرجِ رحمةً بالعباد، وتقديراً حكيماً لواقع الإنسان، وأنَّ حرج الأوضاع لا تصبر عليه النَّفس البشريَة، وأنَّه يفتح الباب على مصراعيه لحالات التمرُّد والانهيار».
وقال: «من أراد لقوانينه وقراراته وسياساته أنْ يصبر عليها صابر فعليه ألا يتجاوز بها حدَّ الطاقة عند النَّاس، وألا تزداد طغياناً وتحوِّل حياتهم إلى جحيم، وألا تكون حياتهم بها حرجيَّة».
من جانب آخر، تحدث قاسم تحت عنوان «دمٌ غالٍ ودمٌ رخيصٌ وكلمةٌ مكلفة»، وقال: «في البحرين وعند السُّلطة بالتحديد دمٌ غالٍ هو دمُ جنديٍّ أو شرطيٍّ ونحن نوافق السُّلطة في ذلك ونشترك معها في الرأي، ودمٌ رخيصٌ هو دم أيِّ مواطنٍ معارض ولا يشاركها في هذا الرأي دينٌ ولا عدلٌ ولا ضميرٌ ولا عرفٌ ولا قانونٌ ولا ميثاق، وهناك كلمةٌ باهظة الثمن في ميزان السياسة المحليَّة هي كلمةٌ تطالب بحقوق الشعب».
وأضاف أنه «لغلاء الدَّم الأوَّل تصدر أحكام بالإعدام وأحكام بالسجن المؤبَّد أهمُّ خلفيَّةٍ لها اعترافاتٌ مأخوذةٌ تحت التعذيب، ولرخص الدَّم الثاني تتوالى أحكام البراءة للقتل عمداً وللقاتل تحت التعذيب إذا كان المقتولُ واحداً من صفوف المعارضة شارك في مسيرةٍ احتجاجيَّةٍ أْمْ لم يشارك وكان القاتل مرضيَّاً عند السياسة».
وذكر أن «كلّ الألوف التي ضمَّتها جدران السجون وتضمُّها، وكلّ الرموز الذين صدرت بحقِّهم أحكامٌ بالسجن المؤبَّد ثمَّ صار حكمهم السِّجن لخمسة عشر عاماً شهودٌ - بمن مات منهم تحت العذاب في السِّجن ومن قضى مدَّة سجنه ومن زال في ظلمات السجون - على أنَّ كلمة الحقِّ المطالبةِ بحقوق الشعب شديدةُ الكلفة هنا باهظة الثمن وثمنها الموت تحت العذاب».